بقلم: ريتا حبيب قازان
وأخلعُ عنِّي سُترةَ البقاءِ، وأسرقُ لمحةً لفوق،
على جنَّةٍ ونارٍ، وأناسٍ كثيرين،
بيضٍ وصفرٍ وسودٍ، يُميَّزونَ بالألوانِ أو الأعرافِ، أو الإنتماءاتِ الكونيّةِ، أم بأحلام المجانين ..
أجنَّةٌ أم نارٌ، مشوارٌ ينتظرُنا ..
بالإيمان هو قيامة، وبالعقلِ البشريِّ الضَّعيفِ، هو موتٌ واحتراقٌ وحسابات من الماضي ..
ماذا أرى فيكِ يا دنيا ؟
حياةٌ ثانيةٌ منتظرةٌ كما يدعونَكِ ..
هل سأقِفُ بالصفِّ الطويل، أنتظرُ محاكمتي،
وألتقي برِفاقِ طفولتي، أو مراهقتي، أو حُبِّي الأوَّل، أم جهلةُ الأربعينَ والخمسين ..
هل نقفُ وجهًا لوجه، نكشِفُ المستورَ، نتعاتبُ، نتراشقُ التُّهم، نتعانقُ أو نتصافح بالقُبل ..
هل سأتعرَّفُ على من خبَّأ الرسائلَ في دفاتري، ومن سرق القبلةَ من فمي وقطعةً من قلبي، ودسّ الزهور في مكتبتي..
لعلَّني سأتعرَّفُ على أشخاصٍ تكسّرت ملامحَهم وتغيَّرتْ وجوهَهم ..
أ للشَّجرِ والسّماءِ وتغريدِ العصافيرِ وجودٌ؟
أ هناك ترابٌ أتنشّقُ عطرَهُ مبلّلًا؟
أ بِناءُ المنازلِ من خشبٍ أو حجرٍ، وما شكلُ الأرضِ، كُرويَّةٌ أم مربَّعةُ التكوين ؟
هل ننام على توقيتِ المزاميرِ، أم نبقى متيقِّظينَ مستيقظينَ بلا ماء ولا طعام ..
هل أشتاقُ حبيبًا أو ولدًا، أمًا وأبًا ..
هل من أقلامٍ وأوراقٍ، فأنا أتنفَّسُ الكتابةَ ولا أقوى على العيشِ بدون قصائدي ..
كم من سنةٍ ضوئيّةٍ وشمسيَّةٍ سأحيا، وهل أعُدُّ الأيَّامَ في الروزناماتِ وعلى الأصابعِ ..
أنعيشُ العمرَ عمرينِ، أحدُهم على أرضِ الواقعِ والآخرُ في دنيا الأحلام ..
أتخيَّلُ هذه الحقبةُ من تاريخي إذا سمِّيَ بالتاريخ،
لا بيوت، لا قصور لا طبقات،
سُهولٌ كثيفةِ المراعي دون حدود،
أناسٌ بلا هُويَّات، آلاتٌ تتحرَّكُ في المجهول ..
رجالٌ تلبسُ العباءات، ونساءٌ متَّشحاتِ بالألوانِ الزَّاهية كفراشاتِ الحقولِ تدور ..
هل تسعُ الجنَّةُ كلَّ هذا الحشد الكثيف، متراكمٌ عبر الزمن، أعدادٌ لاتُحصى ولاتُعدّْ ..
هل نغدو أطيافًا، نسائمَ لا تشغلُ في الأرجاءِ مساحات، أرواحًا عاريةً بلا أجساد ..
إلى من ننتمي، إلى كنائس وطوائف، أو إلى جوامع ومذاهب ..
أين نحنُ من ضياع الأنفس، من ملحدي الأمّة ومن مؤمنين ..
أتينا إلى الحياة مسيَّرين، وتركنا الحيّاة مرغمين، وبين الحياتين حَيينا مكبَّلين بقواعِدَ وأُسُسَ ودساتير، وماذا بعدُ ..
إذا كانت هي الجنَّةُ ؟ فماذا عن النَّار ؟
هذا اللّهيبُ يحرِقُ الأبدان، صريخٌ وعويلٌ وهلْ من رحمةٍ تَصْحَبُ الضعفاء ؟
روائحٌ تخنقُ الأنفاسَ، تقتلُ النُّفوسَ، وأنينُ المستغيثِ يَختلطُ بصفيرِ الحريق ..
نَقِفُ أمامَ المواجهةِ الكبرى، ونرجو العودةَ كي نقلبَ الموازين، ولكنْ،
هل من عودةٍ بعدَ أن حُكِمَ علينا بالجحيم ..
نتدحرَجُ كالصُّخورِ المفتَّتَة من ثقلِ خطايانا، وتنحني أعناقنا خجلًا وندمًا، ومانفعُ النَّدَمِ ؟
في كلِّ هذه الزَّحمةِ، ندفعُ فواتيرَ أخطائِنا، وجرائِمِنا الصَّغيرةِ والكبيرة، هفواتٍ منَ الزَّمنُ البعيد ..
نمشي متلاصقينَ، يفصلُنا خطٌّ إستوائيٌّ، وعيونٌ دامِعَةٌ تودِّعُ بعضها بكومةِ حنين ..
هل هذا هو العقاب ؟ حياتنا الثانية ؟
أهذا ما ينتظرُنا .. خوفٌ دائمُ السَّيطرةِ على عقولِنا ..
أيقاسُ دربُ المغفرةِ بالأيّامِ، أم بالصلاة ..
هلْ كانتْ حياتُنا على الأرضِ جنَّةً، حتَّى يكونَ موتُنا جحيمًا ..
فبينَهُما ضاعتْ نفسي، دنيا وآخرة ..
واحترتُ بينَ جنَّةٍ ونارٍ، فكلتيهما إبداعُ إله ..