أن تقع الكارثة فهذا يُحتّم سؤالين في المبدأ أولهما مدى الاستعداد لها وثانيهما معالجة آثارها على المدى القريب والبعيد . في ظل كارثة زلزال سوريا وتركيا مؤخرا كان الأسوأ في انتظار الضحايا على اختلاف أعمارهم . عدَّتهُ مصادر أوروبية انه الزلزال الأسوأ في أوروبا منذ 100 عام. بالمجمل لم يكن هناك استعدادا له على الرغم من المعلومات العلمية الدقيقة التي تفيد باحتمال حدوثه على اختلاف درجاته. وأن جغرافية المنطقة لها قوانينها ولعل حدوثه في السابق وأن كان ليس بذات الشدة التي وقعت مؤخرا لكنه كان مؤشرا حيوياً يوجب حتمية التخطيط واتخاذ خطوات احترازية تخص سلامة المدنيين، وجاهزية الخدمات المدنية والطبية وفاعليتها في أسوأ السيناريوهات المحتملة الوقوع . وهذا بالتحديد كان سيؤثر غالباً في إنقاذ العديد وحظوتهم في فرصة ثانية للحياة . الثابت إلى الآن تواتر عدة هزات ارتدادية في المنطقة وعدم استقرار المحصلة النهائية للضحايا . وصل عدد المتضررين من الزلزال في سوريا إلى 6,000,000 شخص . ناهيك عن أعداد الضحايا في تركيا. ما زال هناك المئات من هم تحت الأنقاض والعديد من هو في حالة حرجة طبياً. وربما سيأخذ الأمر وقتا أكثر مما يجب في سوريا بسبب أساسي ألا وهو تبعات الحروب الأهلية التي تفرض عدم الاستقرار الأمني والسياسي في البلدان التي كانت نهبةً لها وهذا هو الحال هناك. زد على ذلك أن للحروب الأهلية واقعها حيث تتقاطع الخريطة السياسية والإنسانية وكيفية غلبة الواحدة على الأخرى. بمعنى متى و كيف يتقدم العامل الإنساني على العامل السياسي ؟ وهذا الأمر على وجه الخصوص يقتضي وعياً وثقافة أن توفرا يزيدا من فرص فرض الخارطة الإنسانية بتفاصيلها وبقوه على الأرض ، وهي ممكنة حيث لا مكان للحسابات واقتناص الفرص السياسية ، قد يميل البعض الى القول أن هذا فيه شيء من السذاجة سياسياً، كيف يمكن تحقيق التوازن ما بين الإنساني والسياسي؟ هو ممكن وليس مستحيل ما دام العامل الإنساني أهم ، ما دام الوعي يدفع إلى فوق احترام حق إنساني أصيل في الحياة والكرامة والأمن مهما تنوعت الأعراق و الأديان و الطوائف . اجزم انه في العديد من الحالات المشابهة في مجتمعات وبلدان مختلفة حدث هذا التوازن . من يشرع بالإغاثة ينتفي لديه الدافع و الوقت للتقيد بمعادلات الحروب الأهلية ومنطق الغلبة لمن ؟ لا يمكنه بمكان أن يُحاسب الضحية العالقة تحت الأنقاض على أساس دينها أو طائفتها أو جنسها. لم ينتهي زلزال سوريا وتركيا بعد بل سيتطلب سنيناً من العمل لمعالجة آثاره في كلا البلدين. إلى الآن هناك حذر شديد من انتشار الأوبة والأمراض المعدية وتلوث المياه في ظل فقر غير مسبوق ربما لم يصل لحد المجاعة لكنه نهب بمخالبه وفقاً لبعض التقديرات غير الرسمية ما يوازي 60% من السوريين . عاد لينهش في جسد السوريين المتعب حيث تسابقت أرقام الفقر بينما تراجعت الأوضاع الأمنية والسياسية في المناطق المتفرقة. وهذا بالتحديد وقعه سيكون اشد ّعلى النساء في مجتمع و كما هو الحال في المجتمعات العربية لا زال لديه هاجس التمييز القائم على الجندر وأولويته . ما أتاح المساحة الواسعة لممارسة العنف ضد المرأة وجعلها أمراً واقعاً مقبولاً اجتماعياً و قانونياً وثقافيا. العديد من خبراء المسألة النسوية يراقب الآن مؤشرات العنف ضد المرأة بأشكالها المختلفة و أنواعه ، وما سينتج عن كارثة الزلزال و تأثيرها المباشر على النساء والفتيات في ظل غياب المأوى والاستجابة الآنية ، لعل من أهمها التحرش الجنسي وزواج الصغيرة ، الاتجار بالأشخاص واستغلال الأطفال . هذا غيض من فيض وهو يقتضي خطة واضحة تُعنى بالشق الإنساني و نتائج هذه الكارثة. اليوم أكثر من أي وقت مضى تحتاج المنظمات التي تُعنى المرأة وحقوقها إلى دعم لبرامجها واستراتيجيتها ، إلى المزيد من المصادر وضخ مال مضاعف في ميزانيتها مما يمكنها من زيادة الأدوات وتنوعها . الرحمة للشهداء ، العافية للمصابين والكرامة الإنسانية للجميع.