بقلم: علي عبيد الهاملي
وأخيرا وصل «مسبار الأمل» حاملا العرب معه إلى المريخ، تماما كما خطط ونفذ قادة دولة الإمارات ليقدموا هذا الإنجاز التاريخي غير المسبوق هدية ليس لشعبهم فقط، وإنما للعرب جميعا، في عام احتفال دولة الإمارات العربية المتحدة باليوبيل الذهبي لقيامها. وهو أمل استمد قوته من الفكرة نفسها؛ فكرة الوصول إلى الكوكب الأحمر بعد خمسين عاما من قيام الدولة، الأمر الذي يحمل في طياته رسالة إلى العرب وكل الشعوب، مفادها أنه لا مستحيل في قاموس الطموح، وأن أقصى نقطة في المجرة الكونية التي نعيش فيها يمكن الوصول إليها إذا توفرت الإرادة والعزيمة والتصميم والثقة بالنفس.
لو عاد الزمن بنا خمسين عاما إلى الوراء، إلى أوائل السبعينيات من القرن الماضي، عندما كانت دولة الإمارات حلما يداعب خيال أبناء الإمارات، وكانت محاولات إرسال مركبات إلى المريخ قد بدأت في أوائل الستينيات، وتحدث واحد من أهل الإمارات عن ارتياد الفضاء أو إرسال مسبار إلى المريخ لاعتُبِر هذا نوعا من الهذيان، أو جموحا في الحلم بعيد المنال. نعم إنه حلم، لكنّ هناك فرقا بين الأحلام التي يقف وراءها رجال طامحون وقادرون على تحقيقها، وبين الأحلام التي تُعدّ ضربا من المستحيل في نظر البعض. لقد كان قادة دولة الإمارات ومؤسسوها وأبناؤها من ذلك الصنف من الرجال الذين إذا حلموا صمموا على تحقيق أحلامهم، وإذا قرروا كانوا على مستوى قراراتهم. لهذا كان ارتياد الفضاء واحدا من الأحلام الممكنة التي راودت عقول أهل الإمارات، وكان الوصول إلى المريخ واحدا من تلك القرارات التي اتخذها أبناء الإمارات، وصمموا أن تصبح حقيقة على أرض الواقع.
كيف جاءت فكرة الذهاب إلى المريخ، وكيف تبلورت؟
جاءت الفكرة في خلوة وزارية استثنائية تم عقدها أواخر عام 2013 في جزيرة صير بني ياس بأبوظبي، قاد خلالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عصفاً ذهنياً مع أعضاء المجلس استعرض فيه جملة أفكار استعداداً للاحتفال باليوبيل الذهبي لقيام الاتحاد في العام 2021. يومها طُرِحت فكرة إرسال مهمة لاستكشاف المريخ كمشروع جريء. وخلال أسبوع من طرح الفكرة تمت دراسة إمكانية تحقيقها في مركز الإمارات للتكنولوجيا المتقدمة، الذي صار اسمه بعد ذلك مركز محمد بن راشد لعلوم الفضاء، وجاءت الإجابة «نعم.. باستطاعتنا ذلك». وقام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بعرض هذا التحدي على أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتم اتخاذ قرار الذهاب إلى المريخ.
ولكن لماذا اختارت الإمارات الذهاب إلى هذه المنطقة الكونية البعيدة كي تحتفل بالوصول إليها تزامنا مع يوبيلها الذهبي، وقد كان بإمكانها أن تحتفل بهذه المناسبة على الأرض؟
من يعرف دولة الإمارات وأبناءها يعلم أنهم يعشقون التحديات، وليس ثمة تحديا أصعب من الذهاب إلى المريخ، خاصة إذا كانت الدولة صغيرة وناشئة لم تكمل 50 عاما بعد، ذلك أن هناك أربع دول فقط نجحت في الوصول إلى المريخ، هي الولايات المتحدة والهند والاتحاد السوفياتي السابق ووكالة الفضاء الأوروبية، وهي دول كبيرة ذات كثافة سكانية عالية وتاريخ عريق. وعندما يدخل «مسبار الأمل» العربي الإماراتي مداره بنجاح، تكون دولة الإمارات بهذا الإنجاز الدولة الخامسة التي تنجح في إطلاق مهمات مريخية، وثالث دولة تصل إلى مدار المريخ بنجاح من المحاولة الأولى. وقد حدث هذا بالفعل يوم الثلاثاء التاسع من شهر فبراير، لتدخل دولة الإمارات والعرب جميعا التاريخ بوصول «مسبار الأمل» إلى المريخ.
هكذا يتم تطويع الأحلام في الإمارات وتحويلها إلى حقائق على أرض الواقع. وفي هذا درس لكل من يسعى إلى الارتقاء بنفسه، والانتقال من أرض الحلم إلى فضاء الإنجاز، فالحلم حق مشروع لكل إنسان، لكن تحقيق أي حلم مرهون بقدرة الإنسان على امتلاك الأدوات التي تساعد على ذلك. وقد امتلك قادة وشعب الإمارات هذه الأدوات، وفي صدارتها الأمل والثقة، وتسخير كل الموارد لتحقيق الحلم، وأول هذه الموارد الإنسان الذي هو سر نجاح أي فكرة، والأداة الأولى لبلورة الأفكار وتنفيذها. وقد تم بناء «مسبار الأمل» في مركز محمد بن راشد للفضاء بأيدٍ إماراتية، وشارك في تطويره بعض الجامعات الأمريكية، في خطوة لتصنيع مسابير قادمة بشكل كامل، تماما كما حدث في القمر الصناعي «خليفة سات» الذي تم تصنيعه وتطويره بالكامل في المركز بأيدي فريق من المهندسين الإماراتيين.
صناعة الأمل والثقة هي هدف أهل الإمارات، والأمل والثقة هما الرسالة التي يريدون أن يرسلوها إلى كل الشعوب العربية من أجل استئناف حضارة العرب التي توقفت بفعل الخلافات والصراعات والتشرذم الذي يعيشونه. من هنا جاء اختيار الأمل ليكون اسما للمسبار، ومن هنا كانت الثقة قاعدة لصناعة الأمل، ومن هنا كان الطموح الذي أوصل «مسبار الأمل» والعرب إلى المريخ ليدخلوا التاريخ.