بقلم: المطران ميلاد الجاويش
طالما واجه الإنسانُ الزلازل، فكانت له الكوارث الطبيعيّة محنةً في الصميم.
المؤمن ليس له إلّا ربّه ليشتكي وإليه يلتجئ. والربّ يحنو عليه سامعًا، دامعًا لمَ لا؟
المصلّي يُقفل عليه الباب وفي الخفاء يبتهل: «زلزلتَ الأرضَ وصدَّعتَها، إنَّها مُتزعزِعَة، فَدَاوِ اللهمَّ صُدوعَها» (مز 60: 4). أمّا الملحد فيصمت وقد يخشع.
لا شيء يعلو فوق صوت الأرض. كلّنا نخضع لها إن كشّرت وجهها.
والإنسان، آخِ على الإنسان! ليتَه يتّعظ! البارحة كورونا أقعدته في البيت، واليوم زلزال مدمّر أراه كم صغيرٌ حجمُه.
أين المتعالون! أين عظماء الأرض! أين التائقون إلى الحروب! كلّهم هباء. كلّهم عند اجترام غضب الأرض يختبئون. كلّهم لا يساوون سوى حفنة من التراب مطمورة بالتراب!
الأرض تكلّمت، فلنصمت. «الأمرُ لي»، قالت كلمتَها. فطوبى لمن يسمع عِظتَها!
إخوتنا في تركيّا وسورية وفي كلّ البلدان التي أصابها الزلزال المدمّر الأخير يتألّمون ونحن نشاركهم الصلاة والتضرّع كي يخفّف الربّ عنهم المصاب والوجع. هم بعيدون عنّا بالمسافة، لكن ليس بالقلب. الألم لا جنسيّة له. الألم جنسيّته الوحيدة هي الإنسانيّة. ليست الساعة ساعة مناظرات لاهوتيّة وتحليلات دينيّة أو سياسيّة لا قيمة لها… الساعة هي «ساعة الإنسان» إلى أيّ وطن أو دين أو لون انتمى هذا الإنسان. ولأجل الإنسان نصلّي.
أقرأ جيّدًا ما في قلوب مؤمنيّ هذه الأيّام. أسمعها تقول: ألا تكفينا المصائب؟ ألا تكفينا الحرب؟ ألا يكفينا الحصار الاقتصاديّ حتّى يأتي الزلزال ويزيد الألم ألمًا والوجع وجعًا والحسرةَ حَسرةً والجرح نَكأً؟ إذا كانت الحرب من صنع الشرّ المرتَكَب تحت الشمس، وإذا كان الزلزال كارثة من صنع الطبيعة تنتج من غليان بطن الأرض، ففي الحالتين ليس لدينا إلّا الربّ الذي، برحمته ونعمته وعطفه ومحبّته للبشر، يعزّي القلوب ويخفّف الألم: «طوبى للحزانى فإنّهم يُعزَّون». قالها يسوع ولم يمزح: سيعزّي كلّ قلب حزين متألّم.
السبت الماضي كان سبت الأموات في كنيستنا. في صلاة الصباح، رفعنا ابتهالنا إلى الربّ قائلين: «أيّها الشارقُ من القبر كالشمس، أرِح المُختطَفين بغتةً، تحتَ حجارةٍ وحديدٍ وردم، والمائتينَ بالبرد والزلازل وسائرِ النّكبات والذينَ سقطت عليهم السقوفُ أو طمَرهم التراب، والذينَ عبروا بحرَ هذا العمرِ الدائمِ الاضطراب وساروا سيرةً مُستقيمة الرأي، أن يبلغوا إلى ميناء حياتكَ التي لا تفنى»!
لكلّ من فقد رجاءه وبيته، ها صوت يسوع يغلغل في القلوب: «لا تضطرب قلوبكم…في بيت أبي منازل كثيرة» (يو 14: 1-2).