بقلم: كنده الجيوش
سمعنا أخيرا في الأخبار عن محاولات دولية ودبلوماسية كبيرة حول العالم لاستخدام الموسيقى في زيادة الترابط الإنساني والاعتراف بأهمية هذا الدور عبر العصور.
وهنا أود أن أعود بكم وازور هذا المقال الذي كتبته منذ فترة معكم لنتذكر بعض الأفكار الجميلة معا ونتفكر.
الفكرة هي كيف يمكن للموسيقى – وبالذات التراثية التي تحمل خصوصيات الإنسان والأرض – والتي قد يراها البعض تجاور التحيز الوطني- أن ترتقي الى مساحات واسعة من فضاء القرب الإنساني.
هل موسيقى التراث هي احد رموز الوطنية … أنا أقول نعم .. وهل موسيقى التراث هي احد الرموز التي يمكن ان تجمع الإنسانية في احد مفاصلها الجمالية..نعم .. ولكن هذه المرة لست أنا من يقول ذلك وإنما فنانين عرب وغربيين تمكنوا من إحياء التراث وتلوينه بموسيقى جميلة وبأشكال متعددة.
وموسيقى وأغاني التراث في أي بلد في عالمنا هذا هي روح الوطن وأحاسيس أبنائه بمختلف مشاربهم مغناة ومحفوظة باللحن الذي تناقلته الأجيال. كيف يمكن مزجها وتلوينها؟!
ومن التجارب الجميلة هنا – على سبيل المثال لا الحصر لان الأعمال كثيرة وجميلة – أورد هنا تجربة الفنان المصري «حمزة نمرة».وحقيقة أنا لا اعرف الكثير عن الرجل سوى انتقاءه الموسيقي والطريقة التي غنى بها أغاني تراث من منطقتنا في الشرق والشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومزجها مع موسيقى غربية.
ومنها أغنية من تراث العراق «يازارع البزرنكوش.. ازرع لنا حنه..» وفيها روح المقام ومزجها مع موسيقى الجيتار الإسباني .. والحقيقة أن الفنان الإسباني أيضا أوصل روح الأغنية بحلتها الجديدة.
وغنى «ياظريف الطول» من التراث الفلسطيني وغنى من التراث المغربي والسعودي والجزائري وغنى من التراث البورسعيدي. وغنى «نازاني» من الفلكلور الأرمني وأغاني من التراث الكردي والأمازيغي.
وكلها غناها بلغتها الأم ولكنه مزج اللحن تارة مع موسيقى إيرلندية أو انجليزية أو اسكوتلندية. والحق أن المزج رغم بعده جاء قريبا وجميلا ببعده الإنساني وإبداعه الموسيقي. وهو في كل أغنية يحكي قصتها او قصة أصحابها.
الاستماع لهذا النوع من الموسيقى يساعد على تنقية آذاننا من ضجيج بعض أنواع التقديم والأغاني الجديدة التي جلبها لنا التك توك وما شابه بلا لحن أو كلمة أو معنى!
وهنا لا بد أن اذكر أن هناك الكثير- والذين تصنيفهم هو اكبر بكثير من فكرة المقال المقتضب هنا- ممن غنى التراث. ولعل العلم المصري «سيد درويش» والكبير اللبناني «زكي ناصيف» والكبير «صباح فخري» و الكبير «ناظم الغزالي» وأسماء أخرى كبيرة – وأحيانا اكبر مقاما- هم الروح للكثير ممن مشوا لاحقا على هذا الطريق.
ومثل حمزة نمرة ممن اختار التراث مع بعض التغيير البسيط لا ننسى العراقي «الهام مدفعي» وكذلك فرق ناشئة ولكن أثرها كبير مثل «فرقة تكات» من سوريا ، فرقة تكات جميلة بأغانيها و موسيقاها المُحمّلة شمس سوريا وترابها ووحدة أبنائها.. نعم اسمعوا لهم فقد جاؤوا يحملون الأمل وسط الركام ومن كل المدن السورية!
والإنجاز الكبير الذي لا يمكن إغفاله ولكنه يحتاج لمساحة خاصة به هو لفرق أغاني إحياء التراث العربية المتنوعة في أوربا وأمريكا الشمالية.
التراث يصل الأوطان بالأوطان الأخرى.. اسمعوا حمزة نمرة فإنني تلمست معه دمعتنا الأرمنية ودبكتنا العربية بروح إيرلندية وتحسست نبضات قلبنا العربي مع كل نقرة على الجيتار الإسباني.