بقلم: علي عبيد الهاملي
كاتب وإعلامي إماراتي
من جديدٍ أعاد حفل الدورة الرابعة من مبادرة «صُنّاع الأمل» إلى الأذهان أوبريت «الحلم العربي» بعد ما يقرب من ثلاثة عقودٍ على ظهوره، وهو الأوبريت الذي تم إنتاجه في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، في ظل ظروفٍ طغت عليها حالة من التشرذم العربي، بفعل أحداثٍ وسياساتٍ أدت حينها إلى انقسام الوطن العربي إلى معسكرين متباعدين، وهي ظروفٌ لا فائدة من استعراضها الآن، لأن عجلة الزمن لا تعود إلى الوراء، ولأن العودة إليها لن تؤدي إلا إلى مزيدٍ من نزف الجروح التي لم تندمل بعد، رغم مرور كل هذه السنوات عليها.
في تلك الظروف وُلِدت فكرة أوبريت «الحلم العربي» حاملةً معها مشعل أملٍ في غدٍ أفضل، يبدد ظلمة الحاضر، محاولاً أن يزرع بذرة تفاؤلٍ بمستقبلٍ أفضل للأمة العربية. وقد كنت شاهداً عليها من خلال علاقتي بصاحب فكرة الأوبريت الصديق المنتج أحمد العريان، الذي كان يقيم في دولة الإمارات وقتها، والذي قدّم النسخة التلفزيونية من الأوبريت بكلمةٍ ختمها قائلاً:
«ومهما تعالت صور المعاناة العربية في هذا الأوبريت، فلا يزال هناك الأمل… ولا يزال الحلم مستمراً».
كان عدد الذين شاركوا في أداء النسخة الأولى من الأوبريت 23 فناناً، في حين كتب كلماته الشاعر مدحت العدل، ولحنه الموسيقار الراحل حلمي بكر والموسيقار صلاح الشرنوبي، وقام بتوزيع موسيقاه حميد الشاعري، وأخرجه طارق العريان، ونفذه خمسةٌ وتسعون عاشقا للحلم.
في النسخة الجديدة من أوبريت «الحلم العربي» التي تم تقديمها في حفل «صُنّاع الأمل» الأخير في دبي، شارك 12 فناناً، نصفهم من الذين اشتركوا في أداء النسخة الأولى من الأوبريت، وقد ظهرت لهم على الشاشة في مسرح الحفل لقطاتٌ من مشاركتهم الأولى، تم مزجها مع لقطاتٍ من مشاركتهم الجديدة، فظهرت الآثار التي تركها الزمن على وجوه الفنانين، الذين كان أغلبهم في العقد الثالث من عمره تقريباً عندما شارك في النسخة الأولى من الأوبريت، بعد ما يقرب من ثلاثة عقودٍ على المشاركة الأولى، والعقودُ الثلاثةُ زمنٌ ليس قصيراً في أعمار البشر، فما أدراك بما تفعله ثلاثةُ عقودٍ من الزمن بشكل الإنسان الخارجي، وما أدراك بما تغيّره داخل الإنسان؟
كان الحلم جنيناً في رحم الكلمات التي تغنت به وعبّرت عن توق أبناء الأمة العربية إلى مستقبلٍ يرقى إلى طموحاتهم التي ما فتئت تتحطم طموحاً في أثر طموحٍ على صخرة الواقع التي تأبى إلا أن تقف في وجه ما يصبون إليه من وحدةٍ كبرى، تغنى بها في بداية ستينيات القرن الماضي زملاء لهم، جسّدوا حلمهم بها في نشيدٍ أطلقوه في مصر يومها، وهتفت له حناجرهم مرددةً: «وطني حبيبي.. الوطن الأكبر».
شاب الحالمون الذين شاركوا في النسخة الأولى من أوبريت «الحلم العربي» قبل ما يقرب من ثلاثة عقودٍ من الزمن، فهل شاب الحلم الذي تطلعوا لتحقيقه بعد كل هذه السنوات، وأين صار هذا الحلم اليوم؟
إذا كان التاريخ لا يعيد نفسه، كما يقول العارفون، فلا أقل من أن نستعيد الأحلام القديمة ونحن نحتفل بصنّاع الأمل، في حضرة صانع الأمل الأول؛ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي قال في حفل النسخة الأخيرة من مبادرة «صُنّاع الأمل»:
(صناعة الأمل هي صناعة للحياة في منطقتنا، ولا يمكن مواجهة التحديات بدون تكاتف جميع الجهود. الشعوب تحيا على التفاؤل والأمل بغدٍ أفضل، والأجيال الجديدة مسؤولةٌ عن صناعة واقعٍ أفضل في مجتمعاتهم). وأكّد أن (نشر اليأس أكبر تحدٍّ تواجهه شعوبنا العربية، ولا بدّ من الاستمرار في صناعة الأمل والتفاؤل والإيجابية في الأجيال الجديدة).
هذه الكلمات، التي تبعث الأمل وتجدد الحلم، تجعلنا نقول إن الحلم العربي لم يشب حتى لو شاب أولئك الذين أنشدوا له قبل ما يقرب من ثلاثة عقودٍ من الزمن، ربما تبدو في أعمار البشر كثيرةً، لكنها في أعمار الشعوب والأمم قليلةٌ، ما بقيت هذه الشعوب تؤمن بأن تحقيق الأحلام قد يتأخر، لكنه لا يموت.