بقلم: تيماء الجيوش
تاء التأنيث في الهجرة و القانون. تتنامى في وقتنا الحاضر دراسة الهجرة، تحليلها ، أسبابها ، مآلاتها ونتائجها على المديين البعيد والقريب لا سيما بعد تصاعدها بشكلٍ غير مسبوق ، و تصاعد أعداد المهاجرين و حركتهم سواء أخذت هذه الهجرة شكلاً قانونياً أم لا . لهذا الاهتمام و التحليل جانب إيجابي يُبرز ما يمكن أن يُقدّمهُ المُهاجر لموطنه الجديد من خلال تواصل حضاري وثقافي و رفده للحلقات الاجتماعية والاقتصادية ، والتي قد تدفعها قُدماً ، وهو ما قد يُنتَج عنه ثقافة حديثة في الوطن الجديد. للمرأة بالتأكيد نصيب هام في هذا الشأن ، فقد ازدادت نسبة النساء في موجات الحراك البشري و الهجرة الدولية و هذا ما تؤكد عليه دوماً مؤسسات الأمم المتحدة التي أشارت بعض تقاريرها الى أن نسبة النساء من حيث الهجرة قد وصلت الى نحو خمسين بالمئة ما حدا ببعض المحللين الى الدعوة نحو تأنيث الهجرة . فالمرأة تهاجر باحثة عن أمنٍ، سلامٍ، عيشٍ كريم، أو أن تلتحق بزوجها أو أفراد عائلتها….الخ. المرأة العربية بطبيعة الحال نالت نصيبها من الهجرة وبحجمٍ أكبر من ذي قبل نتيجة الحروب والحروب الأهلية، الصراع السياسي، التردي الاجتماعي و الاقتصادي في الأقطار العربية . ومن يتتبّع هجرة المرأة العربية و ارتباطها التاريخي منذ بداية القرن العشرين سيجدها قد بدأت في إطار المرافقة ولمّ الشمل مع أسرتها لتصبح لها أشكال أخرى لا سيما في العقدين الأخيرين . بقيت هجرة المرأة العربية عبارة عن رقم يرد في هذا التقرير او ذاك . لم تكن هناك دراسة جدّية من قبل الباحثين والدارسين عن مساهمتها الاجتماعية، الاقتصادية والتجارية ،و لعل الحديث عن المرأة المهاجرة بدأ مع صعود أرقام التجمع العائلي للمهاجرين أي ازدياد نسبة الهجرة واللجوء الى بلدان القارة الأوروبية و شمال أمريكا. لم يكن الحديث آنذاك يتجاوز الصور النمطية فهي مرافقة للزوج، من تقوم برعاية الأسرة، من لا تتجاوز دورها التقليدي الذي رُسِمَ لها و الذي حوُصِرت به لقرونٍ عديدة. لا يختلف الرأي لدى المهتمين بالمسألة النسوية أن النساء المهاجرات يواجهن عدة معضلات أساسية لا تليق بهن ولا تمنحهن المساحة لممارسة حقوقهن كاملة دون انتقاص في بعض البلدان المُستقبلة للمهاجرين و اللاجئين ،أقول بعض البلدان وليس كلها . المعضلة الأولى هي عامل خارجي يتمثل في ما ينال المرأة العربية من تمييزٍ مضاعف لكونها مهاجرة أولاً و لنوعها الاجتماعي ثانياً لا سيما في البيئات التي تزداد فيها السياسات المعادية للمهاجرين نتيجة صعود التيارات المحافظة المناوئة للهجرة واللجوء و التي ترمي بثقل ضعف الاقتصاد على المهاجر واللاجئ ، يرافق ذلك ما يغذيه الإعلام من تقديرٍ سيء للمهاجرين واللاجئين و نفي أدوارهم الايجابية و التي يأتي على رأسها الضخ الفاعل في المساحة الاقتصادية و سدّ احتياجات سوق العمل في قطاعاتٍ اقتصادية هامة …الخ. المعضلة الثانية هي حقيقة عامل داخلي وما ينعكس على النساء في محيطهن الأسري و علاقتهن بأزواجهن جراء الهجرة و انعكاسها على أوضاعهن القانونية والتي قد يليها هجر ، انفصال، تقييد حركة الزوجة، تهديد بالطلاق ، تعدد الزوجات (على الرغم من أنه ممنوع قانوناً و معُاقبٌ عليه لكنه يحدث في خرقٍ واضح للقوانين والتشريع اللذين يُعدّان تعدد الزوجات جرم جزائي بالمطلق في أوروبا و الأمريكيتين ) حضانة الأطفال، الحقوق المالية و غيرها .
هذه الحزمة المتعددة تحدث في بلاد المهجر مع كل ما يتبعها من عواقب قانونية ، نفسية، اجتماعية، وقد يحدث هذا كله و المرأة ليس لديها القدرة على التكيف ، و قد يحدث وهي لا زالت تحاول ان تجد توازنها ما بين ضفتي أسرتها و مجتمعها الجديد. من الهام في هذه المرحلة التوجه نحو المؤسسات النسوية لطلب خدمات الدعم النفسي الاجتماعي والاقتصادي والصحي والخدمات القانونية لا سيما عندما يُثار السؤال عن الوضع القانوني للمرأة المهاجرة في حال الطلاق أو الانفصال وما يرافقه من معلوماتٍ مغلوطة . لنأخذ كندا نموذجاً. عند الحديث عن اللجوء والهجرة في كندا ، هناك نموذج يعتمد المعايير الدولية القانون الدولي وحقوق الإنسان في توطين اللاجئين و استقبال المهاجرين . تبدأ و كما تحدثت في مقال سابق بمنح الإقامة الدائمة التي هي حق دستوري لا يسقط الا في حالات محددة ذكرها القانون و بشيء من التفصيل وهي على التوالي تبدأ بواجب الإقامة الفعلية في كندا لمدة 730 يومًا على الأقل خلال السنوات الخمس الماضية السابقة لطلب منح الجنسية وهي تسقط أي الإقامة الدائمة بطبيعة الحال مع الحصول على الجنسية الكندية. أو في حال التخلي عنها بشكلٍ طوعي.
تسقط مع ارتكاب جريمة على درجة من الخطورة خلال مدة الإقامة الدائمة في كندا و سقوطها قانونياً وادارياً يعني مغادرة كندا . زد على ذلك أن المقيم الدائم قد لا يكون مقبولاً تواجده في كندا لعدة أسباب منها : أسباب أمنية أي التخريب، التجسس، عنف وارهاب ، عضوية منظمة تقوم بانتهاكات دولية وانتهاكات لحقوق الإنسان ومثالها جرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية ، الجريمة المنظمة و منها غسيل الأموال وتهريب الأشخاص ، أو أن يكون المقيم عضو في حكومة خاضعة لعقوبات دولية ، ارتكاب جريمة تحت تأثير المخدرات أو الكحول . الأسباب الطبية كتعريض السلامة العامة للخطر التي تجعل من غير المقبول تواجد المقيم . او لأسباب مالية كعدم القدرة على إعالة الأسرة المالية ، أو في حال تقديم معلومات مُحرّفة. هذه حقوق دستورية وضعها مشّرعو بلدٍ ديمقراطي يلتزم بالعهود والمواثيق الدولية.
المرأة في كندا حقوقها مُصانة سواء كانت تحمل الجنسية أو الإقامة الدائمة لا يمكن لخلافٍ زوجي أو نزاعٍ قانوني يقع تحت مظلة قانون الأسرة ان يُسقط عن المرأة حقها الدستوري ، وكل ما عدا الأسباب الأنفة الذكر هو نوع من ممارسة الضغوط النفسية والمعنوية عليها في حال حدوث طلاق او انفصال. ما يثير الحذر يأتي من عودة المرأة حاملة الجنسية أو الإقامة الكندية الى وطنها الأم لتجد منظومة تشريعية و قانونية كاملة تهدد حقوقها وتنتهكها فتصبح عرضةً لعددٍ من الخروقات لحقوقها الأصيلة و منها على سبيل الذكر بيت الطاعة، منع السفر هي أو أولادها ، زواج الصغيرات …. الخ.
أسبوع سعيد لكم جميعاً.