بقلم: ماركو مسعد
السودان، وهو ثالث أكبر دول إفريقيا في المساحة، وهو اسم تناولته وسائل الإعلام علي ما يقرب من أسبوعين عن بداية المعارك بين الجيش السوداني تحت قيادة الجنرال عبدالفتاح برهان وبين قوات الدعم السريع (قوات الجنجويد سابقا) تحت قيادة محمد حمدان دقلو والمعروف بحميدتي. هو صراع داخلي بين حدود دولة السودان ومن المؤكد ان يكون له مآلات خطيرة تمتد لدول الجوار بل والإقليم بأكمله، فما يحدث في السودان لن يظل داخل حدود السودان. والأخطر هو فتح الباب أمام قوي غريبة عن الإقليم ومرتزقه أجانب لتفتيت وحدة السودان وتحقيق أطماع ابعد ما تكون في مصلحة الشعب السوداني الذي يعاني أصلا من مشكلات اقتصادية وصحية وسياسية منذ سنين.
من المتوقع لهذا الصراع ان يمتد طويلا نظرا لتشبث كلا من الطرفين بموقفه. فحيدتي أعلن انه موجود في الميدان ولا يتوقف عن القتال إلا عند الوصول للهدف المنشود، وهو السلطة، وكذلك أعلن الجنرال برهان عن انه يدافع عن سيادة الدولة السودانية وقوة جيشها. فمن الواضح انه يوجد ثلاث سيناريوهات تنتظر أحدهما: النفي، الاعتقال، او القتل. خيارات مريرة بالنسبة للامه السودانية. لكن ماذا عن أثر تلك الأزمة خارج حدود السودان؟ أتحدث هنا عن مصر خاصة، وإقليم شمال إفريقيا عامة.
تحديات مصرية
مصر والسودان طالما ربطتهما روابط تاريخية واجتماعية وسياسية ومصير امة واحد مما جعل البرلمان المصري في أكتوبر عام ١٩٥١ بتعديل لقب الملك فاروق علي ان يكون ملك مصر والسودان. ربط البلدين مصالح مشتركة عدة وأهمها توحيد المواقف خاصة بالنسبة لسد النهضة الأثيوبي. فكلا البلدين يعانين من الإضرار الناتجة عن بناء وتشغيل السد من جفاف للأراضي الزراعية، وارتفاع منسوب المياه الجوفية في الأراضي السودانية على النيل الأزرق وأرض الجزيرة، لكن مع الموقف الراهن في السودان الآن وعدم وجود سلطه موحدة قوية في الخرطوم، تجد مصر نفسها تواجه هذا الخطر الكبير منفردة دون دعم إقليمي. حيث كانتا دولتي المصب يشكلان جبهة سياسية قوية أما سياسات أثيوبيا وبعض من دول حوض النيل. ولكن من المتوقع الآن ان تستغل آديس آبابا الصراع في السودان للضغط علي الجانب المصري وإظهار القاهرة بالجانب المتعنت في حل الأزمة في ظل انشغال السودانيين في شأنهم الداخلي.
علي الجانب الأخر من الأزمة، تخشي مصر من اندلاع الصراع في السودان من ان يقوم بجلب العديد من المرتزقة والمسلحين الي البلاد على الحدود الجنوبية لمصر. حيث تتحدث تقارير استخباراتية عن وجود دعم عسكري يتلقاه حميدتي وقواته من عدة دول عربية وأجنبية. حيث كشفت التقارير عن العلاقة بين قوات فاجنر الروسية وقوات الدعم السريع. حيث تستخدمها موسكو لنشر النفوذ الروسي في افريقيا، كوسيلة في حربها الأكبر والاشمل مع الغرب والولايات المتحدة ليس في أوكرانيا فحسب، بل لوضع أسس نظام عالمي جديد لا يشمل القطب الأوحد مجددا. كما أوردت جريدة آل ويل ستريت جورنال الأمريكية عن توريد أسلحة ليبية من الجنرال خليفة حفتر لحميدتي. فهذا الوضع غير المستقر امنيا في السودان ومع توافر السلاح والعتاد من عدة أطراف إقليمية ودولية يؤرق الإدارة المصرية. فمع غياب سلطة الدولة علي أراضيها تفتيت وحدة الصف الوطني يوفر بيئة خصبة للإرهابيين والمرتزقة وأصحاب الاجندات السياسية لهز الاستقرار المصري والإقليمي. حيث تخشي القاهرة من تحول السودان الي ملاجئ ومرتع للإرهابيين ومن قدرتهم للتسلل عبر الحدود الي الأرضي المصرية للقيام بهجمات إرهابية وتعكير الأمن والاستقرار في مصر. او تكوين نظام سياسي يكن بالأساس بالعداء لمصر ولمصالحها في المنطقة وهو مالا تريده القاهرة بأية حال. فالجيشان المصري والسوداني يشتركان في العقيدة القتالية والحفاظ علي وحدة الدولة وسلامة أراضيها وهو ما يرجح كفة الجيش السوداني عن قوات الدعم السريع لدي الجانب المصري.
في مثل هكذا اشتباكات مسلحة داخل دولة ما، فان أمد الصراع سوف يمتد لبضعة شهور إن لم تكن سنوات نظرا للدعم المستمر بالسلاح والذخيرة لكل من الجانيين وتدخل أطراف دولية لبسط سيطرتها ونفوذها في إفريقيا. بالتالي سيتم استنزاف قدرات الجيش السوداني من السلاح الثقيل الكفاءات المدربة علي حماية الدولة لصالح قوات الدعم السريع. فهذا الصراع لا ينتج عنه إلا منتصر واحد وغالبا بعد تدمير الدولة وبنيتها التحتية وسقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين. فالقاهرة لا تريد جيش سوداني منهزم او منتصر بينما تم استنزاف قواته في تلك المعارك. فالسودان وجيشها هما عمق استراتيجي وامن للدولة المصرية.
ما هو الحل؟
تعاني القاهرة الآن من أزمة اقتصادية حادة مع ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه لمستويات قياسية مما يفاقم معاناة المواطنين. حيث تحاول الإدارة المصرية من إيجاد حلول للازمة الراهنة كإيجاد مصادر للحصول علي الدولار وهو ما يفاقم ويقيد الإدارة المصرية في تقديم حلول للازمة السودانية. في الوقت ذاته يعتبر الأمن والاستقرار في السودان هو امن واستقرار للقاهرة نظرا للبعد الجيوآستراتيجي وتقارب الحدود. ولكن على الإدارة المصرية التدخل بقوة لحل الأزمة في السودان نظرا للأسباب التي تم ذكرها في السابق.
علي القاهرة ان تتحرك بسرعة لتوحيد الصف العربي من الأزمة السودانية. ينبغي علي العرب ان يكون لهم موقف موحد من الازمة وإعلان ان السودان هو من يقرر مصيره مما يقطع الباب علي أي تدخل خارجي. فالقاهرة لديها علاقات ممتازة مع الدول المعنية بالأزمة، واذكر هنا السعودية، الإمارات، وأضيف لهم دولة ليبيا. دعم الإمارات وقوات حفتر لقوات الدعم السريع دون حل سياسي شامل ما هو إلا اماطه أمد الصراع بلا هدف واضح. فتنسيق المواقف العربية سوف يساعد في إيصال رسالة هامة ومفادها أن السودان لا يزال في الحصن العربي الذي لا يقبل تدخل خارجي. فمن المنتظر أن مصر تقدم الدعم الاستخباراتي والميداني بقدر حاسم وسريع مع قيام السعودية والإمارات بتوفير غطاء إقليمي لمفاوضات مباشرة بين حميدتي والبرهان لوضع خارطة طريق. كما فعلت القاهرة في الأزمة الليبية من إعلان واضح وصريح برسم خط بمدينتي الجفرة وسرت وإعلانه خط احمر للأمن القومي في مصر يجب ان يحدث وبسرعة في الأزمة السودانية. فمصر لا تريد أن تفتح جبهة غير مستقرة علي حدودها في دولة بحجم السودان.
يبقي الجيش المصري هو حصن الأمان لتامين الحدود المصرية من تسلل العناصر المسلحة والمرتزقة لمصر، وأيضا لتأمين عملية إجلاء المواطنين المصريين والسودانيين والأجانب.