بقلم: كنده الجيوش
هل نستعين بالتجربة الكندية في بناء سوريا الحديثة وخاصة انه هناك الكثير من التشابه في البنية الثقافية من حيث التنوع العرقي.. هل نستعين ونبني ميثاق للحقوق والحريات chater of rights and freedoms خاص بسوريا يناسب خصوصيتها ويستفيد من البنود الكندية ..
في ضوء ما يحدث من فوضى ورغبة بإعادة ترتيب وبناء بلد جميل دمر جزء كبير منه ومن مواطنيه وكان مأساة القرن وهو سوريا ..
وهنا أذكر أني أحب فراسة البدو في الصحراء في بلادنا فهي تختصر عليك الكثير من المسافات بحكمتها.. ولا يصل بعضنا إلى فهم هذه الحكمة بسهولة. .. وهي طبيعة الصحراء التي ترى الأشياء بتجرد ودقة وتركيز وترى الخفايا خلف ظواهر بسيطة ولكنها معقدة في باطنها.. ومنها اذكر «ان جن ربعك عقلك ماينفعك». وكلنا يستطيع فهم المعنى المبسط.
وفي ضوء البلبلة السياسية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية في سوريا اليوم بعد نصرها على الديكتاتورية ، نحتاج إلى بوصلة تعيد قراءة بعض الأمور ووضع بعض الخطوط الرئيسية للتذكير.
سوريا هي شعبنا بكل أطيافه وهم أصحاب الأرض والشعب معا.. والأرض بلا شعب لا قيمة لها لأن الأرض هي انعكاس لضمير وثقافة الوطن.
ولهذا السبب نجد اليوم في سوريا السوري الأرمني والشركسي والسرياني وطنيا ويحب ويحرص على سوريا الوطن تماما مثل السوري العلوي والاسماعيلي والدرزي والكردي والسني وووو..
إذا لايحق لأحد أن يوزع صكوك الغفران أنت أصيل وأنت موال أو مكوع أو محرر أو ثائر أو وطني أو أو …
اليوم سوريا هي كل أبناء الوطن الذي تعلم على يد أساتذة هم كانوا أم وأب في التربية والتعليم والأخلاق .. نعم ..نفس الأشخاص وان اختلفت السياسة .. وكان التعليم هو الأساس في بناء السوريين بما هم عليه اليوم. وهم الجنود من مختلف الطوائف التي حمت البلاد بأرواحها.. وجاعت وعانت الفقر والجوع وواجهت الموت عندما تقدم الإرهاب بمختلف تسمياته بالقتل أو الاحتلال عبر التاريخ ..
سوريا هي الشعب الذي كسرت روحه خلال العقد الماضي وكرامته التي أرهقها العوز .. وبقي قلبه كريم وروحه جميلة.. هي الكتب المدرسية والشعراء وبرامج الثقافة في التلفاز وحتى المسلسلات الأجنبية ذات الثقافة العالية والمفاهيم الحديثة التي أثرت في نشأتنا و إن كان ذلك بشكلٍ غير مباشر خلال العقود الماضية.. تحت ظل الديكتاتورية وبمعرفتها.. والشكر دائما لكندا ودول في أوروبا قدمت برامج ترفيهية وتعليمية بأرقى محتوى فكري مجانا أو أسعار رمزية لوسائل الإعلام المحلية يربى عليها جيل كامل. نذكر الإيجابيات دوما. وعندنا فرض عليه التهجير جزء لا بأس به منهم نجح إجتماعيا وفكريا وعلميا وعمليا لأنه تعلم الانفتاح وحب العمل.
يصعب التحدث عن الآلام ولدينا منها ما يكفي وقصص التعذيب الذي سمعنا عنها من أهلنا التي كانت سائدة في فترة ما.. في العقود الماضية ..والتي نحاول ان نقفل ذاكرتنا عليها ،نبعد عقولنا من الوقوف عندها طويلاً رحمة بأرواحنا المتعبة..
رحم الله والدي البعثي القديم الذي جاء مع الرواد في حزب تعثر كثيرا مع قيادته ورؤيته وانشقاقاته وممارساته التي كانت عنيفة مع أبناء حزبه قبل الآخرين .. وكان والدي منهم .. وكان حزبا بعيدا في إعلاء الرفعة الوطنية و لكن بعيداً عن أية شوفينية في الطرح والعمل، بل هو جاء كردة فعل ترفع الوطنية بقوة لتعيد لها أمجادها بعد معاناة مع الاحتلال مع تعثرات كثيرة.. ولم أوافق رؤيته السياسية يوما .. ولكنها كانت رؤيته ورؤية أبناء جيله واحترمها.
ووالدتي.. الناصرية التي عارضت في نفس الفترة وعملت وأصرت وكان لها رأي ورؤية مختلفة وحاربت لأجلها سلميا.. والتي ايضاً كنت احترمها وان لم أوافقها .. تعلمنا ذلك من ذاك المصدر.
ثقافتنا كانت ولازالت سلمية ومسالمة وإن «تلوث طرف الثوب» تبقى سوريا اليوم أم الجميع دارها كبيرة وقلبها يتسع للقريب والغريب والصديق والمحتاج وهي دوما أم الملهوف.. وهي الثقافة التي ساعدت السوري ان يعيش في كندا أو أوروبا ويكون ابناً لها مثل أمه سوريا .. وهذا ما أتمناه من شعبي.
شكرا لمن أزاح حكما ديكتاتوريا و لكن «شكرا لا» لا نريد ان نكون نسخة سياسية من دول مشابهة أو مقاربة.. سوريا لها شخصيتها السياسية والثقافية والاجتماعية والتاريخية المميزة.
سوريا او بلاد الشام كانت حتى وهي تحت الاحتلال لها رفعة و سمو منزلة . والعثماني كان يسميها «شام شريف». ويعرف مكانتها وقيمتها وتعلم منها وسعى ليأخذ الكثير من صفاتها الجميلة والعليا حتى حين اضطهدها.
اليوم ننظر إلى الأمام ومن أراد أن يستفيد اقتصاديا وسياسيا ويصنع سلاما وهو يساعد بإعمار بلادنا بطريقة سلمية تحفظ هويتنا وكرامتنا ووحدتنا.. يا أهلا به.
ننظر إلى الأمان والأمام.. نأمل بحكم ائتلافي مسالم يسعى للسلام خارجيا وداخليا وكذلك بدستور للجميع .. نفخر به وبرؤيته المستقبلية العادلة والمنفتحة.
وهل يمكن أن يكون هناك مشاركة كندية من «charter of rights and freedoms” يدعم رؤية سوريا الحديثة. نتمنى!
واختم بكلمات جميلة من التاريخ.. وهي وصية الصقر عبد الرحمن الداخل لرسوله إلى الشام فقط لاذكر بجمال مختلف المعاني.
إذا وصلت الشام، فتنشق هواءها عني، وأملأ عيني» من فراتها وجنانها، ولا تعد بأهلي معك إلا وقد جمعت لنا غرائب الغروس وأكارم الشجر، والنوى المختارة، لنزرعها هنا في كل مكان من الأندلس.. نريدها شاما ثانية..».
نريدها شامنا .. نريد شامنا سوريتنا اليوم بجمالها كله.