بقلم / مسعود معلوف
في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي ستجري الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية ومعها في اليوم نفسه انتخابات المجلس النيابي المؤلف من 535 عضواً إذ لكل ولاية عدد معين من الأعضاء محدد بالنسبة الى عدد سكان هذه الولاية، وكذلك سيتم انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ إذ لكل ولاية من الولايات الخمسين عضوان بصرف النظر عن عدد سكانها، ومدة العضوية في مجلس الشيوخ ست سنوات، بينما مدة المجلس النيابي هي سنتان فقط، والمجلسان يشكلان معاُ ما يعرف بالكونغرس.
فالإنتخابات الرئاسية تحصل مرة كل أربع سنوات، بينما الإنتخابات النيابية وانتخابات ثلث أعضاء مجلس الشيوخ تحصل مرة كل سنتين.
الإنتخابات التي ستجري هذه السنة، خلافا للإنتخابات الماضية، تُخرِج الى العلن بعض الأوجه السلبية لدى المجتمع الأميركي، والسبب في ذلك هو ترشح الرئيس السابق دونالد ترامب الذي كان رئيسا من 2017 الى 2021 والجميع يعرف مواقفه وقراراته وتصريحاته، وما يمكن أن يفعله في حال عودته الى البيت الأبيض.
عندما كان دونالد ترامب مرشحا للرئاسة عام 2016، أطلق في حملته الإنتخابية عددا من المواقف والوعود التي لم يلتزم بمعظمها بعد دخوله البيت الأبيض، كما أنه اتخذ مواقف مفاجئة في بداية عهده مثل منع دخول الولايات المتحدة لمواطنين من عدد من الدول الإسلامية، كما أنه أصدر تصريحات غير لائقة بحق الأميركيين من أصول أفريقية، وأظهر ميولاُ واضحة للمواطنين من العرق الأبيض على حساب مواطنين من أصول أخرى، وهذا ما سمح له بكسب تأييد شريحة غير صغيرة من الأميركيين اليمينيين المحافظين والمتطرفين في مواقفهم ضد الأفارقة والعرب والمسلمين.
والآن، بعد إعلان ترشحه للرئاسة في الإنتخابات القادمة، وبعد إطلاقه سلسلة من المواقف التي من المفترض أن تكون غير مقبولة من مجتمع يدعي تمسكه بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، نرى عشرات الملايين من الأميركيين يؤيدون ترامب بصورة عمياء لدرجة أن تأييده أصبح نوعا من العقيدة التي يؤمنون بها ويسيرون بموجبها مهما ظهر فيها من تناقضات وابتعاد عن الواقع والحقيقة.
سأتطرق فيما يلي باختصار شديد الى بعض هذه المواقف الغريبة وغير المقبولة مبدئيا التي أعلنها ترامب في مهرجانات ومناسبات انتخابية مختلفة، والتي تظهر من خلالها أن شريحة واسعة من المجتمع الأميركي تستمر في تأييده بشكل مطلق:
الديمقراطية: في أكثر من مناسبة، قال ترامب انه سيكون ديكتاتورا في اليوم الأول من تسلمه السلطة في حال فوزه في الإنتخابات المقبلة، وأنه سينتقم بشدة من أخصامه وأعدائه، وفي ذلك انتقاص واضح للمبادئ الديمقراطية التي يرعاها الدستور الأميركي والتي بنيت الولايات المتحدة عليها منذ تأسيسها.
انتخابات 2020: ما زال ترامب يكرر أنه هو الذي فاز في انتخابات 2020 بدلا من الرئيس جو بايدن الذي “سرق” الإنتخابات على حد قول ترامب، هذا مع العلم انه تقدم بشكاوى الى ستين محكمة في عدد من الولايات التي اصدر اتهامات بحصول تزوير للعملية الإنتخابية أو للنتائج فيها، علما أن عددا غير قليل من القضاة في هذه المحاكم كان عينهم ترامب بنفسه أثناء رئاسته، ولم تصدر أية من هذه المحاكم قرارا يؤكد حصول تزوير أو تلاعب أو تصويت لاجئين لا يحملون الجنسية الأميركية من شأنه أن يؤدي الى تغيير في نتائج الإنتخابات.
جدير بالإشارة هنا الى ان استقصاءات الرأي تشير الى أن 68% من أعضاء الحزب الجمهوري يصدقون ادعاءات ترامب بخصوص انتخابات 2020 التي لم تثبتها اية محكمة تم اللجوء اليها من قبله.
أحداث 6 يناير 2021: في ذلك اليوم كان الكونغرس الأميركي مجتمعا بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) حسب الدستور لتثبيت نتائج الإنتخابات وإعلان جو بايدن رئيسا، ولكن ترامب شجع مناصريه على القدوم الى واشنطن في ذلك اليوم من مختلف المناطق الأميركية والتوجه نحو الكونغرس لمنع إعلان النتائج، فحصلت اشتباكات بينهم وبين حراس مبنى الكونغرس أدت الى مقتل خمسة حراس، واخترق المتظاهرون مبنى الكونغرس بعد تكسير بعض النوافذ والأبواب، وتمكنوا من تعطيل الجلسة التي كان يرأسها نائب الرئيس مايك بنس حسب الدستور، إذ توجه أعضاء الكونغرس الى الملاجئ هربا من المهاجمين.
بعد أن استتبت الأمور وسيطرت قوى الأمن على الوضع وتسلم بايدن الرئاسة، جرت محاكمة الذين قاموا بأعمال الشغب في ذلك اليوم، وصدرت أحكام بالسجن لفترات مختلفة لعدد منهم حسب الأعمال غير القانونية التي قاموا بها. منذ ذلك اليوم، يعتبر ترامب في خطاباته وتصريحاته هؤلاء المعتدين على الكونغرس وعلى رجال الأمن أبطالاُ، وقد أعلن في أكثر من مناسبة أنه في حال فوزه في الإنتخابات، فإنه سيصدر عفوا عنهم في اليوم الأول لتسلمه الرئاسة، وذلك بالرغم من قيامهم بأعمال يحظرها القانون أدت الى مقتل عدد من رجال الأمن، وشكلت خطرا على أعضاء الكونغرس وأدت الى أضرار في المبنى.
الهجرة غير الشرعية: لقد زادت كثيرا الهجرة غير الشرعية عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك، سواء في عهد ترامب أو في عهد بايدن، غير أن ترامب يتهم بايدن ونائبته كامالا هاريس بعدم معالجة هذه المسألة التي تعاني منها الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة ولكنها تفاقمت مؤخرا بسبب الأزمات الإقتصادية العالمية. منذ أشهر، تمكن أعضاء الكونغرس الجمهوريون والديمقراطيون من الإتفاق على مشروع قانون لمعالجة هذا الوضع، ولكن قبيل التصويت على المشروع، طلب ترامب من مناصريه في الحزب الجمهوري سحب موافقتهم وعدم إقرار القانون لأنه “سيفيد بايدن في حملته الإنتخابية” على حد قوله حرفيا، وأنه سيضر بحملة ترامب. ومنذ ذلك الوقت، يتهم هذا الأخير الرئيس بايدن بعدم تمكنه من حل هذه المشكلة، قائلا في أكثر من مناسبة أن المهاجرين “يسممون دم بلادنا” ، وهو يتهمهم بأخذ فرص العمل من طريق الأميركيين وبالتصويت بصورة غير شرعية في الإنتخابات، وبمسؤوليتهم عن معظم الجرائم، علما انه لا توجد أدلة على حصول مثل هذه الأعمال. وهو يوجه هذه الإتهامات الآن الى المرشحة كامالا هاريس بعد أن سحب بايدن ترشحه للرئاسة.
تصريحات وأكاذيب غريبة: يطلق ترامب تصريحات لا يصدقها إلا الذين يؤيدونه بصورة عمياء مثل أنه لو كان رئيسا لما حصلت عملية السابع من أوكتوبر ولا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كما أنه في حال انتخابه فإنه سينهي حرب روسيا على أوكرانيا في اليوم الأول لعودته الى البيت الأبيض. وبالنسبة الى إسرائيل أيضاُ فهو يقول ان فوز كامالا هاريس في الإنتخابات سيؤدي الى زوال إسرائيل من الوجود، كما أنه سبق له أن هدد بصورة غير مباشرة بأنه في حال عدم فوزه في الإنتخابات سيحصل “حمام دم” في الولايات المتحدة، ولكنه حاول التخفيف من وقع هذا التصريح عبر التوضيح لاحقا بأن ما كان يقصده هو حمام دم لمصانع السيارات مدعياً أن وسائل إعلام الحزب الديمقراطي حرفت أقواله.
من التصريحات الأخرى التي يصعب تصديقها حديثه عن الإقتصاد وكيف أنه سيتعزز كثيرا وبصورة غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة في حال فوزه، دون شرح الإجراءات التي سيتخذها لتحقيق ذلك، وهو أيضا يتهم بشكل مباشر مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس بأنها “شيوعية” ولا يتردد إطلاقا في تصريحاته التي ينشرها على منصة تويتر بأن يسميها “الرفيقة كامالا”.
ما أوردته أعلاه يشكل جزءاُ من التصريحات والمواقف الغريبة التي يستمر الرئيس السابق دونالد ترامب بإطلاقها في شتى المناسبات، ومع أن عددا غير قليل من كبار المسؤولين والشخصيات السياسية في الحزب الجمهوري وفي طليعتهم نائبه أثناء رئاسته مايك بنس، وبعض أعضاء حكومته أعلنوا بوضوح قرارهم بعدم التصويت له، كما ان غيرهم أعلنوا قرارهم التصويت للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس رغم أنهم من كبار الشخصيات في الحزب الجمهوري مثل نائب الرئيس ديك تشيني أيام رئاسة جورج بوش الإبن، فإن ترامب ما زال يتمتع بتأييد قوي داخل حزبه إذ أن استقصاءات الرأي تشير الى شبه تعادل بينه وبين المرشحة الديمقراطية، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على خلل ما في المجتمع الأميركي الذي نصفه تقريباً يؤيد مرشحاُ معروفاً بمواقفه المذكورة أعلاه وعنده حظوظ قوية بتسلم الرئاسة مجدداً.
يتساءل كثيرون كيف أن هذا القسم من المجتمع الأميركي يؤيد بصورة مطلقة مرشحا مداناً بأربعة وثلاثين تهمة، وعنده سوابق بتزوير مستندات للتهرب من دفع الضرائب، وشكاوى بحقه بتهم اعتداءات جنسية. يعتقد بعض المراقبين أن سبب هذا التأييد لمرشح كهذا قد يكون عائداً لدعم هذه الشريحة من الناخبين اليمينيين المتطرفين لأي مرشح عنده مواقف سلبية تجاه الأفارقة-الأميركيين والعرب والمسلمين ويظهر بمظهر المرشح القوي الذي لا يتردد في اتخاذ إجراءات واضحة بحقهم، وفي ذلك دلالة على علة تعتري المجتمع الأميركي، وربما كانت هذه العلة موجودة ولكنها لم تكن ظاهرة في الماضي، ومواقف ترامب هي التي أخرجتها الى العلن.