بقلم: سليم خليل
حدثني صديق من القاهرة هاجر مؤخرا إلى كندا وعاش فترة ثورة الشباب التي سميت بالربيع العربي التي اندلعت في ٢٥ يناير ٢٠١١ وعن ما جرى في شوارع مدن مصر وخاصة شوارع القاهرة من قمع السلطة والضحايا إلخ . لا فائدة من وصف ما حدث في شوارع المدن وما يهمنا هنا حديثه عن أسلوب التعبير الفني وكيف كان الشباب الرسًامون يرسمون على الجدران معبرين عن ما يجري على الأرض وكيف كانت السلطة ترسل شاحنات مجهزة بعمال وتجهيزات لطلي تلك الرسوم وطمسها ؛ كان الشباب يصورون الرسوم بهواتفهم ويرسلونها إلى الأقارب والأصدقاء .
كان الثائرون ينتقلون من شارع إلى شارع يوميا ليرسموا على أي جدار قابل ليرسم عليه في مركز المدينة عالمين بأن الجدارية ستطلى بالدهان سريعا . لم ينقل صديقنا بعض تلك الرسوم ولم يحفظها وكل ما تحدث عنه أن تلك الرسوم كانت بمستوى فني عالمي يمكن أن يرفع راسموها إلى مستوى المشاهير مثل بيكاسو وغيره.
ذكرتني تلك الرسوم بلوحتين : – الجرونيكا – لبابلو بيكاسو الشهير والثانية للفنان المكسيكي داوود إلفيرو سيكييروس – تروبيكال أميركا -.
جدارية الجرونيكا لبيكاسو تحدث عنها العالمون بالفن سنين طويلة وبمقالات نقد فني زاد من شهرتها لتصبح تاريخية ؛ عبر فيها بيكاسو عن مجزرة قُتل فيها أمهات وأطفال قرية الجرونكا في أسبانبا بقصق الطائرات الألمانية والإيطالية خلال الحرب الأهلية الأسبانية في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي . ساعد الألمان والإيطاليون الجنرال -فرانكو- قائد الجيش الأسباني الذي قاتل الثائرين ضد العرش الملكي الأسباني . يمكن مشاهدة اللوحة على صفحة بيكاسو على كافة شبكات التواصل الإجتماعي ؛ كان شباب القرية يقاتلون مع الثوار ولذلك قُصفت القرية وكانت الضحايا نساءَ وأطفالا . تًظهر اللوحة بشاعة ووحشية تلك الحرب الأهلية ؛ في اللوحة نساء تستنجد بأعين جاحظة وأجزاء أطفال وقطع خيول مفزعة … إلخ إلخ
رسم بيكاسو الأسباني في فرنسا اللوحة عام -١٩٣٧- من ثلاث أجزاء:
٣،٥٠ متر إرتفاع ٧،٨٠ متر عرض. وطلب أن لا تنقل إلى أسبانيا خلال حياة الجنرال فرانكو ؛ عُرضت اللوحة في أكثر المتاحف العالمية الشهيرة المجهزة ببيئة حافظة للألوان ونقلت إلى أسبانيا في السبعينات من القرن الماضي بعد وفاة الجنرال فرانكو حسب وصية بيكاسو .
أما اللوحة الجدارية الثانية الشهيرة فهي للرسام المكسيكي سيكييروس؛ طلبت ولاية كاليفورنيا رسم جدارية على حائط بناء المكتبة الإيطالية الأثرية في لوس أنجيلوس بإسم – تروبيكال أميركا -. كان الهدف أن يرسم الفنان لوحة عن طبيعة أميركا الإستوائية . كان الرسام يعمل في الليل محاطا بكافة حاجاته للرسم ولم يظهر على اللوحة رسوم واضحة لغاية ليلة الإفتتاح !!
أكمل الرسام اللوحة وإذا فيها رجل من الهنود الحمر السكان الأميركيين الأصليين -مصلوبا – على صليب مزدوج ، صليب يعلوه صليب، ذراعاه مقيدتان على عارضة الصليب الأعلى وساقاه مشدودتان عرضا على عارضة الصليب الأدنى ، فوق رأسه النسر الأميركي بجناحيه ! صباح يوم الإفتتاح فوجىء المسؤولون وأمروا بطلاء الجدارية لطمس معالمها !
مساحة اللوحة ٢٤ متر عرض و ٨ متر إرتفاع . رُسمت اللوحة عام ١٩٣٦، بعد طمس معالمها إزدادت شهرة لأن أجزاءَ منها بقي ظاهرا وأصبحت مزارا للمستهزئين بتصرف السلطة ! في مطلع هذا القرن قام ناشطون بالإعتراض على تشويه قطعة فنية شهيرة عالمية وأمرت مقاطعة كاليفورنيا بترميمها وولدت من جديد عام ٢٠١٢ .
كم نتمنى أن تنشر جداريات القاهرة ؛ أو يسمح للفنانين الشباب إعادة رسم البعض منها لتكون وثيقة تاريخية للأجيال القادمة معبرة عن ثورة شباب الجامعات ويتناولها الكتاب العالمون بالفن الجرافيتي ليعطهونها حقها ويرفعونها مع الفنانين الشباب إلى الشهرة العالمية والتاريخية .