بقلم: د. حسين عبد البصير
الباب الثاني: الظواهر الاجتماعية
الأسرة أساس المجتمع
كانت الأسرة شيئًا مهمًا في حياة المصري القديم ولطالما نصح الحكماء الشباب بالزواج وتكوين أسرة متى استطاعوا لذلك سبيلاً، فمثلا ينصح بتاح حتب من الدولة القديمة ابنه قائلاً:
-إذا كنت كفئا، فأسّس لنفسك بيتًا.
نصح الحكيم آني من الدولة الحديثة ابنه بالزواج المبكر فيقول له:
-اتخذ لنفسك زوجة وأنت شاب كي تُرزق بولد، إذا أنجبته لك في شبابك علمه ليكون نافعًا، ما أسعد الرجل الذي يُكثر أهله ويحترم من أجل أبنائه.
لقد انعكست البيئة المحيطة على حياة المصري القديم الاجتماعية منذ القدم فمال للاستقرار وتكوين الأسرة وإنجاب أبناء يدعمونه اجتماعيًا واقتصاديًا والأهم من هذين السببين هو استمرار ترديد اسمه على الأرض والمحافظة على تأدية الطقوس له بعد وفاته.
وفي الغالب يصور صاحب المقبرة بحجم أكبر من بقية الأشخاص الآخرين، ويظهر يشاهد أو يشارك في الأنشطة المختلفة. وكثيرًا ما تصحبه زوجته وأبنائه في أنشطة معينة. وفي تلك الحالة تظهر الزوجة بحجم مساوٍ نتيجة لتساوٍ وضعها الاجتماعي مع زوجها، أو تظهر ممسكة بإحدى رجليه. ومن الخطأ التفكير أن هذا التمثيل يقلل من شأنها الاجتماعي. ودائمًا يصور الأبناء في حجم أصغر من الآباء، والأبن الأكبر يظهر غالبًا في حجم أكبر من بقية الأبناء، أو حتى مساويًا لحجم أبويه إذا كان بالفعل بالغًا، أما والدا صاحب المقبرة فلم يكن من الشائع أن يُمثلا في مقابر أبنائهم، وتفسير ذلك هو موتهما قبل أن يبدأ بناء وتزيين المقبرة. وإذا ظهرا فإنها يمثلان في حجم مساوٍ لحجم ابنهما صاحب المقبرة. ومن الجدير بالذكر أن في بعض أجمل المقابر الملونة لم تظهر لا الزوجة ولا الأبناء. ومن غير المؤكد في هذه الحالة إذا كان صاحب المقبرة مطلقًا أو أرملاً أو غير متزوج أو أنه ببساطة لم يرغب في أن يمثل عائلته في مقبرته على الرغم من أن الافتراض الأخير غير محتمل. وعند تصوير نساء الطبقة الأرستقراطية كانوا يؤكدون على وجود نماذج معينة، وكان ذلك النموذج هو الجمال الشبابي مع التركيز على الأرداف والصدر وهي مناطق الجسد المرتبطة بالإنجاب. وعندما كانت تصور المرأة مع زوجها كانت تضع ذراعها حول كتفه أو حول وسطه. وعلى الرغم من أن المجتمع المصري كان الرجال مسيطرين عليه، فإن كثرة ظهور النساء الارستقراطيات بجانب أزواجهن وأبنائهن يؤكد أنهن لعبن دورًا مهمًا في المجتمع.
وعبرت المناظر عن العلاقة الوثيقة بين الآباء والأبناء في كل العصور؛ ففي عصر الدولة القديمة مثل الأبناء مع آبائهم يتفقدون الأنشطة اليومية المختلفة. وفي الدولة الحديثة نرى كل أفراد الأسرة في رحلة في أحراش البردي، يصطادون الطيور والأسماك. كما كان الابن الأكبر يذهب للصيد مع والده في الصحراء. ومن المفترض أن الأطفال كان يحبون ويقدرون آباءهم ويعتنون بهم في مرضهم وشيخوختهم. وبالرغم من أنه كان من واجبات الابن الأكبر دفن والديه والاعتناء بإقامة الشعائر الجنائزية لهم والحفاظ على أسمائهم حية، فإن الأبناء الآخرين أولادًا وبناتًا كانوا يُجبرون على فعل المثل؛ فالأبناء الذين لا يعتنون بآبائهم كانوا يحرمون من الميراث.
وفي عائلات الطبقة الارستقراطية كانت الزوجة فيها مسؤولة عن إدارة شؤون المنزل، بينما كان زوجها يعمل في الخارج. وعكست تلك الحقيقة اللقب الشائع «سيدة الدار» في البيوت الكبيرة. وكان اللقب يعني الإشراف على عمل الخدم. وفي البيوت الصغيرة، كانت النساء تطحن الحبوب وتخبز الخبز ويعدن الطعام. وربما كن أيضًا مسؤولات عن الغزل والنسيج. كما شاركت النساء في الطقوس الجنائزية لأزواجهن، وبرغم أنها كانت تتم أصلاً بواسطة الابن الأكبر. وجعلتنا بعض النقوش على اللوحات الجنائزية نفترض أن نساء العائلة لعبن دورًا في هذا الصدد؛ فقد شوهدن يحرقن البخور ويصببن السوائل ويقدمن القرابين. ولم يصور زوجة وأبناء وأقارب صاحب المقبرة على جدران المقابر وهم يتشاركون القرابين فقط (بالنسبة للأجيال الأصغر فقد كان من المفترض أن يقدموا القرابين)، ولكنهم كانوا يشاركون في كل الولائم التي تعمل لتبجيل المتوفى. ولم توجد هناك حدود فاصلة في تلك المناظر بين أعضاء العائلة الأحياء وقت جنازة صاحب المقبرة وبين من هم كانوا متوفين أصلاً. ومن الاحتفالات التي كان يجتمع فيها الأحياء مع أسلافهم المتوفين «عيد الوادي» الذي كان يتم سنويًا في طيبة. وكان خلال الاحتفال يعبر أعضاء العائلة للجبانة ويقومون بفتح المقبرة وإعداد وجبة يتم تناولها في حضرة المتوفى، وقد كان ينضم إليهم الكهنة والكاهنات حاملين الزهور العطرية من معبد الدير البحري، حيث أنها كانت رمزيًا تعطي الحياة للمتوفى. ومن هنا يتضح أن هذا الاحتفال كان من الصعب إقامته دون مشاركة أفراد العائلة وأنهم سبب استمرار الطقوس الجنائزية في مصر القديمة.
كانت الأسرة هي أساس كل شيء في مصر القديمة.
الألعاب الرياضية
كانت الرياضة مهمة جدًا في مصر القديمة. وكان الفراعنة روادًا سبقوا شعوب العالم في الاهتمام بالرياضة وممارسة العديد من أنواعها والتي تشبه مثيلاتها في الوقت الحاضر. وتعد المناظر المرسومة على العديد من الآثار المصرية أكبر دليل على ذلك. ومارس قدماء المصريين رياضيات عديدة مثل المصارعة، ورفع الأثقال، والسباحة، وصيد الأسماك، والتجديف، وألعاب القوى، والرماية، والملاكمة، والوثب العالي، ومختلف الألعاب والأنشطة الرياضية. وكثير من القوانين التي نستخدمها اليوم في الأنشطة الرياضية مبنية بشكل أساسي على القوانين التي مارسها المصريون القدماء.
وكان اللعب بالكرة معروفًا في مصر القديمة. وكان المصريون القدماء أصحاب اختراع كرة اليد ومارسوا لعبة كرة اليد. ولأول مرة في تاريخ البشرية، كان يُسمح للفتيات بممارسة الرياضة حيث ظهرت المناظر العديدة لتلك اللعبة على جدران مقابر بني حسن بالمنيا، فتظهر فتاة تعتلي ظهر زميلتها، ثم تتقاذفن بثلاث كرات صغيرة في حركات سريعة متلاحقة. وتوجد رسومات لهذه اللعبة في مقابر سقارة منذ خمسة آلاف سنة. وكانت الكرة مصنوعة من الجلد الذي يتم حشوه بألياف النباتات والقش أو كانت من نبات البردي حتى تكون أخف وقابلة أكثر للتحمل. وتوضح هذه الصورة أربع فتيات يمارسون كرة اليد. وتثبت هذه الصورة أن المرأة في المجتمع المصري القديم كانت تمارس الرياضة مثل الرجل تمامًا.
ولعبة الهوكي لعبة مصرية خالصة مارسها قدماء المصريين منذ آلاف السنين. وهي مصورة في النقوش والرسوم بمقابر بني حسن بالمنيا، حيث يظهر لاعبان ممسكين بالعصا المعكوفة في انحناءة رياضية. وتوضح تلك النقوش لاعبين يحملان مضربًا مصنوعًا من فروع النخيل له نهاية ملتوية تشبه مضرب الهوكي. وكانت الكرة التي يستخدمونها مصنوعة من خيوط البردي المغطاة بقطعتين من الجلد على شكل نصف دائرة وكان يتم تلوين هذه الكرة بلونين أو أكثر.
وكانت رياضة العدو معروفة في مصر منذ العصر الفرعوني. وكانوا يتبارون في سرعة الجري. لقد كانت سباقات الجري من أهم السباقات لدي قدماء المصريين، خاصة أثناء الاحتفالات الخاصة بتولي الملك حكم مصر حيث كانت إحدى طقوس هذه الاحتفالات إقامة سباق للملك يقوم فيه بالجري ليظهر قوته البدنية وقدرته على الحكم مستخدمًا قدراته البدنية والعقلية معًا. وبذلك وصلت رياضة العدو إلى درجة كبيرة من الأهمية؛ إذ كان هذا شرطًا أساسيًا لتولي الحكم أو التجديد للفرعون أن يقطع مسافة محددة عدوًا منفردًا كي يثبت أنه بصحة جيدة تؤهله إلى حكم البلاد، ضمن طقوس عيد سد أو العيد الثلاثيني للجلوس على عرش مصر. ومن تلك الأمثلة التي توضح ممارسة العدو مناظر في مقبرة بتاح حتب بسقارة من الأسرة الخامسة. ومصور على المقصورة الحمراء الملكة حتشبسوت بالكرنك وهي تعدو.
لقد عرف المصريون القدماء رياضة الملاكمة قبل الإغريق بقرون طويلة وكانوا أول من مارسها لإعداد الشباب للدفاع عن الوطن. ويظهر على مقبرة خرو إف بالأقصر منظر يمثل رياضة الملاكمة، ومنظر آخر يمثل أزواجًا من الملاكمين يمارسون هذه الرياضة. وتوجد مناظر خاصة بلعبة الملاكمة في مقبرة «مري رع» في المنيا، وفي مقبرة «بتاح حتب» في سقارة. وهذه الصورة توضح لاعب في وضعية الاستعداد لتوجيه ضرباته بقبضة اليد نحو اللاعب الآخر والذي بدوره يحاول صد هذه الضربات.
المصارعة
وكانت رياضة المصارعة أحد الأنشطة المنتشرة لدى قدماء المصريين. وظهرت مناظر تصور هذه الرياضة بين الصبيان على مقبرة بتاح حتب بسقارة. وهذه أقدم صورة لرياضة المصارعة من الأسرة الخامسة. كما صورت مناظر أخرى تمثل رياضة المصارعة بين الرجال المحترفين في وضعيات متعددة على جدران مقبرة الأمير باقت ببني حسن بالمنيا.
تعتبر مصر القديمة هي التي وضعت الأصول الأولى لألعاب الجمباز فقد وضحت المناظر العديد من الأوضاع الدقيقة، ومنها منظر لأربعة شباب يقف أحدهم باسطًا ذراعيه بشدة إلى الجانبين في مستوى كتفه، ويبسط آخر ذراعيه بشدة أمامه في مستوي كتفه في حين يعتمد على ساق واحدة دافعًا الأخرى إلى الأمام في وضع، ويتخذ الآخران أوضاعًا مماثلة في مقبرة باقت ببني حسن بالمنيا. وكانت المرأة المصرية أولى نساء البشرية ممارسة للجمباز. وهذا واضح في منظر يمثل ممارسة المرأة المصرية القديمة لألعاب الجمباز بمصاحبة الموسيقى. وكان لاعبو الجمباز من القدماء المصريين يقومون بأداء الوثبة المتتالية بدون لمس الأرض برؤوسهم كما كانوا يقومون بأداء أكثر من لفة كاملة في الهواء. وفي نهاية التدريب كان يقف اللاعبون بشكل مستقيم. وكان اللعب في الجمباز يقوم على انحناء الجسم للخلف حتى تقوم اليد بملامسة الأرض مما يوضح مدي المرونة التي كان يتمتع جسم المصري القديم. واحتفظت المتناظر بمجموعة من مناظر التعليم الجماعي في الرقص الإيقاعي حيث تظهر عدة فتيات يؤدين رقصات إيقاعية في أوضاع منتظمة من مقبرة خرو إف بالأقصر.
ولعبة المبارزة بالسيف (الشيش حاليًا) لعبة مصرية خالصة. وتوصل المصريون القدماء إلى ممارستها وأعدوا لها أدواتها والأقنعة التي اُستخدمت لحماية الوجه. وقد ظهرت أول مباراة للمبارزة عند قدماء المصريين في نقوش معبد بمدينة هابو بالأقصر من عهد الملك رمسيس الثالث، حيث ظهرت فيها المبارزان ممسكين بأسلحة مغطاة عند طرفها ومرتديين اقنعة لحماية الوجه تشبه إلى حد كبير الأقنعة الحديثة.
التكملة في العدد القادم