بقلم / مسعود معلوف
سفير متقاعد
غالباً ما نسمع المرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة يعدون الناخبين بأنهم سيتخذون قرارات معينة منذ اليوم الأول لتسلمهم الرئاسة، ومعظم هذه الوعود تتعلق بمصالح الولايات المتحدة بصورة عامة أو بمصلحة المواطنين مثل الإعفاءات الضريبية أو غيرها. فالرئيس السابق جو بايدن وقع في اليوم الأول لتسلمه السلطة على 17 قراراً رئاسياً تنفيذياً في مواضيع مختلفة، بينما الرئيس ترامب وقع في اليوم الأول من رئاسته على 26 قراراً، وهذا أكبر عدد من القرارات التي يوقعها أي رئيس أميركي قبله في يومه الأول.
دونالد ترامب معروف بأنه رئيس غير نمطي، أناني الى حد بعيد إذ يركز في كل أمر على مصلحته الشخصية دون أن يأخذ أي أمر آخر بالإعتبار، ويود أن يترك بصماته في الشؤون السياسية والإقتصادية والإجتماعية ليس فقط على الصعيد الأميركي بل أيضا على الصعيد العالمي.
في حملته الإنتخابية، ركز ترامب على مجموعة من المواضيع مثل الهجرة غير الشرعية، وعزمه على ترحيل الملايين من الذين دخلوا الولايات المتحدة بصورة غير شرعية خاصة عبر المكسيك، وفرض رسوم جمركية على المستوردات من المكسيك وكندا والصين وغيرها من الدول، كما توعد بإلغاء معظم القرارات التي اتخذها سلفه الرئيس بايدن في مواضيع وشؤون داخلية ودولية مختلفة، وذلك تحقيقا لرغبته في الإنتقام من بايدن ومن عدد من معاوني ترامب نفسه في ولايته الأولى بين عامي 2017 و 2021 الذين انقلبوا عليه في حملته الإنتخابية الثانية.
الهجرة غير الشرعية: في العقدين الماضيين منذ مطلع هذا القرن، دخل الولايات المتحدة ما يقارب عشرة ملايين من المهاجرين غير الشرعيين، قسم منهم عن طريق الحدود الكندية ومعظمهم عن طريق المكسيك. في حملته الرئاسية الأولى عام 2016، ركز ترامب على هذا الموضوع مثيراً المشاعر السلبية لدى اليمين الأميركي المتطرف ضد المهاجرين، خاصة أولئك الذين هم من أصول لاتينية أو من العرق الأسود، متهما إياهم بأنهم مسؤولين عن الجرائم التي تحصل في الولايات المتحدة ومدعياً أنهم “يسممون الدم الأميركي”.
لقد حاولت الإدارات الإميركية المتعاقبة معالجة هذه الآفة ولكن دون جدوى علما أن هؤلاء المهاجرين يعملون في قطاعات الزراعة والصناعة ومجالات أخرى ويساهمون الى حد بعيد في إنعاش الإقتصاد الأميركي خاصة وأنهم يعملون بأجور متدنية نسبيا بسبب وضعهم غير القانوني.
في منتصف العام الماضي، توصل الحزبان الديمقراطي والجمهوري الى التوافق على مشروع قانون لوضع حد للدخول غير الشرعي عبر الحدود المكسيكية وذلك بالإتفاق على مشروع قانون يقضي بإرسال آلاف المراقبين الإضافيين والتجهيزات الإلكترونية الى الحدود، وفي ذلك الوقت، كان الرئيس بايدن ما زال مرشحاً لدورة رئاسية ثانية قبل انسحابه لصالح نائبته كاملا هاريس.
عندما علم ترامب باحتمال صدور مثل هذا القانون، أوعز الى حلفائه أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري بعدم الموافقة على إصدار هذا القانون كي لا يستفيد منه بايدن في حملته الإنتخابية، وركز ترامب بعد ذلك على موضوع الهجرة غير الشرعية متهماً إدارة بايدن/هاريس بعدم تمكنها من معالجة هذه المسألة.
ومن القرارات التنفيذية التي اتخذها في الساعات الأولى بعد تنصيبه كان قرار إعلان حالة الطوارئ على الحدود الجنوبية وقرار إرسال الف وخمسماية جندي من الجيش الأميركي مع احتمال رفع هذا العدد حسب الحاجة، وقرار المباشرة بترحيل المهاجرين غير الشرعيين، والعملية قد بدأت فعلاً.
عملية الترحيل سيكون لها تأثير سلبي على الإقتصاد الأميركي ولكن كل ما يهم ترامب هو الظهور بمظهر الرئيس القوي والذي ينفذ وعوده الإنتخابية خاصة فيما يرضي مؤيديه من اليمين المتطرف.
إصدار عفو جماعي للمحكومين باجتياح الكونغرس في السادس من يناير 2021:
عندما صدرت نتائج الإنتخابات الرئاسية وفاز جو بايدن في نوفمبر 2020 لم يعترف ترامب بالنتيجة مدعياً، دون أية أدلة، حصول تزوير وخروقات للعملية الإنتخابية. وفي السادس من يناير 2021، يوم تثبيت النتائج في الكونغرس حسب الدستور، شجع ترامب مناصريه على التجمع في واشنطن والإحتجاج على النتائج ومن ثم التوجه الى مبنى الكونغرس لتعطيل عملية التثبيت، فتوجه آلاف المناصرين نحو الكونغرس وتهجموا على حراس المبنى الذين قتل عدد منهم، ودخلوا المكاتب، وكسروا وخربوا في البناء والأثاث، الى أن تم إخراجهم بالقوة بواسطة الجيش،وتمت بعد ذلك عملية تثبيت فوز بايدن.
جرت بعدئذ محاكمة هؤلاء المشاغبين، وصدرت قرارات بالسجن لحوالى 1500 منهم ولفترات مختلفة كل حسب الأعمال المنفذة مثل الإعتداء على الحراس والقتل، أو التكسير في المبنى، وغير ذلك من الذنوب المثبتة بآلات التصوير. ترامب اعتبر هؤلاء المسجونين رهائن ووعد بالعفو عنهم في حال فوزه بالرئاسة، وهذا ما فعله في الساعات الأولى بعد تنصيبه علما أن بين هؤلاء أشخاص محكومون لسنوات طويلة، وقد أثار العفو عنهم غضب الكثيرين بمن فيهن أعضاء في الحزب الجمهوري.
قرار إلغاء حق الحصول على الجنسية الأميركية بالولادة داخل الولايات المتحدة:
التعديل الرابع عشر للدستور الصادر عام 1868 والمثبت بقرار من المحكمة العليا عام 1898 يعطي من وُلِدَ على الأراضي الأميركية حق الحصول على الجنسية سواء أكان الوالدان لا يحملان الجنسية أو حتى إن كانوا موجودين في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية. وانطلاقاً من موقفه المناهض لوجود أعداد كبيرة من ذوي الأصول اللاتينية أو من غير البيض، أعلن ترامب في حملته الانتخابية استعداده لإصدار قرار رئاسي يلغي هذا الحق، وقد فعل ذلك في اليوم الأول لتسلمه الرئاسة مع العلم أن هذا القرار مخالف للدستور، وقد أصدر أحد القضاة قرارا بتجميد القرار الرئاسي مؤقتا، ولا شك أن هذه المسألة ستُرفَع الى المحكمة العليا لتبت بها.
قرار بسحب الولايات المتحدة من منظمات دولية:
سبق للرئيس ترامب، في ولايته الأولى، ان سحب الولايات المتحدة من عضوية منظمة الصحة العالمية ومن اتفاقية باريس للمناخ كونه يعتبر أن موضوع المناخ ليس جدياً خلافاً لمواقف رجال العلم المختصين في هذا الشأن، ولكن بايدن، بعد تسلمه الرئاسة عام 2021، أعاد الولايات المتحدة الى هاتين المجموعتين، وها نحن نرى الرئيس ترامب، في اليوم الأول من رئاسته، ينسحب منهما مجددا، وفي ذلك ما يؤدي الى خسارة الولايات المتحدة الكثير من مصداقيتها عالمياً إذ أن أموراً بهذه الأهمية تتغير المواقف الأميركية حيالها بتغير الرئيس.
قرار بموضوع البيئة:
كان الرئيس بايدن وضع بعض الحدود على استخراج النفط والغاز من بعض المناطق الأميركية خاصة في ولاية ألاسكا نظراً لتأثير هذه الأعمال سلباً على البيئة والإضرار بصحة المواطنين، ولكن فور تسلم ترامب الرئاسة، سارع الى إصدار قرار تنفيذي يلغي قرارات الرئيس بايدن في هذا المجال، ويسمح باستخراج المواد الأولية في جميع المناطق الأميركية دون أية حدود وغير عابئ بالتأثيرات السلبية على صحة المواطنين وعلى البيئة.
كذلك أصدر ترامب مجموعة قرارات في مواضيع مختلفة مثل تغيير اسم “خليج المكسيك” الى اسم “خليج أميركا” علما أن معظم الدول لن تعترف بهذا التغيير وستبقى على استعمال الإسم الأصلي للخليج، كما انه ألغى حقوق المثليين المضمونة بقوانين منذ سنوات عديدة وأصدر قرارات بإلغاء الحماية الأمنية عن عدد من الوزراء وكبار المسؤولين في حكومته أثناء ولايته الأولى ومن بينهم وزير خارجيته مايك بومبايو ومستشار الأمن القومي جون بولتون وغيرهما، وذلك في عملية انتقامية بسبب ابتعاد هؤلاء المسؤولين عنه وانتقادهم له بعد ترك وظائفهم علما أن عددا غير قليل من المسؤولين في إدارته الأولى بمن فيهن نائبه مايك بنس وقفوا ضده ولم يصوتوا له هذه المرة، ولذلك فإنه اختار بعد فوزه الآن وزراءه وكبار معاونيه من المؤيدين له بصورة مطلقة بصرف النظر عن كفاءتهم، وهذا ما أدى الى بعض الصعوبات في تثبيتهم من قبل مجلس الشيوخ مثلما حصل مع من كان مقترحاً لوزارة العدل الذي اضطر الى سحب ترشيحه والإستقالة، كما ان وزير الدفاع ووجه بمعارضة قوية ولم يتم تثبيته في منصبه إلا بأكثرية صوت واحد وهذا أمر نادر جدا.
أخيراً، وعد ترامب في حملته الإنتخابية فرض رسوم جمركية على المستوردات من كندا والمكسيك والصين وغيرها ولكنه تعرض لانتقادات قوية من قبلهذه الدول التي هددت بمعاملة الولايات المتحدة بالمثل، وهو لم يتخذ القرارات بفرض هذه الرسوم في اليوم الأول مثلما وعد ولكنه أعلن أن هذه الرسوم سيفرضها في مطلع شهر فبراير أي بعد أيام قليلة، وسنرى إن كان سيفعل ذلك أم لا.
بمطلق الأحوال، باستطاعتنا التنبؤ منذ الآن بأن السنوات الأربع القادمة ستشهد الكثير من المفاجآت والكثير من التغيرات ليس فقط على الصعيد الداخلي الأميركي، ولكن أيضا على صعيد علاقات الولايات المتحدة الدولية، ومطالبة ترامب بإخراج الفلسطينيين من غزة وانتقالهم الى الأردن ومصر و”تطهير القطاع” على حد قوله لن تكون آخر مواقفه وتصرفاته وقراراته العشوائية….والآتي أعظم!