بقلم: شريف رفعت
الجزء الثاني
ملخص الفصل الأول
مهندس الورشة متفاني في عمله، إهتمامه الزائد بورشته يتسبب في فشل خطبته لمن أحببها. يحضر إجتماع لإدارة الشركة حيث يختلف مع رئيس مجلس الإدارة و يعبر عن رأيه بطريقة تفهم على أنها تحدي للإدارة.
أخذته دوامة العمل الأيام التالية، زادت الساعات التي يقضيها بالورشة، هل ذلك بسبب الخطوبة الفاشلة، هل يحاول أن ينسى بأن يعمل و يعمل، هل هو نوع من التحدي لاعتراض أماني على أسلوب حياته.
في أحد الأيام بعد ساعات العمل الرسمية و بعد جولته المعتادة في الورشة توجه إلى مكتبه كي يغير ملابسه و ينصرف، المكتب المجاور لمكتبه خاص بمهندسي الورشة، لمح به تريز المهندسة الجديدة التي عينها من عدة أشهر منكبة على بعض الرسومات الهندسية. دخل المكتب و سألها عن أحوالها و أحوال العمل، أخبرها أنه سينصرف بعد دقائق، عرض عليها أن يوصلها لمنزلها، قبلت عرضه شاكرة، في الطريق كان كلامهما عن العمل و الورشة و أوامر الشغل.
تكرر إصطحابه لتريز في عربته بعد إنتهاء عملهما في الورشة و الذي هو ساعة أو ساعتين بعد مواعيد العمل الرسمية، وجد فيها رفيقة رقيقة متفهمة، رغم العشر سنوات فارق السن بينهما و رغم كونها مسيحية إلا أن هناك عامل مهم يجمعهما و هو الورشة. فـَسَرَ تفانيها في عملها و الساعات الطويلة التي تقضيها في الورشة بأنها تحاول أن تثبت نفسها فرغم كونها المهندسة الوحيدة وسط طاقم من المهندسين الذكور فهي ليست أقل كفاءة منهم بل هي أفضل منهم و أشد حماسة و أكثر فائدة للورشة من زملائها. بمضي الوقت لم يقتصر كلامهما على العمل و الورشة فقط بل تطرق إلى مواضيع حياتية أخرى، في أحد الأيام أثناء توصيله لها كانت تتحدث عن أسرتها فذكرت إسم أحمد، سألها:
ـ أحمد مين؟
ردت: زوج أختي.
لم يعلق، لكن فكرة أن أختها متزوجة من مسلم دفعته للتفكير فيها كزوجة، هي متوسطة الجمال، أسرتها مثل أسرته من الطبقة المتوسطة، لكن أهم ميزة فيها هي إهتمامها و حبها للورشة، أوصلها عند منزلها و انصرف و ما زالت الفكرة تدور في رأسه.
أنهى بعض المهام الإدارية في مكتبه ثم نزل للورشة، هناك حركة غير عادية، ملامح الغضب على وجه بعض العمال الذين تركوا آلاتهم و التفوا حول ملاحظ الورشة و رفاعي أحد زملائهم، سأل الملاحظ ما الخبر، أجاب بأن إدارة الشئون القانونية إستدعت رفاعي و حققت معه و أن هناك تهديدا و تلميحا بفصله من العمل، بدأ بعض العمال يعلقون بغضب على إفتراء الإدارة و عدم عدلها، قال أحدهم أن ما يضر أحدهم يضر الجميع و لن يقبلوه، طلب منهم بحزم العودة لآلاتهم و إصطحب رفاعي إلى مكتبه.
سأل رفاعي عن الموضوع، أخبره بأنه كانت هناك مشادة كلامية من حوالي إسبوع بينه و بين موظف الأمن و الذي كان سابقا أمينا للشرطة قبل إلتحاقه للعمل بالشركة، من يومين إستوقفه موظف الأمن هذا بحجة تفتيشه و هو خارج من البوابة و إتهمه بأنه يحاول سرقة عِدَة من الشركة و قام بإبلاغ الأمر لإدارة الشئون القانونية. طمأن العامل و ذهب من فوره لمقابلة مدير الشئون القانونية، أخبره الرجل أنه قد تكرر سرقة أشياء من الشركة و أن الإدارة تطبق سياسة الحزم مع من يضبط من السارقين، ثم أراه المثقاب الذي وجده موظف الأمن مع رفاعي يحاول أن يخرج به من البوابة، أمسك بالمثقاب ثم إبتسم مستهزئا و قال لمدير الشئون القانونية:
ـ يا أستاذ ده مثقاب كُهْنَة يعني قديم مستخدم و لا يصلح للإستخدام ثانيا، لو كان العامل فعلا بيسرق حيسرق مثقاب جديد له قيمته في السوق لو باعه. موظف الأمن بيكذب و يفتري على العامل علشان خناقة كانت بينهم، أرجو أن يتم تسوية الموضوع بطريقة مناسبة عادلة، أنا كنت في الورشة قبل حضوري و العمال في حالة غضب علشان الظلم إللي ممكن يتعرض له رفاعي و لَمّحوا بأنهم لن يقبلوا أن تظلم الإدارة واحدا منهم.
اليوم التالي وصله خطاب من الشئون القانونية بأن التحقيق مع العامل رفاعي قد حفظ، مع تعليمات بالتنبيه على العمال بأنه في المستقبل عقوبة من يضبط محاولا سرقة شيء من الشركة ستكون الفصل النهائي.
يُدْعَى مع مديري و مهندسي الشركة إلى إجتماع مع رئيس مجلس الإدارة ، هناك محاضرة سيلقيها عن أساليب الإدارة الحديثة، حاول الإعتذار بحجة كثرة مشاغله لكن إعتذاره لم يٌقْبَل، واضح أن الرجل حضر أحد الدورات التدريبية التي تعقد لرؤساء مجالس الإدارات عن بعض المواضيع التي لم يعرف عنها شيئً من قبل و أنه يحاول هنا أن يظهر بمظهر الخبير و يكرر عليهم ما سمعه في الدورة.
بدأ الرجل يحاضر عن روح الفريق، و أن هذا ما يجب أن يسود في الشركة و أن روح الفريق هي مفتاح النجاح و أنها يجب أن تشمل جميع المستويات من الفنيين في الورش إلى الإدارة العليا. جميع الحاضرين سكون، يتظاهرون بالانتباه و الإعجاب، سأل نفسه: ماذا يعرف هذا المأفون عن علم الإدارة و عن العملية الإنتاجية التي هي مصدر دخل الشركة، إنه يكرر بحماسة أشياء هو أبعد الناس عن معرفتها و ممارستها، الرجل لواء جيش سابق، كل ما يعرفه عن الإدارة هو الضبط و الربط. إبتسم إبتسامة ساخرة من لا معقولية الموقف، فجأة توقف رئيس مجلس الإدارة عن الكلام، نظر له شذرا و سأله بحدة:
ـ إنت بتضحك ليه؟
فوجيء بالسؤال و باللهجة الهجومية، تحولت جميع أنظار الحاضرين له، أجاب بثبات:
ـ أنا مجرد بابتسم.
ـ بتبتسم؟ بتبتسم ليه، إللي واقف قدامك مهرج و لا الكلام مش عاجبك؟
كان يمكنه أن يقول أنه تذكر أمر طريف لا علاقة له بالمحاضرة و أنه آسف و ينتهي الموقف، لكنه قال بهدوء:
ـ سبب إني بابتسم إن سيادتك أبعد شخص عن تطبيق الكلام إللي بتنادي بيه.
ـ إنت وقح أخرج بره بسرعة.
دفعه هذا الشيء الذي في أعماقه و الذي لا يعرف طبيعته و لا سببه لأن يقول ساخرا:
ـ لكن سيادتك بالشكل ده بتحرمني من أن أستمتع بمحاضرتك الظريفة.
صاح به رئيس مجلس الإدارة بأن يخرج فورا ثم موجها كلامه لمدير الإنتاج:
ـ مش عاوز الشخص المتسيب ده يحضر إجتماعات الإدارة تاني.
خرج من صالة الاجتماعات، بطرف عينه شاهد زملاءه المهندسين يحاولون كتمان ضحكاتهم.
بعد الاجتماع المشهود مع رئيس مجلس الإدارة و هو في طريقه خارج بوابة الورش إستوقفه موظف الأمن، نفس الموظف صاحب الواقعة مع رفاعي، إبتسم له إبتسامة لزجة سخيفة، إقترب منه و قال:
ـ لو تسمح يا باشمهندس نفتشك.
صُدِم، قال له بحدة:
ـ نعم؟
رد موظف الأمن بهدوء مثير للأعصاب:
ـ في تعليمات إننا نفتش أي واحد خارج من البوابة.
ثم حاول أن يتحسس جيبيه، ضربه على يده بشدة و قال منفعلا:
ـ إنت إتجننت يا حيوان، مش عارف أنا مين.
ـ أنا بنفذ تعليمات، مش مفروض إنك تمد إيدك علَيَ، أنا موظف باقوم بوظيفتي،
ثم عيب إنك تشتمني و تقول علية حيوان.
ـ حيوان و إبن كلب، و إللي سلطك تفتشني إبن كلب زيك، روح قل له الكلام ده.
ثم خرج من البوابة.
صباح اليوم التالي إستدعاه مدير الشئون القانونية، حقق معه بتهمة أنه تعدى على موظف الأمن أثناء أداءه لوظيفته و سبه و سب إدارة الشركة. بصعوبة حاول أثناء التحقيق أن يحتفظ بهدوء أعصابه. و هو في طريقه خارج المكتب أبلغته السكرتيرة أن مدير الإنتاج يود رؤيته.
رأيه محايد في رئيسه المباشر مدير الإنتاج، الرجل غير ضار لكنه أيضا غير نافع و غير مؤثر، ليس له رؤية محددة بخصوص إدارة الإنتاج، يحاول أن يرضي الجميع و بالطبع أولهم رئيس مجلس الإدارة. يدخل مكتبه، يحييه الرجل بابتسامة رسمية و يطلب منه الجلوس. يدخل في الموضوع مباشرة:
ـ أنا متأكد إنك تعرف مدى تقديري لتفانيك في عملك و لأدائك كرئيس ورشة، إنت واحد من أحسن المهندسين إللي بيشتغلوا معايا. لكن فيك عيب، إنت ما بتعرفش إزاي تتكلم و إزاي تِفَوِت، هناك مواضيع معينة لازم تتعلم إزاي تفوتها، الحياة مش بس صح و غلط، مش بس أبيض و اسود، فيه مواقف بين بين لازم نقبلها، علشان أكون أكثر تحديدا كلامك لمدير الشئون القانونية بخصوص العامل المتهم بسرقة مثقاب فيه تلميح بأن العمال سيسببون مشاكل لو زميلهم إتجازى ، قصدك إيه؟ حيضربوا عن العمل و لا يطلعوا مظاهرة؟ كلامك مع رئيس مجلس الإدارة بخصوص ثمن آلة التحكم الرقمي و مقارنته بثمن عربيات إشترتها الشركة لم يكن له داعي إطلاقا، إنتقادك أخيرا لمحاضرة رئيس مجلس الإدارة و السخرية منها منتهى الغلط. أنا مش عاوزك تدخل معايا في نقاش و تدافع عن تصرفاتك، عاوزك تفكر في كلامي و تحترس لأن الإدارة يمكنها أن تضرك، تضرك بطريقة لا تتخيلها، ممكن تنصرف دلوقتِ.
لم يشعر بالرغبة في الرد، إستدار لينصرف، و هو على باب المكتب قال له مديره:
ـ و خلي بالك من تصرفاتك الشخصية إللي ممكن يبان شكلها مش تمام.
البقية في العدد القادم