بقلم: إدوار ثابت
ملخص العدد السابق
ألتحق بمعهد من المعاهد الفنية فتفوق فيه فكان حتى السنة الثالثة أول دفعته وتقديره العام جيد جداً وما أن يأتي العام الرابع وهو عام التخرج حتى يلوح الحاقدون عليه من بعض الطلاب و الأساتذة وكان هؤلاء الأساتذة هم الدكتور إبراهيم وعميد المعهد وشوقي وزوجته فكانت بهم عنصرية واضحة وحقد بالغ .
يوشك العام الرابع على الإنتهاء ، وهو عام التخرج في المعهد وكان على كل طالب أن يقدم مشروعاً من مشروعات التخرج ينفذه بأجهزة المعهد ثم يعرض بعد ذلك على لجنة خارجية من الأساتذة لتقييمه وكان الدكتور إبراهيم وللأسف هو المشرف على هذه المشروعات . والحق فقد كان لا يشرف على شئ وإنما هي المبالغ التي تصرف له ولغيره لهذا الأشراف ولكنه فقط يضع الجدول الذي يبدأ فيه كل طالب تنفيذ مشروعه وظل هو يستدني الوقت الذي يفصح له عنه ليبدأ مشروعه وعندما تأخر ذهب إليه يسأله وليته لم يسأله متى ينفذه فيقول له في شدة : غداً .. ولك أربعة أيام فقط وليس أكثر منها لتنهيه على الرغم من أن الوقت الذي كان يعطيه للطلبة غيره أكثر منها بل يزيد عما يحتاجون إليه فأضطر هو أن يسهر ليلتين في المعهد لينفذه في الوقت الذي أبلغه به ثم أقتنص هذا الدكتور سؤاله فأستفسر منه عن كيف ينفذ مشروعه وهو ما ليس له الحق فيه وما ليس له مبرر فهو لا صلة له به ولا بعمله فأحس هو أن عرقلة يرغب في أن يعطله بها فأوضح له فقط مضمونه وما ينتهي إليه يعرف في ذلك جهله عما ينتهي إليه بل عن موضوعه كله فهو في قسم غير القسم الذي يدرس به فإذا هو يقول له في غضب وشدة لا مبرر لهما وكأنما يتحداه : لابد وأن تعرف .. أنا لم أعطيك وقتاً أكثر مما لك فيومئ هو له في هدوء ثم يضيف : أربعة أيام فقط . ويقبل اليوم الذي يرى فيه أعضاء اللجنة مشروعه وكانوا من خمسة أساتذة جلسوا يشاهدونه وأنزوى الدكتور مصطفى عميد المعهد في ركن بالصالة وظل هو قريباً منهم يراقبهم يرنو إليهم وإلى وجوههم دائماً فيلحظ عليهم ما ينم عن إستحسانهم . وما هي إلا دقائق حتى يأتي الدكتور إبراهيم فيتطلع نحو الأساتذة ويقول : يا سادة هذا الطالب لم يلتزم بما قلت له أن يلتزم به يقول ذلك في أرتباك وفي كذب يؤكد خسته وكأنما يرغب في سذاجة وغباء على أن يؤثر على قرار اللجنة وهذا في الحق ما ليس له شأن به ويصمت الدكتور مصطفي عميد المعهد كما لو كان ينتظر نتيجة هذه الخسة التي لا تضارعها خسة . ويضجر هو مما أبداه هذا الدكتور من هذه الخسة والكذب اللتين لم يتحمل أن يمتنع عنهما فيلتفت إليه ويقول في حمية يكشف بها عن رياءه .. أنت لم تلزمني بشئ لم ألتزم به ولكنك قلت لي فقط كما تعرف أن لي أربعة أيام ولا أكثر منها لأنفذ مشروعي وقد سهرت هذه الأيام كلها لأتممه في ذلك الوقت فيشير إليه عميد المعهد بيده أن يمتنع عن المناقشة ولم يجب الدكتور إبراهيم ولكن أستاذاً من أساتذة اللجنة بدا طيب النفس والخلق يلوح على وجهه الأشمئزاز مما سمع منه فيقول له : يا دكتور هذا موضوع لا يهمنا وليس لنا شأن به فينصرف من الصالة وقد حمل خزيه وخسفه . وتنتهي اللجنة من فحص مشروعه فيتجه إلى صالة المعهد ويتأنى قليلاً وقد بدا عليه الضيق فما أن يقبل إليها أساتذة اللجنة حتى يرنو هو إلى ذلك الأستاذ الذي أحس بطيبته فإذا هو يدنو منه ويقول مبتسماً : لا تغضب ، ثم يتفوه بما لم يستطع أن يخفيه وبما أستغرب هو له : هذا إنسان حقير أعرفه فيقول له هو : يا أستاذ لقد كذب فيجيبه مؤكداً : أعرف أعرف وهو ليس من حقه أن يفرض عليك أن تفعل هذا وما لاتفعله فهذا مشروعك أنت المسئول عنه وعن قيمته ثم أن ما أبداه يوضح جهله فلو ألتزمت به لأضعف مشروعك ويوضح شخصيته الهزيلة بل وغباءه ويهذ الأستاذ رأسه ويضم شفتيه في أستغراب وأشمئزاز معاً فيستغل هو هذه الطيبة فيه فيسأله في خجل ما رأي سيادتكم في مشروعي ؟ فيقول له مبتسماً رأياً لم ينسه : أنت متمكن من عملك بشكل رائع يسمع ذلك ولم يستفسر منه على أكثر مما أفصح عنه حتى لا يبدو وكأنما يكشف له عن نتيجته رغماً عنه فيشكره فيومئ له هذا الأستاذ وبهزة من رأسه يحييه بها وينصرف مع زملائه الأساتذة فهل هناك أكثر من ذلك كذب وحقارة بل خسة وحقد تمتلئ بهم نفس هذا الدكتور إبراهيم ومعه عميد المعهد . وتنتهي دراسته بالمعهد فما أن يأتي اليوم الذي تعلن فيه نتيجة تخرجه حتى يهرع ملهوفاً إلى المعهد ، ينظر إلي لوحة الإعلانات ويتطلع إلى أعلى الورقة التي تدون عليها النتيجة فلا يرى أسمه الأول وينزل برؤيته سريعاً إلى أسفل .. ولا الثاني ، ولا الثالث ، ولا الرابع ويرى أسمه الخامس وأمامه تقدير جيد فتنتابه رعشة يضطرب لها فلم يتماك نفسه فيندفع إلى حجرة العميد الدكتور مصطفى فيرنو ويتحدث إليه في هجوم لا يبالي به يصيح فيه ويقول له في شدة وكأنما يدينه على ما حصل عليه وعلى ما فعلوه : « إذا لم ترغبوا في أن أكون أول الدفعة فأعطوني تقديري الذي أستحقه وكان يجلس أمامه الدكتور حسين الذي يدرس علم النفس والذي يرى فيه رقي الأخلاق وطيب الخصال يتطلع إليه ولم يقل شيئاً ولكن العميد لم ينفعل لتهجمه ولم يثُر من إدانته فإذا هو يبتسم إليه في خبث ويحدثه في هدوء فيقول له : ما بالك الأول أو غير الأول في عملك المقبل هو الذي يوضح كفاءتك . وينصرف من أمام هذا العميد وبه غصة وكره منه فما أن يتجه إلى ساحة المعهد حتى يرى أستاذاً ممن كانوا يدرسون له يسأله عن نتيجته فما أن يسمع منه ويعرف حتى تبدو عليه دهشة وكأنما هو لم يصدق فيهز رأسه تعجباً كما لو كان يخفى شكاً فيقول له فيما يشبه الغيظ أن يقدم شكوى إلى رئيس إدارة المعهد فيبتسم في سخرية ولم يفعل ذلك فهو يعرف أن مثل هذه الشكاوى ترسل ثانية إلى المشكو في حقهم ويعرف استطاعتهم أن يحموا أنفسهم وأن يجبوا عليها بما لايدينهم فمثل هؤلاء ليسوا من السذاجة بحيث ينظمون الدرجات بشكل يتهمهم . وتنتابه حيرة بل وشك شديد فبعد أن حصل في الثلاث السنوات الأولى على تقدير جيد جداً وكان أول دفعته يكون هذا تقديره الذي وضعوا درجاته هكذا ولكنه يفكر كثيراً فيدرك أموراً ويعرف بعدها أموراً يتأكد منها أن درجاته ليست هي التي يستحقها وأن هؤلاء الأساتذة قد تلاعبوا فيها وأكثرهما بلا ريب الدكتور إبراهيم وعميد المعهد أولها هو أستغرابه من هجومه على العميد وحديثه إليه في صياح بمكتبه يؤنبه بل يدينه على نتيجته : أما كان الأولى به أن يغتاظ لهجومه وينفر من صياحه اللذين يزلزلان منصبه كعميد للمعهد فينهره ويقول له في أنفعال أن هذه درجاته وهذا تقديره الذي يستحقه بل ويشتد عليه ويطرده من مكتبه فما باله يبتسه إليه في خبث ويحدثه في لين ومهادنة وكأنما يخشى أن يتطور الأمر إلى أكثر من هذا النقاش فهو ينكر قهراً أو يتناسى بهدوئه المريب الحقيقة فهو يعرف أن حصوله على درجة الجيد جداً تؤهله للتقدم إلى منصب المعيد بالمعهد وذلك ما لا ترضاه عنصريته وخسته هو والدكتور إبراهيم . ولكنه يرغب في أن يعرف درجاته التي حصل عليها ليتأكد من هذا التلاعب الذي سعى إليه هذان الأستاذان فيقدم خطاباً إلى إدارة المعهد للحصول على مستند يوضحها فما أن يأخذه وينظر فيه حتى يرى ما يسخر منه سخرية يملؤها الغضب فقد رأى أن دروسه كلها متميزة ولكن بعضها هي التي أثرت على نتيجته وأضعفت تقديره أولها هو مشروع التخرج حصل فيه على درجة بين المقبول والجيد ومادتان هما الموسيقى والصوتيات ثم مادة الفن التسجيلي ففي الموسيقى حصل على المقبول وفي الصوتيات على درجة بينه وبين الجيد ثم مثلها في الفن التسجيلي وهذه كلها ما لم يحصل عليه طوال الثلاث سنوات الأولى بالمعهد أما المشروع فدرجته كما عرف هي ثلاثون في المائة من القيمة الكلية وأن خمسين في المائة منها على الإشراف المسئول عنه الدكتور إبراهيم . وعلى الرغم من تلك الجملة التي لم ينساها والتي أفصح له عنها ذلك الأستاذ الطيب من أعضاء لجنة فحص المشروع وهي : « أنت متمكن من عملك بشكل رائع « وإشمئزازه من حديث الدكتور إبراهيم إلى أعضاء اللجنة فلم يتحمل ذلك منه حتى قال له :» لا تغضب .. هذا إنسان حقير أعرفه « إلا أن هذه النسبة من إشراف المشروع التي في سلطته أن يضعها والتي ليس لها حيثيات أو أوراق مكتوبة وقد تكون مثلها درجات أعضاء اللجنة أنفسهم التي ترسل إليه وسلوكه السيئ معه ثم حقده وعنصريته فهذه كلها تؤكد من غير ريب تلاعبه في درجاته التي أضعفت تقديره ولا سيما أن من عمله هو رصدها في النتيجة مع الدكتور مصطفى الذي تواطئ معه . أما الفن التسجيلي فقد كانت تدرسه الدكتورة نجوى وهى زوجة الدكتور شوقي الذي كان كلما رأه يتندر معه ويمزح فيما لا يستدعى التندر والمزاح ويتحدث إليه في لهجة منكرة أقرب إلى السوقية منها إلى الرقي فكانت هي على الرغم من أستسخافه ما يبدو منه تبتسم وهي تسمع حديثه وترى سلوكه وكأنما تستمتع بهما وترضى عنهما . والحق فقد كان يراها دون تحيز لا تصلح للتدريس ويتعجب كيف حصلت على هذه الدكتوراة فهو لا يلمح فيها عندما تتحدث في محاضرة أو غيرها لمحة من ثقافة أو سمو مثلما يرى مثلاً في الدكتور حسين أستاذ علم النفس من رقي الأخلاق وغزارة الثقافة أما هي فتبدو كإمرأة من العامة التي تشعر فيها بذلك النمط الشعبي الذي يلوح ويتحدث به هؤلاء النسوة فكانت كزوجها طرفاً من أطراف عصابة هؤلاء المتحيزين الحاقدين ثم المادتان الصوتيات والموسيقى فقد شك في أن تكون درجته في الصوتيات التي وضعوا نتيجتها هي التي يستحقها فقد أجاب فيها إجابة متميزة أما في الموسيقى فكان شكه فيها قوياً دهش له وغضب غضباً شديداً فقد كان مدرسها يلقبه « ألفا الفصل « وكانت دروسها عن تحليل المقطوعات الموسيقية فكان هو يدرسها جيداً ثم يفعل ما لا يفعله كل الطلاب فيذهب إلى المكتبة الموسيقية ويطلع على النوتة التي تدون بها المقطوعة وعلى الرغم من أن هذا لم يكن من تخصصه أو ما يحتاج إليه هذا الدرس من فهم هذه النوتة فقد كان يسعى فينظر إلى أخر المقطوعة وقفلتها الموسيقية فيستوعب كتابتها بالنوتة الموسيقية وكان يتحدث بذلك في المحاضرات أمام أستاذ الموسيقي فإذا هو يسمع منه فيعجب بكفاءته ويدهش لفهمه فيومئ له ويبتسم فخراً وأغتباطاً . وليس ذلك فحسب ففي يوم الأمتحان الشفوي في أخر هذا العام وكان بصالة الأمتحان أستاذ الموسيقى ومعه أستاذ من خارج المعهد فما أن يطرق الباب ويقبل إلى الصالة أخر الطلاب مثلما يفعل دائماً وما أن يراه أستاذ الموسيقى حتى يبتسم ويتأوه ويتهلل ويندفع في صياح ويقول للأستاذ الخارجي : « آه ، هذا هو ألف الفصل وقد تعجب هو مما صدر منه ولكنه يبدو لم يستطع أن يتحكم في أحداثه وأفتخاره فما أن يجلس أمامهما حتى يبتسم إليه الأستاذ الخارجي ويسأله في ذوق سؤالأً ينتظر إجابته أستاذ الموسيقى في تأهب وترقب معاً فيجيب هو عن سؤاله في ثقة ويستفيض فيه بل ويشرح له من إطلاعه وثقافته ما يرتبط به وبما يؤكده من النوتة الموسيقية فإذا أستاذ الموسيقى قد زادت أبتسامته وأهتزت رأسه في إعجاب وأغتباط وإذا الأستاذ الخارجي لا يقل عنه إعجاباً ودهشة بل وأفتخاراً فيسأله في ذلك « هل درست النوتة الموسيقية فيقول له : للأسف فهي ليست من تخصصي فيقول له الأستاذ في ذوق وهو يومئ أعرف أعرف فيضيف هو ولكني أتذوق الموسيقى وأفهم بعض أنماطها ولكني مع تذوقها أسعى إلى فهم قواعدها وقواعد النوتة فيقول له الأستاذ جملة لم ينسها كما لم ينسَ مثلها وكأنه يحثه : إذا درست النوتة يمكنك أن تؤلف الموسيقى . فهل بهذا التقدير من الأستاذين يحصل في امتحانها على درجة المقبول أم ما فعلوه حقيقة لا شك فيها ؟!! وتحير في ماذا يفعل هل يذهب إلى الدكتور إبراهيم وإلى الدكتور نجوى الحاقدة مثله ولكن لا جدوى فسوف يحدثانه مثلما حدثه عميد المعهد في خبث وذلل ولكن هناك من يستطيع أن يحدثهما وهما أستاذ الصوتيات وأستاذ الموسيقى فهما لا يرتبطان لهذه العصابة فلا يمكن لهما أن يقتنع بتقديره الذي حصل عليه بل ولا يمكن لأستاذ الموسيقى أن يصدق حصوله في مادته على درجة المقبول فهو يعرف كفاءته في أمتحاناته وكيف أجاب في أمتحانه الشفوي فيبحث عنهما ويسأل موظفة بإدارة المعهد فتفصح له عن أمر يحبط سعيه وهو أن هذين الأستاذين قد أعيرا إلى بلدة من البلاد العربية للتدريس بها ويبتسم في سخرية وضيق هكذا أستطاع هؤلاء أن يضعوا نتيجته : الدكتور إبراهيم المشرف عل مشروع التخرج والمسئؤل عن رصد درجاته ودرجات لجنة فحصه والدكتور نجوى أستاذة الفن التسجيلي المتعصبة بمعرفة زوجها ثم درجات هذين الأستاذين اللذين أعيرا إلى بلدة عربية قبل إعلان النتيجة حتى لا يكون هناك مجال للكشف عنها هذا ما سعى إليه هؤلاء حتى يمنعوا تفوقه ويحبطوا فرصته من التقدم إلى منصب المعيد فهم وأمثالهم يوفرون هذا المنصب لمن هم
على اهوائهم أو لمن يفرض عليهم وبدا لا حيلة له ولكنه يفكر في شيء وكأنه يصارع به هؤلاء فتقديره الجيد يطيح ان يتقدم لدراسة الماجستير والدكتوراة فينظم أوراقه وذهب بها إلى المعهد فما أن يدنو منه ويراه حتى يشعر بالنفور من هذا المكان الذي كان يحبه ويحب الدراسة فيه بل ويشمئز ممن به فيهرع إلى سيارته يستقلها وينأى عنه وكأنما يفر منه . وهذا ما ندم بعد ذلك فقد كان يثق أن دراسة الماجستير والدكتوراة سهلة عليه يمكنه أن يحصل عليها في فترة قليلة ولكنه نفره منها هؤلاء الأساتذة الذين يطلق على كل منهم لقب دكتور ومعه هذا العميد والذين يعملون بهذا المعهد الذي لا يرقي بعملهم به بل وبهم . وعلى الرغم من كل ذلك فقد يعتقد البعض أن ما فعلوه هؤلاء هو من الخيال وليس من الحقيقة وأن ما فكر فيه هو من الشك وليس من اليقين في شئ ولكنه بعد عام يعرف أن ما فعلوه حقيقة لا خيال وأن ما فكر فيه يقيناً لا شك فيه ففي جلسة مع بعض أصدقائه يرى الدكتور حسين أستاذ علم النفس هذا الأشتراكي الذي يرى فيه رقي الخلق وغزارة الثقافة فيرحب به الدكتور ترحيبا شديداً فيستأذنه هو في خجل أن يجلس إليه كطال يستأذن من أستاذه ولكنه يقول له في تواضع وأدب : « تفضل أنت زميل « فيؤثر فيه أدبه وفي حديثه إليه يسأله عن تدريسه بالمعهد فيقول له لقد ترك المعهد وما أن يستفسره ذلك حتى يبدو عليه نفور يضم شفتيه ويتفوه معه بألفاظ متناثرة وكأنما يأبى بخلقه أن يبدي عما تحويها ولكنها أفصحت عن مضمونها يقول له بها : لا .. المعهد .. ليس .. هو ويهز رأسه فيما يشبه الأشمئزاز ويصمت في غير إفصاح فيقول له هو : أعرف لقد كنت به ويبدو وكأنما لم يقوَ على أنيخفى ما بباطنه فيندفع في ترو يكشف له عن سر في حديث يقول له فيه : لقد تآمروا عليك فينظر إليه في دهشة ويومئ في أبتسامة يبدو مغزاها وكأنما يعرف وقد أستيقن ما فكر فيه فيستفيض الدكتور في هدا الحديث الذي لو نسي مثله في أحاديث فلا ينساه وإذا أفصحاه هذا يبطئ الخيال ويبرز الحقيقة ويزيل الشك ويؤكد اليقين وكأنما هذا الدكتور الراقي يزيل به عن عاتقه حمل ثقيلاً وينكر به التحيز ويكره العنصرية ويعطيه الحق في أن يعرفه فيقول له : لقد أسروا إليا بأسلوب ملتو أن أقلل درجتك في علم النفس فصمتُ ولم أتكلم وسمعت وكأني لم أسمع فلم يحدثوني بعدئذعن ذلك وقد عرفوا شخصيتي فقد رأيتك عندما اندفعت إلى مكتب العميد وهاجمته بل وأنبته على تقديرك بعد أن عرفت نتيجتك وكنت أنا معه فإذا هو وقد طعنت أنت ضميره وحقرت من منصبه يحدثك بلهجة هادئة سخيفة وأسلوب مرن خبيث وبعد أن أنصرفت من مكتبه غاضباً تحاشى في حديثي معه أن ينظر إلى عينيا وكأنما يخفي ما غمره من الخجل والخزى وينكر ما أصابه من الذل والزلل هكذا كان هؤلاء الحاقدون العنصروين الذين حصلوا على الدكتوراة من روسيا عندما كان يذهب إليها بعض الأساتذة فيدرسون هناك فترة تطول أو تقصر فيأتون وقد تثقفوا ورقت أخلاقهم وتمثل بعضهم تلك المثل العليا التي أحسوها وشاهدوها في هذه البلاد فيتأثرون بها فتبدو في سلوكهم وعقائدهم وتقاليدهم أما هؤلاء فلا شئ من ذلك فيهم ، لا ثقافة ولا رقي بل ولا مثل عليا ولا ضمائر وكأنما كل هذا قد غاب عنهم أو غابوا عنه بل وكأنما لم يستسيغوه أو يتذوقوه بل وكأنما لفظوه وازدروه فمهما أحسوا وأبصروا فهم كما هم وكأن شيئاً لم يكن ذهبوا وأتوا ولم يحصلوا إلا على هذه الدرجة التي يفتخرون بها ويتعاظمون والتي لا يُعرف حقيقة حصولهم عليها فلم يتمثلوا هذه المثل العليا لهذه البلاد ولم يتأثروا بتقاليدها وعقائدها وإنما ظلوا متأثرين بتقاليدهم الموروثة وعقائدهم التي تكمن في نفوسهم وبعنصريتهم وتعصبهم اللذين شبوا عليهما وباهوائهم التي أفسدت سلوكهم فلم يتغيروا ولم يستطيعوا بل لم يرغبوا في تغييرها وكأنما هي قد تأصلت فيهم .
البقية في العدد القادم .