بقلم: تيماء الجيوش
في الأقطار العربية اليوم معظم المهتم بالشأن العام و المتغيرات السياسية، القانونية، الدستورية و الاجتماعية يرقبُ ما يحدث هنا او هناك على امتداد هذه الأقطار و لا سيما في السودان مؤخراً.
و عندما نذكر السودان يتبادر الى الذهن صور عديدة جميلة له ومنها النيل إن كان الابيض او الأزرق و أهراماته الجميلة توأم اهرامات مصر ، و انه سلة الوطن العربي من حيث الخيرات و الزراعة على وجه التحديد ، وأصالةُ ابنائه و نُبلهم. اما الصورة الحاضرة الاهم فهي تناثر الأخبار المحلية و الدولية عن توصل قوى الحرية و التغيير من جهة و المجلس العسكري من جهة اخرى في السودان الى اتفاقٍ بعد مخاضٍ عسير و شهورٍ من حالة الترقب و التفاوض .
هذا الاتفاق الذي وصفه البعض بالتاريخي ما بين قوى المعارضة المدنية و المجلس العسكري و الذي ينص على تقاسم السلطة و توقيع وثيقة دستورية تؤكدهُ. ما يعني سياسياً وقانونياً الإيذان ببدء المرحلة الديمقراطية والحكم المدني في السودان .
هذه الوثيقة الدستورية تشدد على دور القانون ، و تحدد و بوضوح قانوني يتماشى مع معايير حقوق الانسان ماهية دولة السودان . فهو وفقاً للوثيقة: (دولة مستقلة ذات سيادة، ديمقراطية، برلمانية، تعددية، لا مركزية تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو الثقافة أو الجنس أو اللون أو النوع أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو الرأي السياسي أو الإعاقة أو الانتماء الجهوي أو غيرها من الأسباب). هي إذاً حقبة سودانية جديدة معززةً بالاحترام في الحقوق و المساواة بين جميع المواطنين .
سؤالنا كنسوياتٍ هنا هو : المرأة السودانية ما هو موقعها من هذا كله؟ و ماذا يعني تعريف السودان الجديد كدولة ؟ ماذا يعني هذا تشريعياً ووقعه على المرأة و حقوقها و كدولة تُعنى بالمساواة و لا تميز بين أفرادها على أساس العرق او الدين او الثقافة او الجنس …الخ?
سنكتفي بموادٍ محددة أساسية تتناسب مع هدف المقال و الاضاءة على حقوق المرأة و احترام القانون الدولي و المعايير الدولية وان مساحته أي مساحة المقال مختلفة عن مساحة أي بحث قانوني حجماً و نوعاً.
بدايةً قامت الوثيقة الدستورية بإلغاء القوانين التمييزية التي تنال من مساواة المرأة كما ونصت مؤكدةً ان النسب الموزعة في المجلس التشريعي ستكون 67%من نصيب قوى التغيير على ان تبلغ نسبة الحد الأدنى لمشاركة النساء بها 40%.
تلتها بمواد عديدة لعل من أهمها الفقرة الثانية من المادة 44 من الوثيقة الدستورية التي نصت جازمةً : أن لكل مولود من امٍ او ابٍ سوداني حق لا ينتقص في التمتع بالجنسية و المواطنة السودانية. و هذا بحق إنجازٌ عظيم يُنصف حق المرأة في منحها الجنسية لابنائها و الذي لا يزال من المحظورات المُطلقة في معظم التشريعات العربية.
أما في الفصل الرابع عشر من الوثيقة و الذي تناول الحقوق و الحريات فقد جاءت المادة 48 من الوثيقة الدستورية لتؤكد أن حقوق المرأة جزء اصيل لا يتجزأ من حقوق الانسان و هذا من الأهمية بمكان ، فهي تتناول حقوق المرأة و تنص على وجه التحديد بما يلي:
1- تحمي الدولة حقوق المرأة كما وردت في الاتفاقيات الدولية و الإقليمية التي صادق عليها السودان.
٢- تكفل الدولة للرجال و النساء الحق المتساوي في التمتع بكل الحقوق المدنية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية بما فيها الحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي و المزايا الوظيفية الاخرى.
٣-تضمن الدولة حقوق المرأة في كافة المجالات و تعززها من خلال التمييز الإيجابي.
٤- تعمل الدولة على محاربة العادات و التقاليد الضارة التي تنال من كرامة المرأة ووضعيتها.
مقارنةً مع المادة 16 من اتفاقية مناهضة العنف ضد المرأة CEDAW . تُعدُّ المادة 48 من وثيقة السودان الدستورية متفقةً تماماً مع الالتزام الدولي بحقوق الانسان و عهداً جديداً وواعداً للمرأة السودانية . لا ننسى هنا فالمادة 16 نالها تحفظاً من العديد من الدول لأنها نصت و بوضوح على المساواة بين الرجل و المرأة في الحياة الزوجية و المادة 02 التي تتعلق بعدم التمييز ضد المرأة عموماً أيضاً نالها ما نالها من التحفظ بالرغم من ان التوصيات العامة بالاتفاقية و في التوصية رقم 28 تحديداً قد منعت التحفظ على المادة 02 لكن التحفظ وقع من قبل عدة دول و هذا هو الواقع المرير لحقوق المرأة ، ممارسةً و نصاً، يقع التحفظ بالرغم من النصح الأممي بعدم القيام به لكنه يقع على أية حال و تقوم الدول بإبداء التحفظ على هذه المادة او تلك و ينال هذا الامر من النص بل و يقوم بإضعافه في احيانٍ كثيرة .
هذا التحفظ الذي كان ولا يزال يجد دوماً للتفسير الاحادي و للرفض الديني و الاجتماعي المحافظ ركيزة أساسية و أرضاً خصبة له بل و للتعنت بخصوص تطبيق اتفاقية CEDAW .
و يدفع بمقولة ان اتفاقية مناهضة العنف ضد المرأة تفرض و بشكلٍ فوقي معايير ليبرالية و نسوية على بلدانٍ معينة لا تحتاجها وولائها الاول هو القيم و التقاليد الانسانية الراسخة و التي لا تشوبها شائبة بحسب رأيهم.
على أية حال تجاوز السودان بوثيقته هذه العُقد وهذه التفسيرات الاحادية التي تدفع بمزيد من العنف ضد المرأة و عدم احترام لمبدأ المساواة. السودان اليوم تتقدمه نسائه و رجاله بكرامة و أصالة . السودان اليوم هو للجميع، لجميع بناته و ابنائه.
تم تعيين رئيس للوزراء في السودان في يوم 20 اب 2019 و في يوم 28 اب / اغسطس للعام 2019 سيتم اعلان اسماء الوزراء في الحكومة الجديدة ووفقاً لما تداولته وسائل الاعلام السودانية فهناك نسبة جيدة للمرأة في تشكيل الحكومة المرتقبة . ما هي الحقائب التي ستُمنح لهن؟ لا احد يدري بعد .
و بالرغم من ان هناك مناطق نزاع و فصائل سودانية متنازعة تحفظت على الاتفاق الدستوري او الوثيقة الدستورية، و اعتبرت ان هذا الاتفاق لربما هو بوابة لبقاء العسكر في السلطة و بالرغم من ان هناك اولوية في ارساء السلام بداية الا ان هذا لم يثنِ الفرقاء في السودان عن اعتبار المساواة أساساً تشريعياً.
لهذا ما قام به السودان اليوم جليلاً و يجب ان تُرفع له القبعات احتراماً.
بواقعية قانونية هذا لا يعني ان التغيير القادم و التاريخي سيكون تصاعدياً و قُدماً في السودان من حيث التطبيق لا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة لكن الأساس التشريعي قد دُشن هناك. سنتابع و بكل الود كيف يمكن لهذه الوثيقة ان تُحدِث التغيير على قانون الاحوال الشخصية في السودان ، على قانون العمل ، على قانون الجنسية ، هل ستتمكن المرأة عملياً من ممارسة حقوقها الاساسية دون انتقاص؟ الحق في العمل ، حق الجنسية، حق الطلاق ، حق التعليم .
النظام القضائي كيف سيتوائم مع التغيير التشريعي؟
الأيام القادمة لديها الإجابة. كل عامٍ و السودان أبهى . كل عامٍ و حقوق المرأة الى الامام .
اسبوع سعيد لكم جميعاً.