بقلم: علي عبيد الهاملي
كاتب وإعلامي إماراتي
في عام 1895 تخيل الكاتب الإنجليزي الشهير «اتش. ج. ويلز» عالِماً يصنع آلة تنتقل عبر الزمن جاعلا من المستقبل وجهته ليكتشف أن مستقبل البشرية مظلم وكئيب. كان هذا من خيال كاتب بدأ دراسة علم الأحياء قبل أن يفقد اهتمامه بالدراسة ويهجرها فترة ليشتغل بالتعليم ثم يعود إلى الدراسة ثانية.
في المستقبل الذي انتقل إليه بطل الرواية عبر (آلة الزمن) وجد البشر ينقسمون إلى جنسين، ينحدر كل واحد منهما من طبقة اجتماعية واقتصادية معينة. ربما كانت الفكرة هنا مستمدة من النظرية الماركسية التي تتحدث عن حتمية الصراع الطبقي، لذلك كان الجنسان اللذان تخليهما «ويلز» في روايته ينحدر أحدهما من طبقة الأغنياء وسماهم (الأيلو) وهو جنس تخيله الكاتب غبيا وضعيفا بسبب تطوره عبر الزمن وعدم حاجته إلى القوة والذكاء، هو وآباؤه وأجداده الذين عاشوا منعمين. أما أحفاد الفقراء فتصورهم «ويلز» في روايته وقد تحولوا إلى حيوانات لا تمت إلى البشر بصلة وسماهم (المورولوك).
يعيش (المورولوك) تحت الأرض يعملون ويكدحون دائما كما كان آباؤهم وأجدادهم، لكنهم يزيدون عنهم في أنهم قد تكيفوا وتطوروا مع هذا الوضع المزري. يستغل (المورولوك) ضعف (الأيلو) ويقومون كلما جاعوا بخطف واحد منهم ليأكلوه، ثم يتركونهم يأكلون ويشربون وينعمون حتى يأتي الدور على الضحية التالية.
رواية (آلة الزمن) تحولت إلى فيلم سينمائي أكثر من مرة، كانت إحداها عام 2002 من إخراج «سيمون ويلز» حفيد الكاتب الذي حاول أن يقدم رؤية مختلفة للرواية لا تبتعد كثيرا عن الفكرة الأصلية التي كتبها جده، وكذلك فعل سينمائيون آخرون في أفلام عدة منها: «كيت وليوبولد» و»ما قبل الزمن» و»مجرد زيارة» و»تأثير الفراشة» وغيرها.
ولكن بعيدا عن الخيال الروائي والفن السينمائي، إلى أي مدى تبدو فكرة السفر عبر الزمن مقبولة علميا؟
هذا هو السؤال الذي حاول بعض العلماء الإجابة عنه ليصلوا في النهاية إلى أن السفر عبر الزمن ممكن نظرياً، لكنه مرتبط بمقدرتنا على الوصول إلى الانطلاق بسرعة الضوء أو تجاوزها، وهو ما لم يستطع الإنسان تحقيقه حتى الآن، وإن كانت الخطوات التي يتقدم بها العلم لا تستبعد تحقيقه، لذلك أجّل العلماء الحديث عن السفر عبر الزمن بواسطة الآلات مؤقتاً، وانتقلوا إلى الحديث عن إمكانيته عبر بعض الظواهر الطبيعية مثل (الثقب الأسود) و(الثقب الدودي) أو ما يطلق عليه (جسر آينشتين – روزين) وإن كانت كل هذه الثقوب والأنفاق التي يفترض العلماء وجودها في الفضاء ما زالت مجرد افتراضات يبحثون عنها.
أطرف ما في حكاية السفر عبر الزمن هذه هو أنه لو افترضنا أن شخصا ما تمكن من العودة إلى عصر (شكسبير) وأخبره أنه من الكُتَّاب العظماء في عصرنا وسلمه مؤلفاته الأدبية، أو تمكن من رؤية (بيتهوفن) وسلمه سيمفونياته العظيمة فأخذ كل منهما أعماله وكتبها من تلك النسخ التي قدمها له ذاك الذي تمكن من كسر حاجز الزمن والوصول إليه. هنا يتساءل رافضو فكرة الانتقال عبر الزمن: هل يكون شكسبير وبيتهوفن مؤلفَين لهذه الأعمال أم مجرد ناسخَين لها؟ وهل سنجد أنفسنا أمام أعمال أدبية وموسيقية لم يقم أحد بتأليفها؟!
هذا عن العودة إلى الماضي، ولكن ماذا لو أصبح السفر إلى المستقبل متاحاً، وتمكن الواحد منا من الذهاب إليه، وشاهد المآلات التي سيصير إليها، ثم عاد مرة أخرى إلى الحاضر، هل تراه سيغير القرارات التي كان سيتخذها في الكثير من المواقف، أو سيعدل عن الخيارات التي كان سيقع اختياره لها في مختلف شؤون الحياة، مثل الدراسة والعمل والزواج وغيرها من أمور الحياة الأخرى، هل سيصبح المستقبل الذي ذهب إليه وعاد منه مختلفا؟ هذه إشكالية تطرحها مسألة السفر عبر الزمن، وقد شاهدنا نماذج منها في الأفلام السينمائية التي تطرقت إلى هذا الموضوع، وقد ذكرنا بعضها.
دعونا إذن من فكرة السفر في الزمن عبر الآلات والثقوب السوداء، أو عبر الأنفاق التي يحدثنا عنها كُتّاب روايات الخيال العلمي والعلماء الحالمون، ولنطلق العنان لخيالاتنا نحن وأرواحنا كي تحلق في كل الأزمان وترتاد كل الأماكن التي تتوق إليها أيًّا كان موقعها من التاريخ والجغرافيا، متى ما وجدت هذه الأرواح راحتها في التحليق وحيثما وجدتها.