بقلم / مسعود معلوف
سفير متقاعد
كانت الولايات المتحدة مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا توصلت الى عقد اتفاق مع إيران في منتصف عام 2015 يقضي بوقف إيران تخصيب اليورانيوم لإنتاج سلاح نووي مقابل رفع العقوبات التي كانت مفروضة عليها. هذه “الإتفاقية النووية” كما أصبحت تُعرف، كانت تطبق بصورة مقبولة الى أن تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة في مطلع عام 2017، فسحب الولايات المتحدة من هذه الإتفاقية في العام 2018 معتبراً إياها من “أسوأ الإتفاقات”، ومنتقداً بشدة سلفه الرئيس باراك أوباما الذي فاوضت إدارته مع إيران للوصول اليها، ثم فرض على إيران عقوبات جديدة وقاسية جدا.
بعد انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاقية النووية وكما كان متوقعاً، عادت إيران لتخصيب اليورانيوم بصورة متسارعة لدرجة انها أصبحت قريبة من إنتاج سلاح نووي. وما أن عاد ترامب الى البيت الأبيض في مطلع هذا العام حتى شعر بخطورة الوضع، فبدأ يضغط على إيران من أجل التفاوض لعقد اتفاقية جديدة، وسارع بإرسال كتاب الى القيادة الإيرانية يتضمن دعوة للتفاوض كما يتضمن تهديداً واضحاً لإيران بشتى العواقب بما فيها العمليات العسكرية الهدامة في حال عدم التوصل الى اتفاق في مهلة شهرين، وواعداً برفع العقوبات في حال تجاوبت إيران مع طرحه.
من الواضح أن كلا من إيران والولايات المتحدة له مصلحة أكيدة في الوصول الى اتفاقية جديدة، فإيران لا تريد أن تقوم الولايات المتحدة بتنفيذ تهديداتها على الأرجح بالتعاون مع إسرائيل التي تحاول منذ مدة استدراج حليفها الأميركي الى تدمير المنشآت النووية الإيرانية، خاصة بعد أن فقدت إيران ذراعها في لبنان حزب الله وحليفها السوري بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد، كما أنها تود أن تُرفع عنها العقوبات الصارمة، ومن جهة ثانية فإن ترامب يهمه كثيراُ الوصول الى اتفاقية توقف التطور الإيراني نحو إنتاج سلاح نووي من شأنه أن يهدد إسرائيل ودول الخليج بما فيها حليف الولايات المتحدة القوي المملكة العربية السعودية، كما أنه يشعر بمسؤولية في حال توصلت إيران الى تملك سلاح نووي بعد انسحابه من اتفاقية عام 2015.
عُقدت حتى الآن ثلاث جولات من المفاوضات غير المباشرة برعاية سلطنة عُمان، علما أن ترامب كان يطالب بمفاوضات مباشرة بين الفريقين وإيران تصر على مفاوضات غير مباشرة، ولكن في نهاية كل جولة كان يحصل لقاء لدقائق قليلة بين رئيسي الوفدين ستيف ويتكوف عن الجانب الأميركي وعباس عراقجي عن الجانب الإيراني، وبذلك كان ترامب يعتبر ويقول أن المفاوضات كانت مباشرة بينما الإيرانيون يعتبرون ويقولون أنها غير مباشرة.
المطالب الأميركية المعلنة من المفاوضات يمكن تلخيصها بوقف تخصيب اليورانيوم وعدم السماح إطلاقا لإيران بامتلاك السلاح النووي وإيقاف الصواريخ الباليستية الإيرانية، ولكن كان هنالك تصريحات أميركية متناقضة أحياناً وصادرة إما عن وزير الدفاع أو عن وزير الخارجية أو عن رئيس الوفد الأميركي المفاوض ويتكوف تطالب بعدم السماح لإيران بتخصيب أية نسبة من اليورانيوم حتى لغايات سلمية، بل استيراد اليورانيوم المخصب من دول أخرى في حال كانت إيران بحاجة إليه لأمور غير عسكرية. كما أن هنالك رغبة أميركية بوقف إي دعم من قبل إيران لحلفائها وأذرعها في المنطقة.
أما الموقف الإيراني فكان يطالب بحصر المفاوضات بالموضوع النووي دون التطرق الى الصواريخ الباليستية أو التخصيب لغايات سلمية، وهذان الأمران تعتبرهما إيران خطاً أحمر لا مجال للتفاوض حولهما.
بعد الإنتهاء من الجولة الأولى التي عقدت في عُمان في 12 نيسان/ابريل ومن الجولة الثانية التي عقدت في روما في 19 منه، صرح كل من الوفدين ان الإجتماعات كانت بناءة وإيجابية إذ تضمنت بصورة عامة مفاوضات سياسية عامة دون الدخول، في خلال هاتين الجولتين، في التفاصيل التقنية للملف النووي الإيراني.
الجولة الثالثة التي عقدت مجددا في مُسقط، عُمان بتاريخ 26 منه، بدأ فيها المفاوضون مناقشة النواحي التقنية والفنية حيث انضم الى وفد كل من الدولتين الخبراء والإخصائيون في المسائل النووية. بنهاية هذه الجولة الثالثة، اتفق الجانبان على متابعة التفاوض في الثالث من شهر أيار/مايو تاركين للوسيط العماني تحديد مكان الجولة الرابعة.
كما سبق وأشرنا أعلاه، كل من إيران والجانب الاميركي له مصلحة أكيدة في نجاح المفاوضات والتوصل الى اتفاقية جديدة علما أن ترامب يهمه كثيرا ان تكون الإتفاقية الجديدة أفضل للولايات المتحدة من اتفاقية عام 2015 التي انسحب منها كي يبرر انسحابه من جهة ويَظهر بمظهر المنتصر الذي حقق للولايات المتحدة وللعالم تقدما ملموساً في هذا المجال. ولكن ليس هنالك من ضمان بأن يتم التوصل الى مثل هذه الإتفاقية، خاصة وأن إيران تطالب بضمانات أكيدة لعدم انسحاب الولايات المتحدة من أية إتفاقية جديدة يمكن التوصل اليها في حال حصول تغيير في الإدارة الأميركية أو في مواقف الرئيس ترامب نفسه.
وبما أنه ليس من المؤكد التوصل الى اتفاقية جديدة ترضي كلا من الولايات المتحدة وإيران، لا بد من إجراء تحليل موضوعي لما يمكن أن يحصل في حال فشل هذه المفاوضات التي ستحاول إيران تمديدها قدر المستطاع.
الإحتمالات عديدة لما يمكن أن تراه المنطقة في هذه الحالة:
- احتمال قيام اسرائيل والولايات المتحدة بشن هجمات عسكرية على إيران أمر وارد، إذ حاملات الطائرات والمعدات العسكرية الأميركية الثقيلة كلها جاهزة في الخليج من أجل ذلك، هذا مع العلم ان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يحث ويشجع الولايات المتحدة على القيام بمثل هذا العمل وهو غير مقتنع بجدوى المفاوضات مع إيران، وكان يعارض بشدة اتفاقية عام 2015، كما أنه اعرب عن ارتياحه لانسحاب الولايات المتحدة منها عام 2018، ولكنه أعرب أيضا عن قلقه وانزعاجه عندما أتفق الجانبان الأميركي والإيراني على التفاوض مجدداً من أجل الوصول الى اتفاقية جديدة وأظهر تشاؤماً واضحاً حول إمكانية نجاح مثل هذه الإتفاقية.
لقد سبق لنتنياهو ان حاول جاهداً ودون جدوى استدراج الرئيس السابق جو بايدن لشن غارات على المنشآت النووية الإيرانية، وها هو الآن يقوم بالمحاولات نفسها مع الرئيس الحالي ترامب، علما أن هذا الأخير سيجد نفسه محرجا وربما مضطرا لتنفيذ عمليات عسكرية ضد إيران في حال فشل المفاوضات بعد أن هدد مرارا وتكراراً بالقيام بذلك وإلا فإنه سيخسر الكثير من مصداقيته في مفاوضاته التجارية والإقتصادية الحالية والمستقبلية مع سائر الدول، وخاصة تلك التي علاقات الولايات المتحدة سيئة الى حد ما معها مثل الصين. - الإحتمال الآخر هو ان تستمر إيران في تخصيب اليورانيوم والتقدم أكثر وأكثر نحو تصنيع سلاح نووي من شأنه أن يهدد دول المنطقة، وهذا ما لا تقبله لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل ومن شأن ذلك أن يكون سبباً إضافياً لنشوب حرب ضد إيران.
- من المحتمل أيضاً أن تفرض الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عقوبات إضافية على إيران في الوقت الذي تعاني منه هذه الدولة من أزمة اقتصادية خانقة وظروف معيشية صعبة جداً، ما قد يؤدي الى قيام حركات معارضة من الشعب الإيراني ضد النظام، مع ما يرافق ذلك من أعمال قمع من قبل الدولة وعدم استقرار في إيران وفي المنطقة. ولا بد من الإضافة هنا بأن من شأن مثل هذه الأوضاع أن تؤدي الى تقوية الجناح المتطرف في إيران ضد الغرب إذ سيعتبرون أن لا فائدة من التفاوض مع هذه الدول ومن الأفضل أن تقوم إيران بكل ما تريده دون الإهتمام بما تطالب به الولايات المتحدة وحلفاؤها.
- وفي حال استمرت إيران في طريقها نحو إنتاج سلاح نووي فإن دولا أخرى في المنطقة قد تجد نفسها مضطرة لسلوك هذا الطريق لتأمين حمايتها وحماية شعبها وفي ذلك ما يمكن أن يؤدي الى مزيد من انتشار السلاح النووي مع ما يرافق ذلك من اخطار في الوقت الذي تسعى فيه الأمم المتحدة عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية للحد من هذا الإنتشار.
- باعتقادي أيضاً أن فشل المفاوضات من شأنه أن يؤدي الى مزيد من التقارب بين إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية ما سيضع العالم على أعتاب حرب باردة جديدة قد تتطور – لا سمح الله – الى حرب عالمية ثالثة يُستعمل فيها السلاح النووي على صعيد واسع، مع كل ما يرافق ذلك من دمار شامل واحتمال إبادة لمئات الملايين من البشر.
وبما أن جميع إحتمالات ما قد يحصل في حال فشل المفاوضات سيئة للغاية، فإن الآمال معقودة على نجاحها والوصول الى اتفاقية جديدة، إذ أن ليست إيران والولايات المتحدة وحدهما من له مصلحة في التوصل الى مثل هذه النتيجة ، بل العالم بأسره!