بقلم: عادل عطية
ظلموا الضابط الفرنسي “دريفوس”. وجاء امیل زولا، وتبنى قضيته، فألغت المحكمة حكم الإدانة، وحكمت له الدنيا بالبراءة!
واستطاع “ولبرفورس”، من مقعده فى مجلس العموم البريطاني، أن يغيّر عقل انجلترا كلها، فحطم سلاسل الاستعباد، وأطلق ألوفاً من العبيد أحراراً، ليكونوا بشراً كسائر الناس!
وكثيراً ما كان المهاتما غاندي، يمتنع عن الطعام لمدة معينة، أو يعلن صيامه حتى الموت، ما لم يعد المتقاتلون من أبناء الهند إلى صوابهم، ويتوقفوا عن الاقتتال فيما بينهم!
إنها بعض من وجوه بشرية أصيلة لله، تنبعث من المآسى الإنسانية، وتتلاحم مع أوصاب الناس، متألقة دون عائق في دیاجى الأزمات المظلمة، تُعلمهم: ما هو الحق، وما هو الخير، وما هو السلام!
ولادة الحياة، هى الدافع الرئيسى، والغاية المطلقة لوجودهم؛ لذلك أحبوا كل شئ، وكل حي، وكل موجود بشرى، حباً خلاقاً إبداعياً، يسمو فوق حدود ذلك الحب الأجوف، الذي يقف على عتبة: الجنس، أو الشهوة، أو الغريزة، أو حتى على بوابة الأفكار النظرية المجردة!
إن إيمانهم بمبادئ الحياة: من حب، وخير، وعدالة، صار أثمن من الحياة ذاتها، فانسحبوا من شرنقة حياتهم الخاصة، طموحاً منهم إلى الاتصال المباشر بالحقيقة القصوى في معايشة وجودية، ووجدانية، وصاروا شموعاً مشتعلة في مجتمعهم، لا يعطون أقل من راحتهم، بل ونفوسهم!
كل حواسهم أصبحت تحدق في الإنسان بما هو إنسان. تستعيد البسمة إلى الشفاه التي جففها العلقم، والضمة إلى الحلوق التي شققها الذل. يتغلبون بالحب على الألم، كأنما يحاولون أن يعيدوا خلق العالم، وأن يروا صباحه الأول، فهذه فلسفتهم: أن يجعلوا العالم مكاناً أفضل؛ لأنهم يعيشون فيه!
إن مثل هؤلاء يحملون روحاً سماوية متحررة من قيود المادة والأباطيل، ومحلقة في أسنى أجواء الحب والجمال، فى عاطفة أخوية صادقة: تتألم، وتجاهد، وتضحي لأجل الآخرين!
وإذ نقف في انشداه أمام هذه الشموع الإنسانية، النادرة الوجود، وجذورها التي تغيب في متاهات الأساطير، حائرين متعجبين على دموعهم وآلامهم ودمائهم المبذولة بسخاء، وكيف حملوا أحمال المخلوقات، وتحملوا كل شئ، ولم يديروا ظهورهم، ولم يخافوا، ولم يملأهم اليأس، علينا أن نحرص على أعمالهم الفذة المجيدة، كمن وجد كنزاً ثميناً، وتراثاً غالياً للأجيال الصاعدة، ونحيي ذكراهم كشئ متأبد، يستعصى على الموت أو الفناء، وتلتحق نفوسنا وراءهم، ولا يبرح اسمهم من فمنا!…