بقلم: حسّان عبد الله
ما يزالُ النقدُ الأدبي أسيرَ منهجٍ تقليديٍّ جامد تتغيَّرُ بعضُ مظاهرِهِ وأشكالِهِ وهو في جوهره واحدٌ . إنّه المنهجُ التاريخيُّ الذي يعتمدُ على دراسةِ حياةِ الأديب ِودراسةِ بيئتِهِ وعصره ومناسبةِ الأثرِ كمقدّماتٍ ضروريةٍ وكافيةٍ لفهم الأثرِ الأدبي ذاتِهِ والحكم ِعليه . ومن الواضحِ أنّ ما تعاني منه دراسةُ النصِّ على المستوى المدرسيّ في جميع ِالمراحلِ من سطحيّةٍ وأحكامٍ عامة غامضة، ناتجٌ من هذا الإطارِ التقليديّ الذي لا فكاكَ منه . لذلك لا أرى إمكانيّةَ تطوّرٍ وتجدّدٍ في هذا المجال ما لم تتبدّلْ الممارسة ُالنقديّة ُولم تتجدّد المناهجُ والمفاهيمُ عند النقّادِ والجامعيين .
ليس للنقدِ الأدبيّ منهجٌ واحدٌ ثابت يصلحُ لكلّ أدبٍ ولكلِّ زمانٍ ولكلّ أثر ، إنّه نشاطٌ فكريّ في تحرّكٍ وتجدّدٍ مستمرين.
النقدُ الأدبيُّ ليس نوعًا أدبيًّا مستقلًّا أو نشاطًا فكريًّا قائمًا بذاته بل هو شديدُ الإرتباط بالعلومِ والفلسفاتِ السائدةِ في كلّ عصر ، ومفاهيمهُ ومقاييسهُ بالتالي في تطوّر وتجدّدٍ دائم.
إنّ المفاهيمَ مثل َالنوع الأدبي ، النص ، المضمون، الأسلوب ، الصورة .. هي مفاهيمُ غيرُ ثابتة وهي تتبدّلُ بتبدّلِ النظريات الفلسفيّة واللغويّة في كلّ عصر . ولا يمكن ولا يجوز لمن يتولّى مهمّة َالنقدِ الأدبيّ على أيّ مستوى كان ألّا يكون َمثقّفًا ثقافةً واسعةً عميقةً . لا نبالغ ُفي التطلّب ِولكنّنا من جهةٍ أخرى لا يجوزُ أن نبالغ َفي التساهل .
النقدُ الأدبي ليس محكمةً والناقدُ ليس قاضيًا يصدرُ الأحكامَ ، حسبُهُ أن يتحلّى بسلامةِ الذوق وصدق ِالحسّ وعمق ِالثقافةِ لكي يتمكّنَ من الدخول إلى هيكلِ الفن . وقبل مرحلة ِالحكم هناك مراحلُ الإحساسِ والشعورِ والفهمِ والتعاطف ِوالتذوّق ِوالدخول الرفيقِ والمؤنسِ في أجواءِ الأثر ِالأدبي أي في ِأرجاءِ نفسٍ في أجلى لحظات ِصفائها وتألّقها ، مرحلة الحكم هي الأخطر ُوالأكثر اضطرابًا ونسبيّة .
مناهجُ النقدِ الأدبي متعددةٌ ومن الخطأ الاعتقادُ أنّه يمكن ُاعتمادُ منهجٍ واحدٍ وتجاهل ُسواه ، بل هي مناهج ُمتطورة ٌومنفتحةٌ ومتكاملة . الأثر الأدبي هو الثابتُ وكلُّ ما عداه متغيّرات، والناقدُ الحقيقيُّ هو الذي ينفتح ُعلى جميعِ المذاهبُ ويؤالفُ بين ما يبدو متباعدات لإرهافِ مفاهيمه ووسائله، فمحبّةُ الأدبُ والثقافةُ الواسعةُ والعميقةُ والمرونةُ والتواضع ُصفاتٌ ضروريّة يجب أن يتحلّى بها الناقد ُالأدبي .