بقلم: تيماء الجيوش
لا يمكن لصراع أو حربٍ أن تبقى قائمة لوقت طويل. يأتي السلام غالباً ليُنهي العديد من السنين التي نالتها قسوة الحروب والدماء .
و هذا حدث و هذا ما شهد عليه تاريخنا الإنساني في القرن العشرين من حربين عالميتين ذهب ضحيتها ملايين المدنيين، ناهيك عن حروب إقليمية، حرب أهلية هنا وهناك. التحدي الأساسي لا يكمن حقيقة في إشعال فتيل حرب بل في إخمادها و نهج سلامٍ دائم مستمر ليس بهشٍ أو مصطنع يتهاوى لأي سبب ليعاود بعنفٍ يحصد حيوات الرجال والنساء والأطفال. و لعل هذا هو التحدي الحقيقي أن تُنقذ أجيال بأكملها و تحمي مستقبلها من ويلات الحروب.
ميثاق الأمم المتحدة الذي وُقع في سان فرانسيسكو في العام ١٩٤٥ و في المادة الاولى منه قد أكد على أن من مقاصد الميثاق الأهم حفظ السلام و الأمن الدوليين و لهذا الغرض تُتخذ التدابير التي تمنع تهديد السلم و كل ما يُخّل به على أن تُستخدم و بناءً على مبادئ العدل والقانون الدولي كل الوسائل السلمية لحل المنازعات الدولية . لكن إن حدث و نشب نزاع دولي فقد نصّ ذات الميثاق في مواد تالية على ما يتوجب على أطراف النزاع من القيام به من حيث اللجوء إلى الحل السلمي باعتماد المفاوضات و التسوية القضائية و التحكيم والوساطة وأضاف الوكالات و التنظيمات الإقليمية في حيز الوسائل السلمية للنزاعات الدولية . ناهيك عن انه يمكن لمجلس الأمن توجيه الدعوى لأطراف النزاع بالتسوية وتبني إحدى الوسائل أعلاه.
هذا من حيث النص ، لكنه بقي محدوداً حين تناول كيفية الحفاظ على السلام مع الانتهاء من الحروب و الصراع العسكري و ترسيخ عدالة السلام . على أية حال ومع انتهاء الحرب الباردة كان الحديث يتصاعد عن السلام المستدام و بقي محل بحثٍ و عمل من قبل العديد من الخبراء لا سيما من زاوية عمل الأمم المتحدة وتعزيز قدرتها على الحفاظ على السلام والأمن الدوليين مع الاعتراف الضمني أحيانا و الصريح في أحيان كثيرة من قبل الشُرّاح أن المهمة الرئيسة لميثاق الأمم المتحدة و كما وردت في المادة الأولى آنفة الذكر غير معترفٍ بها عملياً و لا تحظى بأولوية كافية. أيضاً و بشكلٍ عملي لا يمكن للمجتمع الدولي و كذلك الأمم المتحدة أن تكون فاعلة كما يجب في الفترة الممهدة او التي تسبق الحروب والصراع او تلك التي تليها .
على الصعيد السياسي والقانوني فلا شك أن الصراع و سياقاته المختلفة لا ينتهي دون تنازلات سياسية من هذا الطرف او ذاك . و مع هذه المرحلة تولد من رحمها قوانين ما بعد الحرب و الشروط التي لا بد من توفرها . لا سيما عملية السلام المستدام الذي لا ينهار تحت وطأة أي ظرف . على أية حال الفهم المعاصر للسلام ينظر إليه على انه رؤيا مشتركة من قبل المجتمع لتلبية ما يحتاجه و يقف مانعاً أمام عودة الحرب عبر معالجة مسبباتها و بشكلٍ جذري وإحلال المصالحة والخطى نحو التعافي. وهو أي السلام المستدام من عوامله الرئيسة الأمن والتنمية و حقوق الإنسان والديمقراطية و عدم توفير هذه العوامل يعني حتماً الفشل الذريع. و عند دراسة الديمقراطية كعامل أُثير سؤالاً هل السلام يصنع الديمقراطية أم أن الديمقراطية هي التي تصنع السلام؟ ما أن تُذكر الديمقراطية حتى يتبادر إلى الأذهان حرية الرأي و التعبير، حرية التجمع، الانتخابات الحرة، البرلمانات الشرعية المُنتخبة في ظل احترام الحريات وعدم انتهاكها، التشريع و دور القانون . ليس هذا فحسب بل يُضاف إلى ذلك أنها أي الديمقراطية عاملاً هاماً يحمي السلام من الفشل ، فالدول الديمقراطية و المعني هنا دول ديمقراطية راسخة في تقاليدها كا السويد، سويسرا، النمسا ، نيوزيلند…الخ و ليست محلاً لتحولات أو ديمقراطيتها غير كاملة و مؤسساتها ضعيفة. هذه الدول لا تدخل في حروب ضد بعضها البعض. كما أن مبدأ المساءلة والمحاسبة و المؤسسات الديمقراطية تجعل السلطات والحكومات مسؤولة أمام ناخبيها، الشعوب هنا هي التي تتخذ القرار بالحرب و هي من تحاسب من يخالف إرادتها و جرّها إلى متاهة الدماء و العنف. و بالتالي من يتحمل وطأة اتخاذ القرار بالحرب و شنّها سيخرج من منصبه بمعنى آخر انه لن يعود إلى السلطة سواء كان رئيساً، وزيراً، مستشاراً، رئيس حكومة…الخ. وهذا قد يُجيب و لو بشكلٍ جزئي على السؤال و يعزز في حيزٍ ليس بالنسبي موقع الديمقراطية في بناء السلام.
عندما تعمُّ النظم الديمقراطية فهذا يساعد على بناء منظومة عملٍ وعلاقات فيما بين الدول التي ستؤكد على احترام سيادة بعضها البعض وتحافظ على القيم الليبرالية و بالنتيجة هناك أمر واقع في سياسات الدول الليبرالية الديمقراطية هو أنها لا تلجأ للحروب ما دام مهمتها هي حماية الحريات . إيديولوجيا الديمقراطية تنفي نفياً قاطعاً و بنيوياً النزاع و الحروب بل تلجأ للحلول الودية، المفاوضات ، التحكيم و كل ما نص عليه ليس فقط الميثاق بل تجربة المجتمعات الإنسانية و رؤيتها لممارسة السياسة و قيمها. أعياد الميلاد قادمة و في ظلها نأمل بالسلام و نرجوه في عالمنا العربي ، نأمل أن لا تُزهق أرواح المدنيين من رجالٍ و نساءٍ وأطفال . نأمل أن تكون هناك ديمقراطية تُمارس و تُحترم قيمها و قيم حقوق الإنسان في وطننا العربي، أن تنتهي الحروب و الحروب الأهلية، الصراعات و دوائر العنف. ولنا أن نأمل و نحلم. الرحمة للشهداء . الرحمة للأطفال جميعاً، الرحمة لأطفال العرب، الرحمة لأطفال فلسطين.