بقلم: تيماء الجيوش
في ذكرى رجاء الناصر و محمد عرب والمعتقلين والمغيبين، القاسم المشترك لدى النظم الديكتاتورية هو البقاء في السلطة بأي ثمن ، و على هذا فإن قمع الحريات والحقوق الأساسية للأفراد من حق في الحرية ، التجمع ، التنظيم ، حرية الرأي إلى ما يليها من حقوق يحقق غايتها هنا التي تتمحور في بقاءها السلطوي متفردة في الحكم و صنع القرار. عامل آخر تتقاسمه ألا و هو ذرائعها و سبغها المشروعية على أفعالها من حيث طرحها لضرورة الأمن ، مكافحة الإرهاب، الحفاظ على الوحدة الوطنية ….الخ.
تعمل هذه النظم على ألا يكون هناك دوراً للقانون أو أستقلالاً للقضاء ، يصبح التشريع أداة لإدانة الأفراد عوضاً عن حمايتهم و حفظ كرامتهم، وحقيقة الأمر انه كلما زادت هشاشة هذه النظم و خشيتها من الانهيار ، كلما زادت ضرورة القمع لديها و فرضت مزيداً من القوة بعيداً عن أي حوارٍ عاقل أو منطقي .
في ضوء هذا و ذاك يبرز الاعتقال السياسي و تصاعد أرقامه. و حقيقة الأمر أن الاعتقال السياسي لدى النظم الديكتاتورية هو حاجة ماسّة لبقائها واستمرارها. فمن خلاله تستطيع أن تُكّرس سيطرتها السياسية فتزج في الزنازين كل صاحب رأي حر لا يتفق معها . تابع العديد منا ممن يهتم بالشأن السوري مقابلة قناة الجزيرة مع فريد المذهان رئيس قلم الأدلة العسكرية في مدينة دمشق ، والذي كان السبب المباشر في صدور قرار قيصر أو قانون حماية المدنيين في سوريا من قبل الكونغرس الأمريكي. هو الشاهد الحي على تعذيب و قتل مدنيين كان لديهم حلماً بالحرية، العديد أصابه الذهول والصدمة من المعلومات التي أوردها السيد المذهان حول درجة التعذيب و من ثم القتل بحق المعتقلين ، و العديد ايضاً لم تُفاجئه درجة الجرائم التي وقعت بحق السوريين من قبل نظام الأسد الذي سعى جاهداً للتشبث بالسلطة وهو فاقد للشرعية بهدف البقاء على رأس الهرم السياسي ، في تعريفها للتعذيب أوردت امنستي انترناشيونال أن التعذيب: « يقع عندما يتسبب شخص بصفته الرسمية في الألم النفسي ، الجسدي، أو معاناة شديدة لغرض محدد، و احياناً تقوم السلطات بتعذيب الفرد لانتزاع اعتراف بارتكاب جريمة، أو الحصول على معلومة ، أو كعقاب لبث الخوف في المجتمع.»
و هذا كله وقع في السجون السورية وانتهى بقتل الضحايا دون أي وازع من ضمير. والتعذيب محظور بموجب القانون الدولي العرفي و هذا يعني انه ينطبق كقاعدة على جميع الدول حتى تلك التي لم توقع على اتفاقيات من مثل مناهضة التعذيب CAT او العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية ICCPR فهو محظور حظراً باتاً شأنه في ذلك شأن الإبادة الجماعية و الرق ومهما كانت الذرائع من الإرهاب، التهديد الإرهابي ، حالات الطوارئ ، الحرب.
مع سقوط نظام الأسد ، لم يهدأ الحديث عن الضحايا من المعتقلين و المغيبين ولم ينتهي. مات في السجون السورية من جراء التعذيب فيها الآلاف من المدنيين و كان من بينهم من هم من الأقارب و الأصدقاء ، كان مطلبهم مخلصاً و جاهداً في الحرية، الكرامة و الديمقراطية للسوريين جميعاً على اختلاف انتمائهم السياسي،، الخسارة فادحة و الألم لا ينتهي لفقدانهم ، كان منهم الأستاذ رجاء الناصر الذي التقيته عدة مرات مع بدء ربيع دمشق في العام ٢٠٠١، حيث كنت قادمة حديثاً من دراسة حقوق الإنسان ، اعمل كمحامية و أتابع ملفاتٍ مختلفة، كنت سعيدة بالحوار معه و تلك الدرجة الرفيعة من النقاش لديه و محاوره ، امتلاكه المرونة و احترامه للحقوق ولدور المرأة و تمثيلها و الأهم من ذلك الحلم الذي راوده كما معظم أهل سوريا في بلدٍ خالٍ من القمع و القهر و الديكتاتورية الرثة. و كان منهم ايضاً محمد بشير عرب الذي لم التقيه لكنني تابعت ملفه جاهدة في معرفة مصيره منذ اعتصام المهندسين في العام ٢٠٠٤ ، بالرغم من نشاطه السلمي تم اعتقاله عدة مرات لكنه لم يحُدْ عن حلمه. تابعت أخباره المتفرقة على مر السنين و كان لي و مصادفة ان اقرأ رثاء شقيقته له مع تأكد خبر مقتله في السجن في ٢٠١٤. لأعلم ان محمد اضرب عن الطعام، ألقوا به في زنزانة منفردة لمدة عام، تم تعذيبه، قام بحماية أسماء رفقاء له من الاعتقال و بقي صامداً ، ثم وقفت طويلاً مع نهاية رثائها و هي تقول: «سأخبرهم عمن اختار الثورة بنفسه .. منذ عشرين عاماً… واستشهد دونها .. ليحيا شعبه عزيزاً كريماً ..» محمد بشير عرب و رجاء الناصر ، و كل الضحايا الذين وقعوا بيد جلاد سافر لا زالوا أحياء بذكراهم العطر و ما قدموه. أسماءهم ستبقى محفورة في ذاكرتنا دافعة بنا إلى تكرار العهد مراراً انه لن يكون لحكم ديكتاتوري قائمة بعد الآن، إن التعذيب جريمة ، وان الحقوق و الحريات لا تُمس ، وان الديمقراطية تليق بسوريا ، وان تضحيتهم بحياتهم منحت القدرة لكل السوريين أن يتحول حلمهم إلى حقيقة وان يقولوا وداعاً لنظام ديكتاتوري مع كل زنازينه و قمعه، نظام ظن و بسذاجة انه باقٍ إلى الأبد و لم يدرك انه هش وواهن وأنها سوريا .