بقلم : نعمة الله رياض
كانت هذه الحادثة ، هي التي غيرت مجري حياته، فقبلها كان طالبا” عادياً في المدرسة الثانوية ، بل إنه كان يجد صعوبة في دراسة بعض المواد كالرياضيات والفيزياء ، مما جعل والديه يلحقانه بمجموعات تقوية خاصة بهاتين المادتين .. كان الإقبال من الطلبة علي هذه المجموعات كبيراً ، لدرجة تحديد له الساعة التاسعة ليلا لبدئها والساعه الحادية عشر ليلا لإنتهائها ، وكان يستقل حافلة نقل ركاب عامة لتوصيله لموقف قريب من منزله في هذه الساعة المتأخرة ..
ذات ليلة بينما كان عائداً لمنزله من مجموعة التقوية ، وكان جالساً في مقعد قرب باب الحافلة ، لاحظ بقلق وقوف ثلاثة فتيان حوله رغم وجود مقاعد شاغرة في الحافلة ، كانوا يهمسون لبعضهم وهم يختلسون النظر اليه ، وتحققت مخاوفه عندما إقتربت الحافلة من الموقف وأبطأت سرعتها ، عندها هجم عليه واحد من الفتيان وخطف هاتفه النقال وغادر الفتيان في ثواني معدوده الحافلة . ذهل باهر ، وهذا هو إسمه ، لكنه أسرع بالنزول من الحافلة وتعقب الفتيان ولحق بهم وتوجه بالحديث لما يبدو انه زعيمهم وقال له :- أرجوك أعده إلي ، إنا أسجل عليه معلومات ودروس كثيرة ، وأخرج يده من جيبه واستطرد – هذا كل ما معي من نقود خذوها وأعد لي هاتفي أرجوك .. ! إبتسم الفتي بخبث وأخذ منه النقود وقال له :- سأعيدة اليك غدا في نفس الميعاد لإتحقق مما قلت ! ، أدرك باهر أنه خسر كل ما معه ، غضب وإرتفع مستوي الإدرينالين عنده ، فهجم علي الفتي الذي يحمل هاتفه محاولاً إسترجاعه ، لكنه فوجئ بزعيمهم يضربه بشدة علي مؤخرة رأسه، والإثنان الآخران يوقعانه أرضا ويضرباه بأحذيتهم في جميع أجزاء جسمه ، مركزين علي رأسه ، رأي وميضاً وأشكال غريبة أمام عينيه قبل أن يفقد الوعي ، لاذ اللصوص بالفرار .. تجمع المارة حوله ، وتطوع شخص منهم ونقله بسيارته للمستشفي ..
شخص الأطباء حالته بأنه أصيب بارتجاج حاد بالمخ وحقنوه بإبرة مخدرة .. عندما إستيقظ بعد ظهر اليوم التالي ، لاحظ شيئاً غريباً، رأي حركة الاطباء والممرضات تبدو أمامه كصور علي هيئة أنماط وخطوط هندسية ، وتظهر منفصلة ومتحركة ومتتابعة ، وليست كحركة سلسة كما هي في الحقيقة ، لم يذكر ذلك لأحد .. سمح له الأطباء بمغادرة المستشفي ، وفي منزله عاني أيضاً من الوسواس القهري ، فكان يغسل يديه أكثر من مرة معتقدا انها مازالت غير نظيفة ، وأصابه نوع من الإكتئاب فكان يغلق نوافذ الحجرة ويظلمها ويخرج منها فقط لتدبير إحتياجاته ..
عرضه والداه علي طبيب مخ وأعصاب، وعندما فحصه بواسطة أشعة الرنين المغناطيسي وعاين الأشكال الهندسية التي رسمها ، قال لهم الطبيب :- إن هذه الأشكال الهندسيه تعبر عن معادلات معقدة يرسمها إبنكم كموهبة مكتسبة نتيجة إصابته بإرتجاج في مخه ، وقد نتج عن الضربه تنشيط مناطق في المخ غير مستعملة في الغالبية الساحقة من سكان الأرض وتظهر في شخص واحد لكل مليون من سكان الأرض أي حوالي 7500 شخص .. سأله الأب: وهل يمكن إخماد هذه المناطق في المخ؟ رد عليه الطبيب: – ولماذا نلغيها ؟ إنها هدية من السماء لتعوضه عما اصابه، إنها تسمي متلازمة الموهوب وهي تظهر طبيعيا في المولود ، أو تظهر مكتسبة نتيجة صدمة في منطقة معينة بالرأس وينتج عنها إرتفاع ملحوظ في الذكاء عنده ، سأله الوالد وكيف عثرتم علي هذه المناطق في المخ ؟ – لقد عرضنا علي إبنكم بعض الاشكال الهمدسية التي رسمها فوجدنا أن هذه المناطق تنشط ويذهب اليها الأكسجين لتستهلكه ، وهذه المناطق خامدة عند كل الناس تقريباً ، ومن الصعب التعرف علي مكانها أو تنشيطها بواسطة الأطباء ، كما شرحت لكم من قبل ..
إكتشف باهر أنه أصبح مغرماً بالأرقام وانماطها ، فإهتم بمتابعة مسابقات الحظ ومنها مسابقه تلفزيونية تشبه مسابقة (من سيحصل علي المليون؟) ولكنها تعرض منتج معين علي المتسابق ، ويظهر علي الشاشة خمسة مربعات بها خمسة إختيارات لسعر هذا المنتج ، وينجح المتسابق في الإختبار إذا ضغط علي مربع به السعر الصحيح للمنتج ، وإذا نجح يكسب قيمة المنتج ، ويحق له الإستمرار في لعب دور آخر ، أو الإكتفاء بما ربحه ، أما إذا فشل ، فيخسر كل ما ربحه في كل الأدوار التي ربحها من قبل .. حصل باهر علي ثلاثين نسخة من حلقات هذه المسابقة وعكف علي دراستها وتحليلها ليفهم ويخترق النظام الذي تعمل علي اساسه المربعات الفائزة ضمن جميع المربعات الأخري .. إستنتج باهر أن النظام يعمل طبقا لسبعة أنماط هندسية ، يعبر عنها بمعادلات رياضية وبالتالي يراها باهر مترجمة كمنحنيات خطية ، بفضل متلازمة الموهوب التي اكتسبها ، وتكون الإجابة الصحيحة هي نقطة تقع علي المنحني وباقي الإجابات تكون نقط بعيدة عن الخط المنحني .. وفي حلقة تلفزيونية مذاعة علي الهواء مباشرة ، جرب طريقته في توقع الإجابة الصحيحة ، وكان علي صواب بنسبة 100% .
تقدم باهر بطلب للإشتراك في حلقة تلفزيونية جديدة ، وبعد أن إمتحنه المسؤلون في تجارب الآداء ، أجازوا ظهوره في المسابقة . ولدهشة الجميع أجاب باهر بثقه علي جميع الإختيارات المطروحة للمنتج ، حتي بدون النظر لصورة المنتج، بل كان يعتمد علي المنحني الذي يظهر أمام عينيه هو وحدة ورقم المربع الذي يقع تماماًعلي الخط المنحني ويحقق المعادلة التابعة له.
كسب باهر مليونين من الجنيهات ، وطبقاً لقواعد المسابقة ، لا يحق له الإشتراك مرة أخري .. فكر في تنظيم مسابقة خاصة به تشبه اليانصيب ، وذلك بإصدار مليون تذكرة فئة الخمسة جنيهات وعمل قرعة يفوز فيها 20 مشترك يحصل كل منهم علي 10000 جنيها و 10 مشترك يحصل كل منهم علي 20000 جنيها بينما يحصل أول المسابقة علي مائة الف جنيها . نجحت المسابقة وكان الإقبال شديداً ، لكن مصلحة الضرائب كان لها رأي آخر ، فالمسابقة أعلنت بدون ترخيص ولم يتم إستيفاء شروط وقواعد الإصدار، وصدر حكم من المحكمة بمصادرة قيمة الإشتراكات مع توقيع غرامة عليه وحبسه ستة أشهر .. لم يدفع باهر الغرامات فصدر حكم عليه بمدة حبس إضافية.
جلس باهر في الزنزانة غير مصدق انه سيقضي عدة سنوات فيها،وأخذ يفكر في طريقة للهروب من هذا السجن الشديد الحراسة ، فتفتق ذكائه الخارق علي خطة بسيطة وفعالة للغاية ، لاحظ أن إدارة السجن تحضر 15 عامل مدني في مختلف التخصصات ، يأتون في التاسعة صباحاً وينصرفون في الخامسة بعد الظهر، وكان يوزع عليهم وجبة غذائية يتناولونها في فناء السجن مع المساجين ، تفحص باهر العمال وعثر علي عامل إسمه كريم يشبهه بدرجة كبيرة في شكل الوجه والجسم ، تقرب منه وأصبحا أصدقاء ، بعد عدة أيام صارح باهر كريم بنيته في الهروب ، وطلب من كريم أن يساعده وطمأنه إنه لن يتعرض للخطر بأي حال . سأله كريم كيف ذلك ؟ شرح باهر الخطة لكريم الذي وافق عليها بعد أن وعده باهر بأنه سيسلم عائلته مبلغاً كبيراً من المال ..
في يوم التنفيذ حضر كريم إلي السجن في الصباح مرتدياً طاقمين من الملابس المدنية وحليق الرأس لابساً باروكة شعر ، حيث أن كل المساجين كانوا حليقي الرأس ..في الساعة الرابعة والنصف عصراً، سلم كريم لباهر طاقم ملابس مدنية وباروكة الشعر ، في الساعة الخامسة عصرا حضر باهر طابور التمام للعمال المدنيين تحت اسم كريم وهكذا خرج باهر إلي خارج السجن بملابس مدنية .
من ناحية اخري ، تخلص كريم من الطاقم الأخر من الملابس المدنية وحضر طابور التمام للمساجين كالمعتاد ..
بعد أن استنشق باهر نسيم الحرية، أسرع بالذهاب إلي شقة لصديق له كان يخبىء فيها المليوني جنيها بالإضافة للارباح التي حصل عليها من طرح تذاكر اليانصيب ثم غادر الشقة قبل أن تصل الشرطة ، ولم يعثر له علي أثر حتي الأن …!!!