بقلم: سناء سراج
قابلني والأشواق في عينيه سلم آه سلم وخد أيدي في ايديه وهمس لي قلي الحق عليه……
“مريم” تلك المرأة الأربعينية التي كانت تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي حيث كانت شغوفة بمعرفة كل شئ وتريد أن تنهل من العلم وتحصيل المعلومات في كل المجالات.
في يوم كانت تتصفح موقع تويتر وفوجئت بشخص يسمى “عبادة” معجب بما تنشره وتجاذب معها أطراف الحديث وحبهم لقهوة الساعة الخامسة عصرا وأغاني الزمن الجميل وكل ما هو أصيل وتعرفا عبر الأثير من خلال تلك العالم الخفي الذي يعيشه كل إنسان بهواه ، من دون أن يرى بعضهما البعض أو حتى أن يروا صورهم الحقيقية أو تفاصيل ملامحهم
وبعث عبادة برسالة لمريم للتعرف عليها ويطالبها أن ترد له الفولو( او المتابعة ) كما هو تابعها..
ولان تويتر هذا يشعرك انه من المواقع الرقيقة، في نظري يشبه أولاد الذوات أو الناس اللي بتفطر توست ومربى وزبدة، عكس الفيسبوك تحس انه مخلط شعبي علي طبقة مثقفة على حرفين يعني متنوع من كل الطبقات زي حي شبرا والسيدة زينب … وهكذا .
يوم ورا يوم أصبح تواصل مريم وعبادة شئ أساسي وتطور للاتصال عبر الماسنجر ولكن حديث فقط وكانت أحاديث مريم وعبادة عادية يتحدثون في أشياء كثيرة مثلما تتقابل مع صديقك وتحكي معه في أي شئ المهم انك بتحكي .
وكانت مريم في أشد الاحتياج لأذن تسمعها وقلب يحس بها وإنسان يشاركها يوميتها ورغم أن مريم كانت أرملة وهي شابة جميلة ولكنها كرست كل حياتها لأبنائها بكل حب وبكل رضا ولم تفكر في الارتباط بعد موت زوجها .
وفي يوم طلب عبادة أن يرى صورة مريم وهي أيضا كانت تريد أن ترى ملامحه فاتفقا أن يستبدل كل منهم صورهم على البروفايل بصورهم الحقيقية حتى يعرف كل منهم على الأقل وجه الآخر ويرى ملامحه .
ولأنها وجدت مع “عبادة” صديق لا أكثر ، ولكنها تعودت علي وجوده ،كلماته وصوته عبر الأثير وتواصله معها ، وكان مسافراً إلى بلد عربي ، رغم بعد المسافات ووجود البحار والجبال إلا أن لقائهما عبر الرسائل تخطي كل الأميال والمسافات، حتى حدث ما كانت تخشاه ..
وحدثت “مريم “ نفسها ، ما هذا هل حقا أنا أحببته ، وأصبح صوته وكلماته إدمان لا استطيع أن أعيش بدونه كيف ؟
ولما هذا العذاب الذي أتيت به لقلبي ونفسي !! انه شئ محال أن يتحقق ويظل معي أو بجوارى هذا الإنسان انه بعيد كل البعد ليس فقط بالمسافات ولكن بالطبيعة والعمر والظروف، أنه يصغرني بأكثر من عشر سنوات .
وأيضا أنا كرست لأبنائي كل حياتي ، كيف تسلل هذا الإنسان واخترق حواجز قلبي وعقلي ولماذا اشتريِ العذاب واتعلق بشئ حتما هو مفقود ولابد من يوم وتحدث الفجوة والفُرقة.
وعنفت مريم نفسها كثيرا واختارت أن تبتعد نهائيا ولا تتحدث أو تلتقي به حتي عبر الأثير أو الرسائل ، وأصبحت في حالة يرثى لها حيث كانت تشبه المدمن الذي أراد العلاج ويعاني من سحب المخدر من دمه ، هي كانت تعاني من نزع حبه من قلبها وتحرق بيدها مشاعرها وإحساسها.
وظلت فترة هكذا حتي تعودت على عدم وجوده في حياتها .
ومر عام وفي يوم كان شتائه خريفي سافرت إلى الإسكندرية حيث كانت تجلس علي الشط على مقعد خشبي وأمامها اتساع الكون والبحر بلا حدود وتلاقي السماء مع الأمواج التي تتلاطم مع الصخور وتخلف ثوران يعبر عن ذكريات مؤلمة وحياة مؤرقة.
وفجأة تسرى إلى مسامعها قيثارة الشرق وغنوة .. ودارت الأيام ومرت الأيام ما بين بعاد وفراق وقابلته نسيت اني خصمته ونسيت الليل اللي سهرته و عذاب قلبي وحيرته وتلفتت ناحية الصوت وإذا بالمفاجأة المدوية أن تجد “عبادة” أمامها دون أن ينطق كلاهما نطقت أم كلثوم ودارت الأيام..
قابلني والأشواق في عينيه وسلم آه سلم وخد ايدي في ايديه وهمس لي قلي الحق عليه .. نسيت ساعتها بعدنا ليه.
وسرحت قليلا تخاطب ذاتها هل حقا الخيال والأحلام من الممكن أن تتحول إلى واقع ويحدث ما لا نتوقعه.. ولكنه حدث وتبادلا الحديث القليل لان كلمات “ودارت الأيام” وصوت القيثارة عبر عن واقعهم أكثر من الواقع نفسه وكان أقوى من أي كلمات .
وغادر كل منهما في طريق دون وداع لعل الصدف تكون أكرم من الواقع المرير ..
وهذه كانت حكاية غنوة ودارت الأيام وأترككم معها ومع ذكرياتها في حياتكم .