الأديبة والباحثة : إخلاص فرنسيس
اللغة العربية ما هي إلا وعاء لنقل الفكرة إلى الورق أو إلى الآخر، ماذا نريد أن نقدم في هذا الوعاء، وما هي نوعية الوعاء الذي نريد أن نقدم فيه أغلى ما لدى الانسان المثقف أو المفكر أو العالم؟ هل هو من الخزف سريع العطب والانكسار، أم من الخشب الذي يحترق بقشة، أم من الذهب الخالص الممتحن كما بنار؟
عندما يأتينا ضيف عزيز، نُخرج أجمل وأغلى ما لدينا من أواني لنقدم له الطعام والشراب… واللغة هذا الكائن الحي المتطور، لغة الابتكار والاشتقاقات، لغة التواصل الإنساني، وعندما نقول “التواصل الإنساني” هذه العبارة التي تعبّر عن ارتقاء الفكرة ليكون التواصل على مستوى ما نطمح إليه.. هل كل الأفكار التي نقدمها في هذا الوعاء ذات قيمة لتكوين الوعي الجمعي، والتواصل الأخلاقي مع الأخر؟
هناك من يقدس اللغة، وهنا لا بد من طرح هذا السؤال: هل يجوز لتلك اللغة المقدسة التي تحمل قرابين الله أن تقدم الموات إلى الآخر.. الازدواجية في الاستخدام والمعنى والوظيفة؟ هل تؤدي اللغة التي نستخدمها، الوظيفة التي تتطلبها منا ألا وهي التواصل الإنساني، الاشتقاق وليس الانشقاق، لغتنا الاشتقاقية الدالة على لغتنا الحية التي تتوالد وتتكاثر في المعنى والمغزى والصور، وتعتبر اللغة العربية اللغة الرسمية السادسة عالمياً، أي يتكلم بها نحو 467 مليون نسمة؟ كم من هذه الملايين تتحدث بلغة الإخاء والتواصل الإنساني وقبول الآخر، في إطار قدسية اللغة، والتي فيها من البلاغة والعروضية والنحو والصرف ما يساعدنا على ترويض ذلك الوحش الساكن في كل منا، نُعرب فيها عن آرائنا ونشير إلى بواطن العزلة الفكرية والعنصرية، تساعدنا على تجاوزها إن نحن تعاملنا معها ككائن حي.. فيكون فيها نحن المبتدأ في الإصلاح والخبر في استخدام قواعد.. وإن كسرناها يعرضنا ذلك إلى المحاسبة، نعلل النفس في يوم اللغة العربية، أن تجرنا الكسرة خلف الهدف الأسمى ألا وهو ضم الآخر، نمد يد القلب نحوه، نشده إلى الجمال الساكن فيه وفينا، نرفع سويًّا المعاناة والتفرقة والحروب عن أكتاف المتحدثين بها، لنكون همزة وصل بين الانسان وأخيه الانسان وبين الأمم، فعلٌ مضارع في الزمان والمكان، وفاعل في حقل الكلمة، الثلاثية الأصل، نُسكّن قلوبنا أمامها كما في محراب مقدس، الشكل والاستخدام والمعنى.