بقلم/ أسماء أبو بكر
فجأة وبدون مقدمات ظهر شاب على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” وهو يقوم بتفريغ محتويات حليب جهينة في طبق أمامه، وعند نفاذ أخر قطرة قطع العبوة إلى نصفين وطالب الكاميرا بعمل “زووم سينمائي” لتظهر بعض الرواسب السوداء للغلاف الدخلي المُبطن لها، ثم أنهي كلامه في النهاية بعبارة دراماتيكية “أنا مش بتاع شهرة ولا عايز اشتهر ولا بفتي، هتلى الرد بتاعك”.
نحن جميعًا تفاعلنا مع الحدث ومع الشاب ولم نفكر ثانية واحدة إذا كان الفيديو المنشور حقيقي أم كاذب وبدأنا كالعادة في وضع لمساتنا السحرية والتاتش المصري الرهيب “ليك” “شير” “تعليق”، “أموشن”، جميعنا دون استثناء “انفعل وتفاعل” وبدأنا في ترديد العبارات المصاحبة لكل مصيبة تحدث في بلدنا “هذه هى مصر”، “شركة فاسدة”، أين الحكومة” “فين الرقابة”، “عالم وسخة”، تابعنا الحدث ولم نلتفت إلى ما وراء الحدث، وهو تأثير ذلك الفيديو على أكبر شركة لإنتاج الحليب في مصر، في وقت تتطلع فيه الصناعة المحلية للوقوف على قدميها مرة أخرى والمنافسة مع القادم من الخارج.
من يقرأ بداية مقالى سوف يعتقد من الوهلة الأولى بأنني أحد عملاء شركة جهينة، أو مالك الشركة نفسها، وربما عميل أغروه بالمال ليرفع أسهمها، لكنني بحق من أشد الغاضبين لذلك وأطالب بمحاسبة كل مسئول في إدارة المصنع عن ذلك الخطأ، لكن السؤال الذي طرحته منذ سنوات ومازلت أطرحه حتى الآن، “لماذا نحارب أنفسنا دائمًا عبر الإنترنت وتحديدًا السجادة الزرقاء أقصد الفيسبوك؟”، ألم نتعلم من كوارث الربيع العربي والشائعات التي صاحبت رياحه المدمرة، ألم نتعلم من الشائعات التي ضربت مصر مع بداية 25 يناير وجعلتنا نتشتت جميعًا.
كيف لحدث مثل هذا أن يصل لملايين من المواطنين في أقل من ساعات معدودة، مع العلم أن التسويق الإلكتروني على مواقع التواصل خاصة “الفيس” أصبح مهنة رائجة ولها شركاتها المعروفة والمتخصصة في ذلك، وهو يبدأ بـ 1 دولار للوصول إلى ثلاثة الاف شخص تقريبًا، فكم من الدولارات تم دفعها أو ما يوازيها للوصول إلى الملايين على “السجادة الزرقاء” لنشر ذلك الفيديو، والذي شاهدته مصر تقريبًا، هذا هو السؤال الثاني الأهم، بغض النظر عن مصداقية الفيديو من عدمه.
ألا تعلمون أن مواقع التواصل الاجتماعي الآن خاضعة لـ للحكومة الأمريكية وهناك تعاون وثيق بينها وبين هيئة الاستخبارات الأمريكية، بالطبع لا تدركون ذلك، وهو ما يفسر لنا كم الأخبار الكاذبة والمحرضة التي تنشر يوميًا في منطقة الوطن العربي، وللأسف نتفاعل معها دون أن نتأكد من صحتها حتى تتحول الشائعة بمرور الوقت إلى حقيقية دون أن ندري.
امتهنت التسويق الالكتروني منذ سنوات مضت، وأعرف جيدًا الخلطة السحرية لتغيير مزاج المستخدمين من الخير للشر ومن الفرح للحزن ومن الهدوء للفوضى، فأنا أستطيع أن أنشر خبرًا في بلد ما وفي منطقة معينة ولطبقة معينة وأكتب فيه ما أريده دون أن يحاسبني أحد، مبلغ 1 دولا فقط كفيل بإحداث كارثة في أى منطقة من بقاع العالم خاصة دول العالم الثالث (العالم الثالث في كل شيء).
الصين أدركت الخطر مبكرًا وأطلقت ما يسمى بـ “الجدار الناري العظيم” لحجب المواقع الاجتماعية الشهيرة مثل فيسبوك، تويتر، ويوتيوب إلى جانب العديد من المواقع الإخبارية الأخرى المحرضة، ونجحت كثيرًا في خلق حالة من الهدوء بين مواطنيها البالغ عددهم 1.386 مليار تقريبًا.
سؤال مُغلف بالنصيحة أتمنى أن يفطن إليه الجميع، “لماذا لا نعود بخلافاتنا أيًا كانت نوعها سواءً كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية من الإنترنت إلى بيوتنا مرة أخرى؟”، فبدلاً من أن يذهب الشباب صاحب عبوة الحليب لنشر الفيديو على “فيسبوك” فيقوم باتخاذ الإجراءات القانونية المعروفة، لكننا المصريين مازلنا مُصرين أن نسير ضد أنفسنا، وضد كل شيء يبعث بالهدوء والطمأنينة، أسأل الله أن يهدي الحال، ويأتي اليوم الذي نطوي فيه صفحات “التباعد الاجتماعي” أقصد التواصل الاجتماعي للأبد.