بقلم: كنده الجيوش
تنتشر هذه الأيام الكثير من الصور والفيديوهات الجميلة عن الجامع الأموي في دمشق القديمة وهي فرصة لنا لنتذكر هذا المكان ومكانته الثقافية والإنسانية، وكذلك لنتذكر ونعيش التجارب المميزة التي عاشها من زاره أو كان ابن منطقته.
ومن المعروف أن الكثير من العوائل السورية لديها تقليد أسبوعي يقع في كل يوم جمعة حيث يذهب فيها جميع أفراد العائلة إلى زيارة للجامع الأموي لقضاء الوقت هناك وربما تناول الغداء بعد صلاة الجمعة.
و الجامع الأموي ايضاً مكان يلجأ إليه الطلاب الجامعيين أو طلاب المدارس الشبان يدرسون فيه ويحتمون بهدوء أجوائه ، وطبعا قبل كل شي هناك من يجلس عابداً قارئاً الكتب الدينية أو للصلاة و العبادة.
وهو كذلك مكان اتخذه البعض محطة يرتاح فيها من تعب مسير التسوق في دمشق القديمة، أو من جاء إليها في زيارة من ضواحيها واحتاج مكان للراحة… زد على ذلك من جاء سائحاً أو باحثاً مهتماً بتاريخ المدينة القديمة و آثارها ، ناهيك عن الزائرين بهدف التأمل و التمتع بأجوائه الروحانية الجميلة وطابع أهل المدينة.
الجامع الأموي عمره آلاف السنين ، كان كنيسة وقبلها معبد لأهل الشام ، وفيه يدفن النبي يحيي ، كما أن هناك الكثير من الجوانب التاريخية المهمة له، والتي يحتاج سردها إلى الكثير من الصفحات ، والتي أيضاً لا تتسع المساحة لهذا هنا هذا اليوم.
اليوم أتحدث بشكل سريع عن التجارب الإنسانية المتعلقة بهذا المكان التي تعكس و بعمق الثقافة السمحة لأهل الشام، التي نأمل ان تعيش و تترسخ بقوة لما تحتويه على الكثير من الرحمة والمحبة والسلام. وهنا اذكر فكرة احبها و قريبة لي ألا وهي ان الرحمة هي صفة من صفات الله أهداها للإنسان وكرّمه بها .. وكم تكون جميلة هذه الصفة بالإنسان في كل مكان وخاصة في بيت الله.
و هذا يقودني إلى ما قاله احد الأدباء السوريين انه عاش دمشق وعاش فيها تجارب إنسانية عميقة ، أغنت مسيرته الأدبية وعمقت محبته لثقافة دمشق وأهلها كمدينة متميزة بتنوع مفاهيمها وسلاستها ومرونتها.
ومنها يسرد شيئاً عن هذا الجانب و عن الجامع الأموي حيث كان يلجأ كثيرا إلى الجامع الأموي ويغفو تحت أسقفه الأثرية ، أو يعتكف قليلا فيه ليزيح بعض الهم عن روحه وهو تقليد أو عادة عاشها ويعيشها الكثير من أهل المدينة أو زوارها وكثير من أدبائها.
الجامع الأموي وعمره الآلاف من السنين تعكس جدرانه وأحجاره السكينة و الكثير من التأمل الروحي ما يساعد في جلب سلامٍ للروح المتعبة بالتأمل أو ساعات الهدوء وأحيانا النوم. لعل الوصف الأقرب له هو المنزل الحاني الذي يحتضن الجميع بغض النظر عن أية خلفية ثقافية أو دينية أو اجتماعية ، وصفته هذه التي لم تتغير عبر الزمان والظروف.
كاتب آخر يسرد قصة قصيرة جدا ولكنها عميقة جدا بمحتواها و أبعادها سواء بما يتعلق بمكانة الجامع الأموي او حتى المفاهيم الدينية والثقافية والاجتماعية السمحة لأهل الشام ورجال دينها ، والتي نتمنى ان تبقى اليوم دائمة ثابتة ولا نفقدها لأي سبب او ظرف.
ويقول انه عانى من أرق في إحدى الفترات .. ويقول: «وكنت أكسره باللجوء إلى المسجد الأموي، هناك ألفُّ ذراعي وأتكئ عليه وأغفو، في إحدى (نوبات النوم هذه) تقدّم مني رجل معمّر وأيقظني قائلاً:
ـ يا ابني انهض، حان وقت الصلاة.
بنصف صحو اجبته:
ولكنني لا أعرف أن أصلّي.
ابتسم لي، ثم غطّاني بمعطفه وذهب إلى صلاته.
هذا هو الدين السمح المرن ، الإسلام الشامي، رقته تبدو أحياناً مع كمشة مشمش مجفف، مع حفنة لوز، مع كلمات مختصرة تدعو لك و ترجو لك الهداية.
هذا إسلامي الذي أنا من دونه أنا في يتم حضاري، من دونه أنا لقيط في التاريخ مقطوع الجذور.
الرحمة .. الرحمة والسكينة للجميع . سلاماً دمشق الشام ، سلاماً لأهل السلام.