بقلم: إدوار ثابت
نحن في بحثنا هذا نتحرر من العصبية أو التحيز ، ولانفضل فئة عن فئة ، ولا نقدم لغة على لغة ، وإنما نسعى لمعرفة الحقيقة وعرضها ، وكشف الخداع والخطأ متحررين من هذا التحيز وتلك العصبية ، ويحكمنا فيها الدقة وعدم الخلط ، ويدفعنا إليها نقاء البحث ويقين الرؤية .
ويحق لنا في ذلك أن نبرز ، وحتى نزيد الدقة ، بعض الفقرات من كتاب فرنسي قديم ثم ما وضعته إحدى الموسوعات الفرنسية ثم في موقعين من مواقع المعرفة العربية والفرنسية حتى يكون الفصل في هذه المسألة واضحاً وباتاً ، ولنبدأ بأول هذه الأمور .
أما الكتاب القديم فهو كتاب « لافونتين – فابل –الطبقة الجديدة – للكاتب رينيه رادووان الأستاذ بليسيه هنري الرابع والمدرسة العامة العليا بفونتوناي أو روزيك والدكتور في الأدب الذي نشرته مكتبة هاشيت عام 1929»
«La fontaine – Fables – Nouvelle édition –par René Radouant – Professeur au Lycée – Henri I V et à l’école normale supérieure de Fontenay – aux-Rosc, Docteur ès lettres – librairie Hachette 1929»
يقول الكاتب في مقدمة الكتاب كرأي له : لافونتين نفسه يعتقد بلزوم ملاحظة أمتنانه للحكيم الهندي الذي يسمى ببلباي ، والذي نعرفه اليوم بيدباي للأقتباسات التي يدرجها في كتابه (كتاب العلوم أو سلوك الملوك) Lumières ou la conduite des Rois للحكيم بيلباي الذي ترجمه إلى الفرنسية دافيد ساهيب من أصفهان عاصمة الفرس القديمة ونشرته مكتبة سيميون بيحبه عام 1644 . وهذا المجلد كتب من قبل بالسنسكريتية (والسنسكريتية هي لغة هندية قديمة) ثم ترجمه من الفارسية الحديثة إلى الفرنسية المستشرق جولمان .» (صفحة 30 من مقدمة الكتاب التي وضع الكاتب أرقامها باللاتينيةXXX ) وها هو النص باللغة الفرنسية كما كتبه الكاتب :
«La Fontaine lui-même croit devoir marquer sa reconnaissance au « Sage indien » qu’il appelle Pilpay, que nous appelons aujourd’hui Bidpai pour les emprunts qu’il fait à son livre : Le livre des lumières ou la conduite des rois, composé par le sage Pilpay, indien, traduit en français par David Sahib d’Ispahan, vieille capitale de Perse, publié en 1644 par la librairie Simeon Puget. Ce recueil, écrit primitivement en sanscrit avait été finalement traduit du persan moderne en français par l’orientaliste Gaulmin. »
وعلى الرغم من أننا نضع هذه الفقرة لنؤكد بها رأينا في أطلاع لافونتين على الكتاب الهندي مترجماً ، منه إلى الفرنسية أو من ترجمته من الفارسية إلى الفرنسية فلنا في ذلك أمران ومعهما ما أقره لافونتين نفسه .
أما الأمر الأول فهو أستخدام الكاتب كلمة أقتباسات emprunts عندما يقول للأقتباسات من كتابه .. فهو لم يوضح مضمونها ، هل هي في الفكرة أو النص ، في الشكل أو المضمون ، ولم يذيّل ما يرمي إليه وخاصة أن هذه الكلمة تترجم إلى أكثر من لفظ فهي مع أقتباس ، قرض أو أستعارة أو تلق أو اتباع وذلك بأختلاف ما يرتبط بهذه الألفاظمن الموضوعات ، فإذا أرتبطت بعمل أدبي أو فني وهو ما يهمنا هنا فهي أقتباس فكرة كان تقول Emprunter une idée à un auteur أي أقتباس فكرة من مؤلف . ولو أن الكاتب يريد أن يقول أقتبس في الموضوع أو المضمون لاستخدم لفظاً يناسب ذلك وهو Adaptation أي النقل من عمل أدبي أو فني كالمسرح أو السينما كأن تقول Adapter une pièce de théatre أي اقتبس مسرحية ولكنه لم يكتب هذه الكلمة . ومن المؤكد أن الكاتب لا تغيب عنه هذه الكلمة لو رغب في أن يوضح الأقتباس في المضمون وهو الذي يتقن الفرنسية ، ولذا فهو يهدف إلى أقتباس الفكرة ، وبين الأثنين أختلاف .
أما الأمر الثاني ، فهو أن الكاتب لم يكتب في هذه الفقرة لزوم أمتنان لافونتين لكتاب كليلة ودمنة برغم ربطه بينهما وبين المنبع الأساسي الهندي – وكما قلنا هو الربط بين من أطلع وبين من ترجم – وهذا من اليقين لأن لافونتين لم يكن يتقن اللغة العربية من ناحية كما أن له المنبع الأساسي مترجماً إلى اللغة الفرنسية أو اللأتينية من ناحية ثانية . ثم أن هناك أختلافاً في الشكل، ولكنه ليس هيناً ، بين كتاب الحكيم الهندي وكتاب كليلة ودمنة معاً وبين حكايات لافونتين ، فالكتاب الهندي (بانشاتنتزا) وكتاب ابن المقفع هما بالنثر أما حكايات لافونتين فقد نظمها كلها ، وهي تزيد عن مائتي حكاية ،بالشعر الفرنسي ألتزم فيه قواعده وأسسه التي يعرفها من يتقنه ويعرفه ، وهذا بلا تقليل يبرز قدرته الأدبية واللغوية . وبعد ذلك فالكاتب لم ينسب لزوم أمتنان لافونتين عندما كتب ذلك لكاتبين بينهما وبين لافونتين علاقة قوية أدبية على الرغم من أنه أوضح هذه العلاقة وهما (إيسوب Esope) الإغريقي و(فيدر Phèdre ) اللاتيني ، وسنتحدث عنهما بعد قليل .
أما ما أقره لافونتين نفسه، وهو في مقدمة مجلده الثاني الذي يشمل الكتب أو الأجزاء(من السابع إلى الحادي عشر) تحت عنوان تنبيه أو أعلام Avertissement يقول « : هذا هو مجلد ثان من الحكايات أقدمه للجمهور ، وأرى بشأن كثرتها في الهيئة وفيما حوته أنها مختلفة قليلاً عما أنجزته في سابقاتها إلى درجة الأختلاف في الموضوعات التي أودعتها الكثير من الأنماط مؤلفي .»
«Voici un second recueil de fables que je présente au public. J’ai jugé à propos de donner à la plupart de celles-ci un air et un tour un peu différent de celui que j’ai donné aux premiers, tant à cause de la différence des sujets que pour remplir de plus de variété mon ouvrage »
ثم يقول ، « وكذلك فلست أهتم بما يجب على أن أبسطه هنا من مبررات ولا أن أقول من أين أغترفت هذه الموضوعات الأخيرة ، فقط سأقول بالعرفان أن علىّ الجزء الأكبر منها أيبلباي» ( أو أدين بالجزء الأكبر منها لبيلباي)
«Ainsi je ne tiens pas qu’il soit nécessaire d’en étaler ici les raisons, non plus que de dire où j’ai puisé ces derniers sujets. Seulement je dirai, par reconnaissance que j’en dois la plus grande partie à Pilpay. »
البقية في العدد القادم