بقلم: إدوار ثابت
ولنأت ثانية إلى لافونتين الذي تركناه رغبة مع شعره في أشعار فيكتور هيجو ولامارتين فنقول من الحق أنه أستوحى بعض حكاياته وليست كلها من أثنين من كتاب الحكايات وهما أيسوب الأغريقي وفيدر الروماني . أما أيسوبEsope وأسمه بالإغريقيةAisopos فقد كان عبداً ثم تحرر من عبوديته ، وكان يتعثر في حديثه ، ولكنه كما يبدو كان يمتلك قدراً وافراً من الذكاء والفطنة .
وكما قلنا من غير شك أنه الأصل في هذا النمط من الحكايات حتى ولو أختلفت أشكالها وما تتضمنه والذي نراه الأب لها كنمط أدبي و فني . وقد كتب أيسوب حكاياته في القرن السادس قبل الميلاد ، كتبها كقصص مختصرة وضعها نثراً ثم بدأت تعرف أبتداء من القرن الخامس قبل الميلاد ، وأخذت بعد ذلك عما أسند إليه منها الآداب الأوروبية والأدب العربي ، وأضحت نموذجا أحتزاه الكتاب الذين تلوه .
وقد كتب الراهب البيزانطي بلانيدPlanude عن حكايات أيسوب في القرن الرابع عشر في مؤلفه (حياة أيسوب) فأبرزها كقصص مختصرة كما هي دون بحث فني ، ولكنه يضمنها المغزى الذي تحتويه ووضع شخصياتها كما هي من الحيوانات التي ترمز للإنسان ، فعرفه لافونتين منه كما عرفه مما أطلع عليه فيما ترجم عنه وعما كتبه بالإغريقية واللاتينية فاستحدثت شهرته بهذه الحكايات التي ضمنها لافونتين مؤلفه Fables.
أما ما استوحاه لافونتين من أيسوب أو ما أخذه عنه فأكثره في مجلده الأول الذي يشمل الكتب من الأول إلى السادس ، ولهذا فقد تحدث عنه في أكثر من موضع في مؤلفه ، بل أنه أمتدحه وأثنى عليه وأعطاه حقه كمبدع لهذا النمط من الحكايات . ونحن من حقه علينا أن نعرض ما كتب لافونتين عنه في مؤلفه ونترجمه كما وضعه فهو يقول في مقدمة مؤلفه الذي أهداه إلى الدوفان (أبن الملك لويس الرابع عشر) وعنونها في تواضع 🙁 إلى سيدى الدوفانA Monseigneur Le Dauphin ) والتي كتبها نثراً هكذا .
« لو أن هناك شيئاً من البراعة في جمهورية الآداب نستطيع أن نقول أنها الطريقة التي روى بها أيسوب مغزاه الأخلاقي «
“S’il y a quelque chose d’ingénieux dans la république des lettres, on peut dire que c’est la manière dont Esope à débité sa morale “
وهو يلقي في هذه المقدمة قوله على الدوفان الذي كان صغيراً يقول له موضحاً ما بحكاياته التي يرويها : «هذا حديث يتوائم مع سنواتك الأولى، فأنت في سن يباح فيه اللهو والألعاب للأمراء ، ولكن في نفس الوقت بك الألتزام أن تعطي بعضاً من أدراكك لهذه الأنطباعات الرصينة . كل هذا يتلاقي مع الحكايات التي علينا لأيسوب – فما يبدو فيها هو صبيانياً ، وأنا أعترف بذلك ، ولكن هذه الصبيانية المغلفة بها حقائق مهمة « . وهذا نصها الفرنسي:
“C’est un entretien convenable à vos premières années. Vous êtes en un âge où l’amusement et les jeux sont permis aux princes, mais en même temps vous devez donner quelques-unes de vos pensées à des réflexions sérieuse tout cela se rencontre aux fables que nous devons à Esope. L’apparence en est puérile, je le confesse, mais ces puérilités servent d’enveloppe à des vérités importantes »
ثم يقول بعد ذلك في هذه المقدمة : « لقد وجد أيسوب فناً متفرداً في أن يربط الأثنين معاً (الفائدة والمتعة) ، فقراءة مؤلفه تنشر في النفس بذور الفضيلة بلا أدراك ، و تعلمها هو أن تعرفها دون أن تلحظها في هذه الدراسة .»
Esope a trouvé un art singulier de les joindre l’un avec l’autre (ce qui sont utiles et agréables): la lecture de son ouvrage répand insensiblement dans une âme les semences de la vertu et lui apprend à se connaitre sans qu’elle s’apperçoive de cette étude”.
وهو يقول في جزء من مقدمة مجلده الثاني وعنونها (تنبيه Avertisement)، يوضح فيها أنه ينأى في هذا المجلد عما أبتكره أيسوب . « أن الملامح المألوفة التي أشعتها بغزارة كافية في القسمين السابقين ( اللذين يتضمنان الستة كتب في مجلده الأول) والتي كانت تتوافق أكثر مع أبتكارات أيسوب بخلاف هذه الموضوعات التي أستخدمتها بقناعة أكثر حتى لا أقع في التكرار لأن هذه الملامح ليست لا نهائية .»
Les traits familiers que j’ai semés avec assez d’abondance dans les deux autres parties convenaient bien mieux aux inventions d’Esope qu’à ces dernières, où j’en use plus sobrement pour ne pas tomber en des répétitions, car le nombre de ces traits n’est pas infini.
ويقول في مقدمة مجلده الثالث التي أهداها إلى أبن الدوفان وحفيد الملك لويس الرابع عشر وعنونها في تواضع : (إلى سيدي الدوق دوبورجونيA Monseigneur Le Duc De Bourgogne ( «حكايات أيسوب هي مادة شاسعة لكل هذه المواهب (الموضوعات التي سبقته) ، فهي تمس شتى الأحداث والشخصيات ، فهذه الخرافات هي بجلاء نمط قصصي لاننافق به أحداً وهي ليست أشياء تقل أهمية عن هذه الموضوعات ، فالحيوانات هي التي تتعهد الإنسان في مؤلفي»
Les fables d’Esope sont une ample matière pour ces talents (les sujets qui le suit), elles embrassent toutes sortes d’événements et de caractères. Ces mensonges sont proprement une manière d’histoire où on ne flatte personne. Ce ne sont pas choses de peu d’importance que ces sujets : les animaux sont les précepteurs des hommes dans mon ouvrage. »
أما في المقدمة التي أصدر بها مؤلفه وعنونها (مقدمة من لافونتين Preface de Lafontaine فهو يوضح فيها أسلوب أيسوب ويقارن بينه وبين فيدر الروماني فيقول فيها : «من زمن أيسوب كانت الحكاية تحكى ببساطة مغزاها الأخلاقي منفصلاً ودائماً يتبعها . ثم جاء فيدر( سنتحدث عنه بعد أيسوب) الذي لم يخضع لهذا النظام ، فهو يجمَّل رواية القصة وأحياناً يحرك المغزى من النهاية إلى البداية « وهذا هو النص الفرنسي :
“Du temps d’Esope, la fable était contée simplement la moralité séparée et toujours ensuite. Phèdre est venu qui ne s’est pas assujetti à cet ordre il embellit la narration et transporte quelquefois la moralité de la fin au commencement. »
ثم يقول بعد ذلك عنه : « نحن نتخيل أن هذا الكاتب رغب في أن يعطي بطله شخصيته وينسب إليه مغامرات تعكسها حكاياته ، وقد بدا لي ذلك في البداية خادعاً ، ولكني وجدت في النهاية بعض اليقين في هذا الانتقاد».
البقية في العدد القادم