بقلم: تيماء الجيوش
بات أمراً معتاداً في أحايين كثيرة أن نشاهد مترجمي الإشارة يقومون بمهامهم إن كان برنامجاً، مؤتمراً، أخباراً، انترنت ، لقاءات في الفضاء الافتراضي…الخ. ما يساعد من لهم إعاقة سمعية على فهم ما يدور. تتنوع الإعاقات و تختلف درجاتها جسدياً و عقلياً و تمتد على مساحات البلدان المختلفة . تُفيد تقارير منظمة الصحة العالمية و البنك الدولي أن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة يتجاوز المليار عالمياً ، كما و تفيد ذات التقارير أن ما يبلغ نسبة ٨٠٪ منهم تتراوح شرائحهم العمرية ما بين ١٨ و ٦٤ عاماً ، وهي سنوات هامة لو أخذنا بعين الاعتبار أنها السنوات الرئيسة التي ينتج فيها الفرد و يساهم في اقتصاد مجتمعه.
في هذا الأمر تحديداً، أفادت الأمم المتحدة أن معدل البطالة الرسمي للأشخاص ذوي الإعاقة يبلغ ضعف معدل البطالة لدى الأشخاص الآخرين ولعل هذا من الأسباب التي حثَّت الدارسين و الباحثين على التساؤل إن كانت الفرص متكافئة وهل يقوم المجتمع الدولي بما ينبغي في هذا الصدد؟ هل تقوم الحكومات بوضعهم كجزءٍ عام في استراتيجيتهم و خططهم الاقتصادية الاجتماعية؟ هل هناك تحيز لا واعي ضدهم مجتمعياً؟ هل يتم وضع العوائق عن غير قصد أمامهم ؟ بمعنى آخر و كمثال مُبسّط عند الحديث عن الفرص الوظيفية هل يوجد في الصياغة ما يُنبئ عن الترحيب بهم؟
العديد من الأسئلة و المحاور المتعددة القانونية والاقتصادية و الاجتماعية والإنسانية و الثقافية أفضت إلى تصاعد الاهتمام العالمي بحقوقهم والذي لم يقف عند الحّيز النظري بل تجاوزه حيث عُقِدتْ وللمرة الأولى في العام ٢٠١٨ قمة عالمية قامت بتنظيمها الحكومة البريطانية و المؤسسة الدولية للتنمية GLOBAL DISABILITY SUMMIT. GDS. ما مثّل حينها لحظة تاريخية حيث اجتمع العديد من صانعي القرار والشركاء و المهتمين بالدفاع عن أصحاب الإعاقة و سياسة الدمج. تلاه بعد ذلك في العام ٢٠٢٢ القمة الثانية في النرويج أيضاً بالتعاون مع المؤسسة الدولية للتنمية حضرها العديد من رؤساء الدول والحكومات و سبعاً من منظمات الأمم المتحدة و أمينها العام ليتم تناول مفاصل منها ذوي الإعاقة في ظل الأزمات الإنسانية، البيئة و تغيرات المناخ، العمل والحقوق الإنجابية حينها والاهم متابعة نتائج القمة الأولى، البناء عليها ، وتطوير الآليات. كما كان من نتائجها تعهدات دولية تختلف كماً ونوعاً عما مضى . منها أن أطلقت النرويج أول إستراتيجية لها تعمل على دمج الأشخاص ذوي الإعاقة عبر فرص سوق العمل و جعلهم أولوية في الحد من مخاطر الكوارث و التغييرات المناخية زد على ذلك تعهداً بإدراج تشريعات الإعاقة في نصوصها القانونية. ومنها أيضاً في نهجٍ موازٍ ولا يقل وزناً قانونياً و إنسانياً تعهدت بريطانيا بتبني إستراتيجية جديدة لدمج ذوي الإعاقة حتى العام ٢٠٣٠.
كندا لم تتخلف عن هذا الركب الإنساني و أعلنت أن حقوق ذوي الإعاقة هو أولوية بل وهو من أهدافها للتنمية المستدامة بحلول العام ٢٠٣٠ ، بالإضافة الى ذلك كان لـكندا أن تتعهد بالتزام جديد في القمة بأن تدعم المنظمات المحلية لحقوق الإعاقة في البلدان النامية من خلال وضع البرامج و الدفاع عنهم كما وتعزز من إدراج الإعاقة في جدول أعمال الرعاية المدفوعة وغير المدفوعة. من يقم بمراجعةٍ دقيقة لأهداف القمتين يخرج بنتيجة أن هناك ثقافة جديدة تُبنى، فهي هنا تبدأ بزيادة الاهتمام العالمي بالتنمية الشاملة للإعاقة والعمل الإنساني في كل مكان ومن أجل الجميع لتنتقل الى إلقاء الضوء على الممارسات الجيدة كي تكون مصدراً للإلهام و التغيير من التنمية الشاملة للأشخاص ذوي الإعاقة و العمل الإنساني.
هذا الالتزام و هذه الرؤيا على المستوى السياسي و صناعة القرار تُرجّح كفة التغيير المرجوة و تدفع نحو بناء الثقافة الشاملة. بالعموم معظم المجتمعات الإنسانية لديها تاريخ في التغيير الثقافي و تؤمن بأن التنوع في الآراء ووجهات النظر و المفاهيم مقدمات تؤدي الى نتائج جيدة ، تُشعر الأفراد بالانتماء ، يصبحون أكثر تفاعلاً. حقيقة الأمر هي علاقة تبادلية ما بين إحداث التغيير المنهجي و ما بين وضع الاستراتيجيات والتشريعات و البرامج الاقتصادية الاجتماعية التي تُثمّن الأفراد ذوي الإعاقة و تعدّهم رافداً أصيلاً لمجتمعاتهم و ليسوا ثقلاً على كتفها. و جوهر هذا كله بعيداً عن النظريات و الفرضيات أن تسأل أصحاب الإعاقة ماذا تريدون ؟ ماذا تحتاجون؟ اليوم أكثر مما مضى من المفيد أن يتم استخدام التكنولوجيا في تحليل أو معرفة ما يحتاجه ذوي الاحتياجات الخاصة ، كما يمكن استخدام الانترنت لإرساء نهجٍ يخدم هذا التحليل.
وما يرسو على قائمة الأهم هو بناء برامج تساعد على إنشاء بيئة آمنة ترتكز على نشر الوعي ، المعلومات و ثقافة تؤكد من خلال ذلك كله على حقوق ذوي الإعاقة وهذا حقيقةً ما يؤدي الى تنامي أدائهم و يتطور في ظلٍ من المساواة واحترام الحقوق.
المرأة والفتاة في ظل الإعاقة هي مُعّرضة أكثر بنسبة ثلاث مرات للتمييز والعنف الجندري مما تتعرض له المرأة غير المعاقة. وبالرغم من أن الأشخاص ذوي الإعاقة يواجهون ذات التحديات والصعاب في سوق العمل لكنه أيضاً يكون مضاعفاً على كاهل المرأة. لعل ما يزيد من هذه التحديات هو محدودية تمكين المرأة ، وتنمية قدرات النساء والفتيات ذوات الإعاقة، بما يعنيه من قيادة و مشاركة في صنع القرار إن كان سياسياً اقتصادياً او اجتماعياً.
القانون الدولي لم يغفل عن المرأة المعاقة ، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW. و باقي الاتفاقيات ذات الصلة التي تناولت حماية حقوق المرأة و النساء ذوات الإعاقة و التدابير التي يجب اعتمادها لإنهاء العنف ضدها و تحقيق المساواة تمّ التوقيع و التصديق عليها و باتت مصدراً أساسياً للتشريعات المحلية مما يُشّكل الدعامة لحقوق المرأة. القمة الثالثة ستكون في برلين ، ألمانيا في العام ٢٠٢٥ ولازال الأمل بان يكون دوراً ريادياً لكثير من الدول الديمقراطية في تحقيق مزيدٍ من الكرامة و الأمن لذوي الإعاقة. هم ليسوا بعددٍ من الملفات الفائضة التي يمكن إلغائها، هم أفراد لهم كامل الحقوق.