بقلم: د. خالد التوزاني
بمناسبة اليوم العالمي للشعر، شهدت مدينة فاس؛ العاصمة العلمية للمملكة المغربية، يوم السبت 11 مارس 2023، حفلا بهيجاً لتكريم رمز من رموز هذه المدينة العريقة، ويتعلق الأمر بالشاعر والإعلامي المغربي عبد الكريم الوزاني، حيث نظّم هذا الحفل التكريمي، المركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية والشرق أوسطية والخليجية/ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية /ظهر المهراز /بفاس، بتعاون مع معهد صروح للثقافة والابداع بفاس، وذلك برحاب القاعة الكبرى بدار الثقافة لافياط، حيث حضرت الحفل شخصيات علمية وثقافية وازنة من جيل الأستاذ المُكرّم ومحبيه وعائلته وأصدقائه.
وقد عبر الحضور في هذا الحفل البهيج عن تقديرهم البالغ لشخص المُكرّم الشاعر والأديب والإعلامي والرحالة عبد الكريم الوزاني، وقدموا كلمات بالمناسبة تفيضُ حُبّاً واعتزازاً بوجوده وتقديراً لجهوده ووفاءً للقيم التي زرعها في نفوس الكثير من المحيطين به، وفي نفوس أجيال من الباحثين والمثقفين عبر ربوع المغرب وخارجه.
يمثل عبد الكريم الوزاني نموذجاً للمثقف العربي، هذا العَلَم الماجد والجبل الشامخ وأمثاله من أسود المغرب، ورموزه، وإن تكريمه بمدينته الأثيرة إلى قلبه، ليس من باب التكفير عن التقصير في حقه، بقدر ما هو تعبير عن التحدي، أو كما قال الدكتور عبد المالك الشامي: شعريةُ التحدي. وهو العنوان الذي تم اختياره لهذا الحفل، وتم توثيقه في كتاب جماعي يضم شهادات وكلمات وأشعار ثم دراسات في المنجز الشعري والفكري والإعلامي للمحتفى به الأستاذ عبد الكريم الوزاني.
لقد ضمّ كتاب التكريم، جوانب من العطاء الفكري والشعري والإعلامي للأستاذ مولاي عبد الكريم الوزاني:
افتُتح الكتاب بتقديم بديع حمل عنوان: عبد الكريم الوزاني.. أيقونة المجالس الأدبية. كتبه الدكتور عبد الله بنصر العلوي، الرئيس المؤسّس للمركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية والشرق أوسطية والخليجية – فاس.
ثم معالم من سيرة عبد الكريم الوزاني الإبراهيمي. وهي سيرة حافلة بالمنجزات والمفاخر، تلتها لوحاتُ أغلفة بعض كتاباته.
وقد جاء هذا الكتاب في قسمين، الأول ضمّ عبد الكريم الوزاني في آثار الدارسين، ثم شهادات، وأشعار، والقسم الثاني دراسات أكاديمية في المنجز الشعري والفكري والإعلامي لعبد الكريم الوزاني.
شارك في القسم الأول نخبة من رواد الفكر والأدب ببلادنا والعالم العربي، ومنهم عميد الشعر المغربي الدكتور محمد السرغيني، كتب مقالاً بعنوان: الأذواق لا تتناقش. أما العميد المفكر الدكتور عبد الرحمان طنكول فقد نصّاً أنيقاً بعنوان: من أفق الآتي. وتحت عنوان “من الزاوية إلى العالم الجديد” كتب الأستاذ الدكتور رشيد بناني نصّاً تتبع فيه حضور عبد الكريم الوزاني شاعراً يرحل عبر الفضاءات المختلفة.
وبخصوص الشهادات: كتب أ.د. محمد العلمي شهادة بعنوان: “الشعر موزونا مقفى في القرن الحادي والعشرين” وأ.د. إبراهيم أقديم: “رمزية الاعتراف والتقدير”، وأ.د. رشيد بناني: “سطور محبة في وصف صديق”، أما رئيسة معهد صروح الشاعرة والأديبة نبيلة حماني، فقد عنونة شهادتها بـ “المحبة الدافقة”، وكذلك الأستاذة أمال برادة، اختارت لشهادتها عنوان: “محبة الحكمة والبلاغة”، وكذلك الدكتورة سَمر سعد (من سوريا) وسمت شهادتها بـ “المحبة الصوفية العروبية”، واختُتِمَت هذه الشهادات بنص يحمل عنوان: أبي.. إننا نفتخر بك. كتبته ابنتُ الشاعر عبد الكريم الوزاني الأستاذة وهيبة الوزاني، ونحنُ جميعاً نفخرُ به ونراها أباً روحياً نعتزّ به.
أما الأشعار التي أهداها نخبة من الشعراء إلى الأستاذ المُكرّم عبد الكريم الوزاني: فمنها قصيدة بعنوان النبع الكريم، أبدعها الشاعر والناقد المصري الدكتور جمال مرسي، وقصيدة الدر المكنون للشاعرة والأديبة نبيلة حماني، ثم قصيدة إيقاعات عربية للشاعر عبد اللطيف الراس، وقصيدة: وَأَشْطُرُهَا مَوَاكِبُ مِنْ مَعَانٍ، للشاعر الأستاذ مَحمد طابخ، وقصيدة غيث فضلك عبير للشاعرة الأستاذة حكيمة حضري، وأخيراً قصيدة: حضورك بهجة، للشاعرة الدكتورة سناء عبد الرحيم.
وإذا كانت هذه الكلمات نابعةٌ من قلوب المحبّين، حيث عينُ الرضا ومشاعر الحنين ومعاني الوفاء والامتنان، فإن القسم الثاني من كتاب التكريم، يُمثّل حصاد النقد العلمي والدراسة الأكاديمية في مُنجز الكاتب والشاعر والإعلامي عبد الكريم الوزاني.
ويضمن ثلاثة جوانبَ من عطاء هذا الرجل المِعطاء، وهي الشعر والرحلة والإعلام..
أولا: الشعر:
دراسة بعنوان: عبد الكريم الوزاني الإبراهيمي أو شعرية التحدي، للأستاذ الدكتور عبد المالك الشامي، ثم دراسةٌ موسومةٌ بـ جمالية التشكلات الإيقاعية في شعر عبد الكريم الوزاني أنجزها الأستاذ محمد السعيدي، ثم دراسة بعنوان: عبد الكريم الوزاني في عالمه الشعري؛ الإنسان والمكان: الحضور والتداعي، أعدّها الأستاذ الدكتور عبد الباسط اجليلي، ودراسة أخرى بعنوان: بيتُ القصيد الحِـكْـمِـيّ في شعر عبد الكريم الوزاني أنجزها الأستاذ الناقد الدكتور عبد الكريم الرحيوي، ثم قراءة في ديوان عبد الكريم الوزاني “حرائر الكلمات” أعدها الأستاذ الدكتور عبد الإله البريكي، ودراسة نقدية بعنوان: تجربة الميتاشعر قراءة في شعر عبد الكريم الوزاني الإبراهيمي من خلال “حرائر الكلمات”، للناقد الدكتور محمد الدخيسي (وجدة)، أما الدكتور عبد العزيز فيلالي فقد ركّز على المدحة النبوية من خلال شعر عبد الكريم الوزاني، وكتبَ الأستاذ محمد بلخيري عن شعر الإخوانيات في ديوان حرائر الكلمات، وعنون الأستاذ أمجد مجدوب رشيد دراسته ب فاس في شعرية الشاعر عبد الكريم الوزاني، ثم دراسة موسومة بـ خواطر وخوالـج حول الكتاب التكريمي “حرائر الكلمات -قصائد من زمن الشعر” للأستاذ مَحمد طابخ، أما الدكتور عبد العزيز العلوي الإسماعيلي فقد كتب دراسة بعنوان: التداخل النصي والتماسك الشعري قراءة في شعر عبد الكريم الوزاني، في حين ركّز الدكتور عمر مراني علوي على شعرية المكان وتوهج الذات المبدعة في ديوان حرائر الكلمات،
ثانيا: الرحلة
وفيها دراسة قراءة في كتاب عبد الكريم الوزاني الموسوم بـ “من ذاكرة الرحلة” أنجزنها الدكتورة فاطمة بنحامي، وثم دراسة بعنوان: بداعة السرد والتناص الحكي المستظرف والوصف المستطرف في كتاب “من ذاكرة الرحلة”، أعدها الناقد الدكتور عبد الكريم الفرحي.
ثالثا: الإعلام
ولأن مواهب عبد الكريم الوزاني كثيرة ومتشعبة، فقد ركّزت دراسة مطوّلة على حضوره الإعلامي والفكري من خلال تحليل الافتتاحيات وتتبع المقالات التي كان يكتبها عبد الكريم الوزاني في مجلة الجواهر، وهي الدراسة التي تشرّفتُ بإعدادها.
ولا يسعني في الأخير، إلا أن أجدد عبارات التهنئة والتقدير والشكر الجزيل لأستاذنا مولاي عبد الكريم الوزاني على قبوله جُهدَ المُقل تواضعاً منه، فهو الذي عُرف عنه التواضع والرحمة، لا يترفّع عن أحد وهو قريبٌ من الجميع، يسأل عن أحوالهم ويسعى لمساعدتهم ولا يرد طارقاً ولا سائلا في حاجة إن سأل عنها.
كان رجلا صاحب رأي ونُصحٍ بإخلاصٍ ودون مجاملة بصدق ودون مراوغة، يسعى إليه الكثير ممن يطلبُ المشورة والرأي الحكيم، عُرِف عنه الانضباط في العمل والدقة في الأداء والثقافة الواسعة والمعرفة الشاملة، كأنه موسوعة متحركة.
لقد كان بحقٍّ أحدَ الرواد البارزين في مسيرة المغرب الثقافي يحمل السمات الأصيلة للإنسان المغربي التي يتمتع بها المثقف المغربي من رحمة وتقدير وإنسانية، نسأل الله تعالى أن يحفظه ويطيل عمره ويبارك في أعماله.
إن لحظة تكريم عبد الكريم الوزاني اليوم ستبقى راسخة في الذاكرة الثقافية لهذه المدينة العريقة التي لا تنسى أبطالها وصُنّاع حضارتها، وختاماً نرجو من العلي القدير أن يديم على أستاذنا عبد الكريم الوزاني سوابغ نعمه ومنن كرمه، وأن يحفظه وأهله وعائلته في عافية تامة، وصحة كاملة وسعادة شاملة، آمين آمين أعيدها مرات، وجدير بالذكر أن مهندس هذا التكريم ومنسقه هو العلامة الدكتور عبد الله بنصر العلوي، الذي دأب على سنة حميدة تتمثل في تكريم رموز الثقافة في المغرب والعالم العربي.