بقلم: إدوار ثابت
هذه الحكايات من الأدب الكلاسيكي الفرنسي كتبها الأديب والشاعر الفرنسي جان دو لا فونتين Jean de la Fontaine في القرن السابع عشر ، نظمها بالشعر في مجلد من أثنى عشر جزءاً أو كتاباً ، شملت كلها ما يزيد عن مائتي حكاية ، وأسمى هذا المؤلف (فابل Fables ) وهذا الكاتب أو الشاعر كما يراه النقاد في فرنسا وفي غيرها من البلاد هو واحد من أشهر الأدباء الفرنسيين ، قد ذاعت شهرته عندما أصدر ذلك المؤلف ، وظلت منذ ذلك العصر الذي كتبه فيه حتى الآن . وقد جعل الكاتب الحيوانات هي الشخصيات الرئيسية في حكاياته ، ومن الحق فهي ليست كلها هكذا ، فبعضها إنسانية ، وبعضها من الطيور ، وغيرها من النبات ، وغيرها من الجماد ، ورغم ذلك ، فقد عرف هذا الكتاب أن شخصيات الحكايات فيه هي من الحيوانات لأن أكثرها هي البارزة فيها . وقد تحدث كثيراً من الأدباء والنقاد عن هذا المؤلف وعن هذه الحكايات في فرنسا ، وفي غيرها وأمتدحوها وأمتدحوا كاتبها ، وأرتبطت وأرتبط هو بها عند قراء ودارسي الأدب الفرنسي بقيمة كبيرة ومكانة عالية . وما يثبت هذه المكانة هو ما بهذه الحكايات من المجاز أو الأستعارة لمضمون إجتماعي أو نفسي ولمضمون فلسفي أو سياسي ، وأن الحيوانات فيها هي رموز للشخصيات الإنسانية ، وكل حكاية منها تحمل مفهوماً أو إدراكاً يبدو من محتواها ، وتبرز وعظاً أو حكمة تغلفها ، حتى أن بعض هذه الحكم والمواعظ أضحت أمثالاً من أمثال اللغة الفرنسية ، نراها في بداية الحكاية أو نهايتها ، أو نلمحها ضمنياً من قراءتها قيما يسمى (Morale ) أو المغزى الأدبي. ومما نراه في هذا المؤلف أو هذا الإنتاج الأدبي (œuvre ) هو إسمه وترجمته ، فقد أطلق عليه الكاتب (فابل Fables ) ، وهذه الكلمة تترجم في معاجم اللغة العربية الفرنسية بكلمات مختلفة منها « قصة خيالية قصيرة ذات مغزى « ( récit ) وهي الترجمة الحقيقية لهذه الكلمة من اللغة اللاتينية ( Fabala) . ولكن بعض المعاجم تترجمها (أكذوبة Mensonge ) ، وبعضها تترجمها أسطورة أو مهزأة أو ظرافة . ونحن نرى أن كلمة أكذوبة ليست ملائمة ، فما تحويه هذه الحكايات من حكم مع بها من رموز هي أبعد من ذلك بل أقرب إلى الواقع وإلى الصواب . أما الأساطير فهي الأحاديث الغريبة التي تتناقلها وترويها الأجيال فتغدو معروفة وإن كانت لا تعرف حقيقتها والكاتب يعطي لحكاياته ملامح من بعض الأساطير وخاصة الأغريقية القديمة وشيئاً من الملاحم القديمة مثل ملحمتي الألياذة والأوديسة للشاعر الأغريقي هوميروس، أما المهزأة فمعناها السخرية ، وهي بعيدة كل البعد عن محتوى إلا إذا كانت هذه الحكايات تنتقد سلبيات الواقع وتسخر منه وهذا ليس كل ما بها . أما خرافة فهي الكلام المكذوب ، وهذه الحكايات إذا قرئت بترو وتفهم ستبدو فيها من الحكم والمواعظ المنطقية بل والفلسفية ما ينفي أن تكون أكاذيب . أما عن إختيار الكاتب لمؤلفه عنوان (فابل Fables) ، وقد وضعه في صيغة الجمع وهو يعرف أن ترجمة هذه الكلمة هي خرافات ، ويبدو عليه قد رغب في ذلك لمبرر فني Artiatique أو أدبي Littéraire، وليس هذا غريباً فكثير من الأدباء يضعون عنواناً لما يكتبون يختلف عما به بل قد يتناقض عما يحويه . ولكن أغلب الظن في وضعه لهذا العنوان هو أستناده إلى اللغة اللاتينية التي كان مطلعاً عليها ويتقنها كثيراً أو قليلاً ، وأخذ منها هذه الكلمةFabula وهي قصة خيالية قصيرة ذات مغزى . ومن كل ذلك فنحن لا نستحسن تلك الترجمات العربية ، وإنما نستحسن هذه الترجمة التي أساسها اللغة اللاتينية ، ونفضل مع ذلك في هذا الشأن الذي نتحدث عنه وفيما نرويه من هذا النتاج الأدبي أن نغير فيما نكتبه كلمة قصة إلى حكاية ، فالحكايات تتسع لتتضمن التحليل والفلسفة ، وتتضمن النقد والتشبيه وغير ذلك من الوظائف الأدبية ، وكلها كما كتبها (لافونتين) في مؤلفة قصيرة لا تزيد عن صفحة أو صفحتين من القطع الصغيرة وتشمل مع ذلك هذه الوظائف الأدبية التي تعطيها هذا المضمون بها ، وذلك المغزى الذي تحويه . ومن شهرة هذا الكتاب وما به من هذه الحكايات التي كتبها (لافونتين) فقد أرتبطت بأسمه فيقال دائماً (حكايات لافونتين Les fables de la Fontaine) ولا أقول أقول خرافات كما يقولون الكثيرون ، وظلت الكلمة الفرنسية Fables مرتبطة بهذا الكاتب وبهذه الحكايات معاً .
البقية في العدد القادم