بقلم: المطران ميلاد الجاويش
مطران كندا للروم الملكيّين الكاثوليك
إذا قرأتَ القدّيس بولس فعليك أن تهيّئ نفسَك لكلامٍ أقلّ ما يُقال فيه إنّه يهزّ كيانك. وقف ذات مرّة واعترف أمام أهل غلاطية قائلًا: «صُلبتُ مع المسيح». عبارةٌ من كلمات ثلاث، لكنّها تلخّص عمرًا مفعمًا بالنضال والوجع. كتبها بولس إلى أهل غلاطية الذين أحبّهم وأحبّوه، الذين في مكانٍ ما خذلوه وأوجعوه، فكتبَ لهم رسالةً فيها الكثير من الغضب والحسرة. باعترافه أمامهم أنّه «صُلبَ مع المسيح»، يؤكّد لهم أنّ الحياة لا يحياها لاهثًا وراء سلطةٍ أو مصلحة، لا ليرضي أحدًا أو ليسعى وراء بحبوحة أو راحة… الحياة، مُذ آمن، لا يراها إلّا من منظار صليب يسوع، من منظار الإيمان بالربّ يسوع: «وما أحياه الآن في الجسد أحياه في الإيمان بابن الله الذي أحبّني وبذل نفسه من أجلي» (غل 2: 21).
لم يخطر ببال بولس أن يربط إيمانه بخيرٍ يمكن أن يُصيبه أو ببحبوبة يمكن أن يحصل عليها. الإيمان عنده ليس ضمانة لصحّة أوفر، وسعادة أوسع، ووقاية أكثر، وتَرقٍّ أكبر. لم يحاجج الربّ عندما اضطُهد، ولم يكفر بالكنيسة عندما عاكسه الإخوة الأقربون. أقصى ما قاله مرّةً إنّ الشدّة ثقلت عليه وجاوزت طاقته حتّى يئس من الحياة (2 كور 1: 8). بولس آمن ولم يمنّن نفسه بالطيّبات. فرحَ عندما ضحكت له الدنيا، وصبر عندما اضطرّ أن يشارك المسيح صليبه. علمَ جيّدًا أنّ مصيره لن يكون أفضل من حال مريم التي، مع كونها أمّ الربّ، «سيجوز السيف في نفسها» (لو 2: 35). ولن يكون أفضل من حال التلميذ الذي «ما إن يُقبل إلى خدمة الربّ يجب أن يُعدّ نفسه للمحنة» (سيراخ 2: 1).
«صُلبت مع المسيح» هو إعلانُ إيمان. نُقرّ به، نحن أيضًا، كلَّ مرّةٍ نجابه في مجتمعنا منطقًا لا يَقبلُه الإنجيل. إذا اعترضك أمرٌ يخالف إيمانك، إذا صمدتَ ولم تنجرف مع التيّار، فقِف عندها وافتح ملء ذراعيك وقُلْ عاليًا مع بولس العظيم: وأنا أيضًا أُصلب مع المسيح، ولأجل المسيح! ما أحياهُ الآن في الجسد فإنّما أحياه بالإيمان بابن الله الذي أحبّني وبذل نفسه من أجلي.