بقلم: تيماء الجيوش
“Violent behaviour toward women is “cowardly.”François Legault
مضى عام و نيف منذ أن تم الإعلان عن حالات الكورونا و بشكلٍ رسمي في كندا. و كيبيك كان لها نصيباً من حالات الوفاة و الإصابات التي تصاعدت و بشكلٍ مُحزن ، و هذا بطبيعة الحال ناجم عن ماهية الفايروس و شدته و طريقة انتقاله. لم تقتصر نتائج انتشار الوباء على الصعيد الصحي فقط، بل لم يمضي الكثير من الوقت حتى امتدت الى الاقتصادي و الاجتماعي ،وحتى السياسي أيضاً. و العنف ضد المرأة لم يكن بمعزلٍ عن هذا كله. تنبهت العديد من المؤسسات و المنظمات النسوية وصانعي القرار الى هذا الأمر و شدّدت أن العنف ضد المرأة سيتصاعد نظراً للظروف الاستثنائية التي اقتضت من الغالبية البقاء في المنزل ، مما يعني عملياً بقاء المرأة وجهاً لوجه أمام من يضطهدها و يُعنفها طوال الوقت ، و في مساحة محددة ليست آمنة بالمطلق ولا تُتيح لها أبواباً للمساعدة أو الدعم حيث توقف عن العمل العديد من المنظمات و الهيئات المعنية، ناهيك عن القلق و التوتر و الصحة النفسية عموماً و التي رافقت و لازالت الوباء و انتشاره. في أرقام دراسة رسمية تم نشرها عبر CBC تبين أن هناك ٤٢٪ من النساء ما بين شهر تموز /يوليو و شهر تشرين الثاني /نوفمبر للعام ٢٠٢٠ عانين من العنف في الاغلاق الاول للوباء كما تبين أن ٤٣٪ من النساء لم يطلبن المساعدة عند وقوع العنف لان من مارس العنف ضدهم زوجاً أو شريكاً كان موجوداً دائماً أمامهن في منازلهن و في كل دقيقة من تفاصيل حياتهن اليومية . أرقام اخرى لمنظمات أيضاً نُشِرَتْ عبر CBC و راديو كندا أشارت الى أن وتيرة العنف لم تتراجع في العام ٢٠٢١ و منذ شهر يناير / كانون الثاني للعام ٢٠٢١ قد تلقت حوالى ٣٥ الف طلب عبر الاتصالي الهاتفي او الإنترنت و هو رقم عالي جداً لم تشهده المنظمة سابقاً. .. و بهذا أضاف الوباء COVID 19 عبئاً اخر على كاهل المرأة ووصولها الى المعلومات و الخدمات الداعمة في مقاطعة كيبيك.
على العموم يعلم من يعمل في الشأن النسوي و إنهاء العنف ضد المرأة على اختلاف اشكاله و درجاته بأن المرأة المُعنفة تواجه معضلةً جدية في حصولها على الاقامة الامنة في حال هروبها من العنف ، في مثل مقاطعة كيبيك على وجه الخصوص المرأة المُعنّفة اولاً تلجأ الى مأوى للطوارئ ثم الى مكان إقامة مؤقت او الملجأ في المرحلة الثانية الى ان تحظى بمكان إقامة او سكن دائم خاصٍ بها يقيها و يحفظ سلامتها الشخصية. و هذا الأمر تحديداً و بالنتيجة شكّل معضلة للمنظمات و المؤسسات المعنية التي توجهت بطلب زيادة الموارد والتمويل حين عانت نقصاً شديداً و عدم القدرة على تلبية حاجة النساء الغير مسبوقة للحصول على الملاجئ بسبب العنف.
كما أشارت عدة جهاتٍ معنية بالشأن النسوي الى أن الملاجئ تحديداً كان ضررها نوعياً، فقد نقصت مواردها بشكلٍ حاد على أثر انتشار الوباء مما أفقدها الصلة مع النساء المُعنفات و اللواتي هن بالآلاف . في ظل هذا كله تفاجأ معظمنا و بحزنٍ شديد من الاخبار المتوالية عن ازدياد عدد النساء من ضحايا العنف في مقاطعة كيبيك. الارتفاع الأخير في جرائم قتل النساء في كيبيك أثار قلقاً حكومياً و اجتماعياً و إنسانياً، فخلال أسابيع قليلة تصاعدت الأرقام من ضحية الى سبعة ضحايا من النساء. دفع هذا الى أن يتقدم رئيس حكومة كيبيك François Legault فرانسوا لوغو و يقول :»هذا مخيف، أنا لن أقبله.»حدث هذا التصريح في ٣ اذار/مارس ٢٠٢١ واثناء تقديمه التقرير الدوري امام أجهزة الإعلام والصحافة عن مستجدات الاصابات و الوباءCOVID 19 . و أضاف ليس من المنطقي أن نعيش في عام 2021 مثل البرابرة». مُعتبراً أن كل سلوكٍ عنيف ضد المرأة هو سلوك جبان و هو ليس بشيء من الرجولة. و يُعلن بحزم بأنه سيتولى شخصياً و بشكلٍ مباشر موضوع النساء المُعنفات و الخدمات الحكومية التي تُقدم لهن كماً و نوعاً.
فرانسوا لوغو صرّح أنه لم يكن سعيداً عن خطة عملٍ لعامٍ سابق و كان لها في حال تقدمها أن تُضاعف المساحات الداعمة للمرأة. عبر ما أكده ووعد به لوغو في عددٍ من المرات أمام الإعلام تمحورت خطواتٍ مبدئية لسياسة حكومة كيبيك و العمل على حماية المرأة كان أولها : بأن الأماكن الآمنة للمرأة المُعنفة ستكون متاحة و ستستوعب كل من تشعر بالقلق على أمنها و سلامتها. و الثاني وعداًاخر بتمويل يسدُّ النقص و يُعيد التوازن بما يُفيد سلامة المرأة و أمنها و يتناسب مع مسؤولية حكومة كيبيك . و دون مُضي مزيداً من الوقت أعلنت حكومة كيبيك عن ميزانية تبلغ ٢٢ مليون دولار ستُجزأ على خمس سنوات و مُخصصة لملاجئ مؤقتة. الثالث من الاعلان الحكومي كان اختصار الوقت و قوائم الانتظار الطويلة في الحصول على الخدمات الحكومية و المتعلقة بالرجال العنيفين او الذين يمارسون العنف. مع ضمانة توفر الخط الساخن بالتنسيق مع المؤسسات القانونية و الرسمية المعنية و الذي يتيح الابلاغ عن حالات العنف الزوجي المشتبه به.
تأتي أهمية التمويل من حقيقة بسيطة بأنها ستساعد المرأة في تخطي عنفٍ قد يُكلفها حياتها ، و تقييم الاوضاع التي تعيشها المرأة و مؤشرات العنف و ما إذ كانت حقيقةً على درجة من الخطورة و الدرجة الجرمية. في مقابلةٍ مع راديو كندا قالت Isabelle Charest ايزابيل شارست وزيرة شؤون المرأة في حكومة كيبيك :
«دورنا هو وضع آلية للوقاية والمساعدة في حالات العنف.» و أضافت أن معظم التمويل هدفه الرئيس هو اتخاذ تدابير التدخل السريع». و تعني هنا التدخل السريع ضد العنف.
أطلقت هذه المواقف الرسمية و التصريحات للحكومة في كيبيك أملاً جديداً للنساء و حماية حقوقهن و إنهاء العنف ضدهم. هذا العنف الذي كلفهن حياتهن. كما دفعت بالعديد من النسويات و المنظمات المعنية بالمرأة الدعوة لأن تُعيد المقاطعة و حكومتها النظر بالتشريع المحلي و تغييره كما دعت بالعديد من العاملات في الشأن النسوي الى السير على خطى مقاطعة سسكاشوان و سن تشريع كلير Clare’s Law.
وبالتعريف يُمّكن قانون كلير أجهزة الشرطة من إعلام المرأة التي قد تواجه خطراً بمعلوماتٍ جزائية أو جرمية أو عنفية تتوفر في سجلات شريكها أو زوجها. غير أنني أعتقد هذا غير كافٍ . ما أود أن أضيفه الى الاقتراحات المتعلقة بالتشريع والقانون هو :
أولاً: أن يكون مبدأ المساواة و إنهاء العنف ضد المرأة هو أولوية حكومية يتم اعتمادها وبشكلٍ عاجل فلا زال الوباء قائماً و العنف ليس أمراً وقتياً أو مرحلياً بل هو نتاج عوامل عدة لسنا هنا بمعرض شرحها او تحليلها.
ثانياً: من ناحية تشريعية و لان دور القانون هام جداً و اساس في المجتمعات الديمقراطية فلا بد من احتساب كل عمل عنفي جسدي او لفظي ضد المرأة و مضاعفة العقوبة عليه.
ما أطلقه السيد فرانسوا لوغو و حكومته تُرفع له القبعات احتراماً و هو عبّر حقيقة عما يفكر و يشعر به الكثير من سكان المقاطعة بأن كل سلوكٍ عنيف ضد المرأة هو سلوك جبان . نحن اليوم جميعاً بإنتظار النتائج و رؤية مزيدٍ من المساواة واحترام حقوق المرأة كجزءٍ من حقوق الإنسان ليس فحسب في مقاطعتنا الجميلة كيبيك و كندا بل في العالم أجمع و لانسانية و حضارة أرحب. أسبوع سعيد لكم جميعاً.