بقلم: نعمة الله رياض
أسكن في شقة بالدور الثالث في عمارة سكنية تقع في حي راقي بالقاهرة ، وتطل حجرة نومي علي الفيللا المجاورة للعمارة ويقيم فيها رجل عجوز بمفرده ، ويسود الهدوء الفيللا طيلة أيام الأسبوع عدا يوم العطلة الأسبوعية ، فيه يجتمع ابناء الرجل العجوز وأحفاده ، يمزقون هدوء حديقة الفيللا بالجري والصياح والمرح ، يشاركهم في اللعب كلب من نوع الجيرمن شيبرد ، كانوا ينادونه فوكس .. كان فوكس عجوزاً أيضاً مثل صاحبه ، ولكن كانت تدب فيه الحيوية والنشاط عندما يلعب مع الأطفال ويتقافز معهم ويلتقط الكرة بفمه ببراعة .. لفت نظري هذا الكائن الأليف ، وكنت اسرع عند عودتي من الخارج بفتح النافذة لأراه نائماً علي أرض الحديقة بجوار صاحبه والذي كان معظم الوقت نائماً هو ايضاً علي كرسيه .. ذات يوم قررت أن أستجمع شجاعتي واذهب الي سكن جاري العجوز للتعرف عليه وخاصة علي كلبه الأليف ، ضغطت علي جرس الباب وانتظرت قليلا حتي فتح لي العجوز الباب، بعد أن أسكت الكلب عن النباح المتواصل في مواجهتي .. عرفته بنفسي وباني جاره في العماره المجاوره ، رحب الرجل بي ، علي خلاف فوكس الذي لم يكف عن النباح حتي زجره صاحبه فسكن إلي حين.. أحضرت مقعداً وجلست بجانب الرجل الذي سألني عن عملي وهل انا متزوج ؟..أخبرته باني متزوج حديثاً من إبنة عمي التي تعمل في احدي الشركات الإستثمارية ، وأسكن في الشقة التي يملكها عمي .. أما انا فأعمل مهندساً في هيئة السكك الحديدية .. فعرض الرجل علي ان ازوره من وقت لآخر لنتسامر ولتمضية الوقت وايضاً وعلي الأخص ، للعناية بفوكس الذي لاحظ اني أهتم به كثيراً ، ونصحني بتقديم الطعام له بيدي لإنه سريعاً ما يحبني ويطمئن الي ، قلت للرجل لقد أحضرت معي قالب من الشيكولاته الداكنه هدية للكلبه فوكس ، فصاح الرجل معترضاً بأن هذه من الأطعمة الضارة للكلاب مثل الثوم والبصل والعنب والزبيب والافوكادو ومن الأفضل إطعامه غذائه المجفف .. وهكذا تعودت عندما أعود من الخارج أن أفتح باب الحديقة وادلف فيها وفي أعقابي يسير فوكس وهو يمرجح ذيله يميناً ويساراً ونحن نتوجه لغرفة الطعام الصغيرة المغلقة حيث يوجد طعام الكلاب الجاف ، ووعاء الماء موضوع خارجها.. إستمرت زياراتي للفيلا أسابيع كثيرة تعرفت فيها علي ابناء الرجل واحفاده واستراحوا لشخصي واشركوني في اللعب معهم ، كنت أواظب في الأيام الأخري التالية ليوم العطلة علي الجلوس مع الرجل والتحدث في كافة الموضوعات وعلي رأسها بالتأكيد اخبار فوكس .. سألت الرجل :- أري انك خبير في احوال الكلاب وانواعها اليس كذلك؟ رد العجوز :- نعم هذا صحيح ، لقد تخرجت من كلية الطب البيطري وتعاملت مع الحيوانات معظم سنوات حياتي ، ولم اكتفي بمعلومات الكلية عنهم ، واهتممت خاصة بالكلاب لصدق مشاعرها نحو البشر واخلاصها لمالكيها ..إليك هذه المعلومة ، هل تعلم ان الكلاب تطورت من الذئاب الرمادية في سلم التطور وإنها أول نوع مستأنس بواسطة الصيادين منذ ما يقرب من 15000عام وإن كل انواع الكلاب التي تعيش الآن وتبلغ حوالي 450 نوع ، هي مهجنة بواسطة الإنسان .. والكلاب مثل اسلافها الذئاب تعتمد في عيشها علي نمط القطيع ، لذلك فبالنسبة للكلاب المدجنة ، القطيع يعوض بملاكها ومحيطها الذي تعيش فيه .. سألته أيضاً :- وما هي الخصائص الأخري للكلاب ؟ رد العجوز :- تتمتع الكلاب بجميع انواعها بحواس قويه في الرؤيه والسمع والتذوق واللمس وايضاً الإحساس بمغناطسية الأرض !! فهي تفضل التبرز وعمودها الفقري موازي للخط الواصل من شمال لجنوب الكرة الأرضية !! قلت للعجوز:- هذا غريب حقاً ، ولكن هل يري بعينية ا حوله بالألوان الطبيعية مثلنا؟ قال العجوز :- يستطيع الكلب ان يميز اللون الأصفر والأزرق والرمادي ، ولكن يصعب عليه التفرقة بين اللون الأخضر والأحمر..- وما فائدة الذيل للكلب؟ – هز الكلب لذيله هو تعبير عن سعادته لرؤية صاحبه أو لتقديم الطعام له ، ويستخدمه في ارتكاز الكلب علي الأرض ، سألت العجوز:- وكم سنة يعيشها الكلب ؟ – متوسط عمر الكلب 7، 12عاماً، والسمنة يمكن ان تقلل عمر الكلب عاماً أو عاماً ونصف – وما هي الخدمات التي يقدمها الكلب للبشر ؟ رد العجوز :- يجيد الكلب مرافقة الصيادين في رحلات الصيد وحراسة الماشية في رحلات الرعي واللعب مع الأطفال والسباحه معهم ومساعدة رجال الشرطة والجيش ومساعدة المعاقين وفاقدي البصر والغريب أن البشر في بعض الدول الأسيوية يستفيدون من الكلاب بأكل لحمها!!– هل هذا معقول ؟ – نعم يأكل المواطنون في الصين وفيتنام وكوريا 30 مليون كلب في السنة!! وهكذا فالكلاب تقدم كثيرا من الخدمات حتي بدنها ، والتي تؤكد أن الكلب هو الصديق الأمثل للإنسان ، وهناك قصص لا تحصي عن إخلاص الكلاب لمالكيها والتفاني في خدمتهم وتمسكها بصداقتهم..ويعيش الآن في الولايات المتحدة وحدها أكثر من 77 مليون شخص يملكون كلباً أو أكثر ..
في يوم من ايام العطلة الأسبوعية ، جاء أولاد الرجل العجوز وأحفاده ، كما تعودوا وقسموا أنفسهم إلي قسمين ، ثبتوا شبكة فى منتصف الحديقة وأخذ كل فرد مكانه وبدأ تقاذف الكرة بين الجانبين وتحسب نقطة للجانب المنافس إذا فشل الفريق الآخر في منع الكرة من السقوط علي الأرض ، وكان الكلب يطارد الكرة من هنا وهناك محاولاً إمساكها بفمه ، وعندما ينجح في التقاطها يأتي بها مسرعاً إلي لآعطيها للجانب الذي فاز بالنقطة .. وفجأه سقطت لاعبة علي الأرض مغشياً عليها ، فاسرع الجميع لنجدتها واسرعت انا أفرق الجمع لإعطاء اللاعبة حيزاً للتنفس وأخذت اصرخ فيهم وادفعهم بيدي ، فيبدو ان الكلب قد ظن اني اعتدي عليهم ، فعضني عضة صغيرة وهو ينبح بشدة ، لكنني شعرت بلعابه الداكن قد سري في جسدي ، لم أعطي لهذه العضة وزناً أو أهمية واكتفيت بتطهير الجرح الصغير الناتج .. في اليوم التالي جلست مع العجوز كما اعتدنا وسألته :- ما السر في الحب المتبادل بين الكلاب ومالكيها عندما يتواجدون في مكان واحد ؟ أجاب العجوز :- عندما تلتقي الأسرة والكلاب في مكان واحد ، يطلق البشر والكلاب هرمون الأكسيتوسين ، وهذا الهرمون مسئول عن الترابط الإجتماعي ويساهم في تعميق أواصر الحب بين أفراد الأسرة والكلاب ..
لكن ما حدث لي بعد تلك العضة ، كان غريباً ومن الصعب تصديقه ، فعندما نجتمع لتناول الطعام ، ادور حول المقاعد قبل ان اختار مقعداً لأجلس عليه ! ، كما أتشمم الاكل المقدم لي قبل تناوله ! ، والعق بلساني شفتاي العليا والسفلي بعد انتهاء الأكل !، والأخطر من ذلك ، عندما أتبول في المبولة في مقر عملي أو خارج المنزل ، أشعر برغبة جامحة في رفع إحدي ساقي في الهواء!! ، ودهشت زوجتي عندما عدت من الخارج ، وكانت واقفة في المطبخ فإحتضنتها من الخلف علي غير العادة ، وأخذت العق خديها بلساني !! وعندما كنت في النادي العب التنس، ارسل اللاعب الخصم الكرة بالمضرب وطارت بعيدة عني ، فقفزت في الهواء لألتقط الكرة في قفزة رائعة وتلقفتها بفمي !!