بقلم: سليم خليل
يمكن إعتبار الخدمات البريدية كرمز للتعاون السليم بين مختلف دول العالم فقيرة أم غنية ؛ صغيرة أو كبيرة . نستعمل هذه الخدمات بشكل عادي دون أن نعلم المراحل التاريخية والمفاوضات والمعاهدات التي ضمنت لنا هذه الخدمات الشبه مجانية.
قبل الطيران كانت رسالة موجهة من كندا إلى اليابان تمر في عشرات البلدان بدون أي عقبة صديقة كانت أم عدوة ؛ فالبريد بكافة أشكاله رسائل مغلفات وطرود مضمون الوصول إلى بلد المقصد بشكل سليم ؛ كافة هذه الضمانات كانت نتيجة مفاوضات ومعاهدات طويلة طرأ عليها تعديلات لتسهيل وضمان نقل ميليارات الرسائل بشكل سريع وسليم.
أول الخدمات البريدية كانت محلية وبدأت في الخدمات الحكومية الأوروبية ثم في خدمة الأثرياء . كان رسم البريد يَدفع حسب المسافة؛ على سبيل المثال كانت تكلفة إرسال رسالة من نيويورك إلى بوسطن ٧٥ سنت مسافة ٤٥٠ كم ؛ كان هذا المبلغ معاش عامل ليوم واحد في ذلك الوقت؛ بهذه الكلفة يستحيل على الفرد العادي إرسال رسالة. لتسهيل التواصل صدر عام ١٨٤٥ قرار التعرفة المخفضة : خمسة سنت من وإلى أي منطقة في الولايات المتحدة وأخذت تتبعها باقي الدول .
نتيجة رخص التعرفة إزداد عشرات الأضعاف تبادل الرسائل بالبريد وعندما ازدادت الحاجة إلى البريد الخارجي ؛ أي مرور الرسالة بعدة دول بدأت المفاوضات لتنظيم مرور البريد من دولة إلى أخرى لغاية بلد المقصد.
عام ١٨٦٣ وجه الرئيس أبرهام لينكلن الدعوة إلى ١٥ دولة بمهمة تنظيم تداول البريد عالميا ونتيجة المفاوضات تأسس الإتحاد البريدي العالمي عام ١٨٧٦ . حاليا يتضمن الإتحاد ١٢٠ دولة يجتمعون كل خمس سنوات في مدينة بيرن في سويسرا حيث يوجد المركز الرئيسي للإتحاد لدراسة وتعديل وتحسين الخدمات .
على سبيل المثال ونتيجة رخص تكلفة البريد في الولايات المتحدة عام ١٩٧٠ تم تبادل وتوزيع ٨٠ بيليون رسالة . نتيجة التزايد الهائل بدأت أفكار تخفيض العمل اليدوي فتقرر وضع رموز للمدن والبلديات وأنتجت الأدمغة آلات فصل البريد التي تقرأ الرموز وتوزع الرسائل .
تاريخيا، من أوائل الإتفاقيات البريدية كانت بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لأن مرور مغلف برا عبر روسيا البلد الممتد آلاف الكيلومترات إلى اليابان أو الصين في الشرق الأقصى كان أسهل من أن ينتقل عبر عشرات البلدان الأوروبية والآسيوية .
مع التطور المذهل والسرعة نتيجة إختراع آلات التواصل مثل البرقيات والهاتف ثم التيليكس وتبعها الفاكس وحاليا البريد الإليكتروني، انخفضت كمية تبادل الرسائل العادية لكن الخدمات البريدية باقية وضرورية ويعمل في استلام البريد وتوزيعه الملايين من مديرين وعمال وموزعين ويبقى البريد رمز التعامل السليم بين الدول الصديقة والدول المتحاربة.