بقلم: بشــير القــزّي
ربَوْنا على حبِّ الوطن الذي نتحدّر منه، وجعلنا منه ذِروة ما ندافع عنه، فنحميه بصدورنا ونفديه بأرواحنا ونبذلُ كلّ ما نقدر عليه من أجل ديمومته! حفظنا الأناشيد الوطنيُة عن ظهر قلب، وأنشدناها في كلّ مناسبة وطنية وكانت قلوبنا ترتجف لدى الإصغاء إلى موسيقاها فتقشعِرُّ جلدةُ أبداننا وترتفع النشوة إلى أدمغتنا فنشعر أن قوّة أجسامنا قد تضاعفت، ونُضَحّي بالغالي والرخيص، ولا نخشى شيئاً وكأنّنا شعبٌ لا يقاوَم!
كم منّا استشرسوا في الدفاع عن أمَمِهم، وزُهقت أرواحهم وهم يقاتلون! ماتوا فداءَ أرضٍ أحبّوها حتى الموت، أخلصوا لها حتى آخر نقطة من دمائهم، وهي ما ان حلّوا عنها حتى أغدقت بخيراتها على أيِّ مُسْتولٍ جديد !
وما ان وصلتُ الى هذا القدر من كتابتي حتى وجدتُ نفسي وقد تسمّرتُ أمام جهاز التلْفزة، أُنْصِتُ ولا أفهم، وأُشاهدُ ولا أُصدّق، وكأنّي أُتابعُ فيلماً سينمائيّاً فائقَ الإخراج، يفوقُ بإنتاجه ما تعوّدْنا رؤيته في أهمّ الأفلام الهوليووديّة التي اشتهرت عالميّاً، أمثال “مهمّة مستحيلة” و”جيمس بوند” وغيرها! كيف بنا نُصدّق أن فيلقاً صغيراً تعوّد أفرادُه على الهزائم مذْ فتحوا أعينهم على الحياة، وحتى من قبل أن يولدوا، وشربوا الإنكسارات من أثداء أمهاتهم، تمكّنَ من الإعداد لهكذا مواجهة، وتفوّق في إنزال الهزيمة في جيشٍ يُعدّ من أقوى جيوش العالم عِدّةً وعتادًاً وإعداداً؟
وجودُنا على هذه البسيطة لا يتعدّى ما خصّه الله بكلّ فردٍ منا، ولم يتمكّن مخلوقٌ من بني البشر من إطالة عمره لسنيٍّ تتعدّى بالكثير ما عُرف عنه لدى سواه من بني خلقِهِ، وكلّنا زائرون مؤقّتون لهذه الدنيا، ونتحارب للسيطرة على أراضٍ نفقدها لدى رحيلنا، ومنا من يظنّ ان الله، عزّ وجلّ، قد طوّب تلك البقع باسمنا! فالمُلك له، هو القادر القدير، ولا يظُنَّنَّ أحدٌ أن ربَّه ميّزه عن غيره بإرثٍ أبدي!
قد نثورُ لدى تعدّي البعض على أيّ من معابدنا، إلّا ان كلّ تلك المعابد مع تقديري لها وتقديسي لأمكنتها ، لا بدّ أنها من تشييد أبناء جنسي!
قد لا أفرحُ لدى موت أيٍّ منّا، لأنّ كلّ مخلوق نفخَ الله فيه روحاً من عنده حتى لو كان من أعدائي! ومن أكونُ حتى أدّعي أني أُنطْتُ بسُلطَة إنهاء حياة أيٍ كان؟