بقلم: تيماء الجيوش
لا نغالي القول بأنه كان على المرأة والحركة النسوية و كل من يهتم بالكرامة الإنسانية أن يعملوا وبجهد و بما يقارب ثمانية عقود لإقناع المجتمع الدولي ان العنف ضد المرأة هو أولاً عنف قائم على النوع الاجتماعي أي لأنها إمرأة وثانياً أنه ليس شأناً أسرياً -خاصاً و ثالثاً أنه مسألة حقوق إنسان.
البداية الأممية كانت حين طالبت الأمم المتحدة مجموعة من الخبراء من بلدان مختلفة بتقديم توصياتهم لجهة تحسين حياة المرأة كان هذا في العام ١٩٤٦ ودُعي فريق العمل هذا ب COMMISSION ON THE STATUS OF WOMEN. CSW. لم ترتقي خطوات عمل هذا الفريق الى مرحلة تقديم توصية بإنشاء معاهدة خاصة بحقوق المرأة او اعتبار حقوق المرأة جزءاً من حقوق الإنسان. على اية حال و في الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الاول من العام ١٩٧٩ الجمعية العامة في الأمم المتحدة قامت بتبني معاهدة العنف ضد المرأة. The Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination against Women. CEDAW.
جاءت معاهدة مناهضة العنف ضد المرأة متقدمةً عمّا عداها من حيث تعريفها العنف بأنه أي عمل عنيف ومثاله التهديد، القسر، إيذاء حبس، حرمان من الحرية ، (وهو يستند على النوع الاجتماعي أي يُرتكب لان ضحيته إمرأة) و ينتج عنه أو يُحتمل أن ينتج عنه أذى جسدي، نفسي، جنسي أو معاناة على الصعيد العام والخاص. ومن حيث أنها أكدّتْ أي المعاهدة بأن هذا العنف ينتهك الحريات والحقوق الأساسية للمرأة داعيةً المجتمع الدولي للعمل معاً للقضاء على العنف ضد المرأة وهذا حقاً كان سابقةً قانونية في التشريع الدولي. العنف ضد المرأة يتخذ أشكالاً متفرقة منها قتل الإناث، قتل النساء، العنف المنزلي، الممارسات الضارة ومن أمثلتها الزواج المبكر و جرائم الشرف، كذلك الاتجار بالأشخاص، العنف الجنسي. كما ان العنف قد يتعدد مرتكبوه من جهات مختلفة و في سياقات متعددة أيضاً و المعني بهذا أن يقع العنف في الأسرة ، في المحيط الاجتماعي، في حالات النزاع و الحروب و العنف الذي تتغاضى عنه الدولة.
على الجانب الآخر كان هناك لجنة مناهضة العنف ضد المرأة THE COMMITTEE ON THE ELIMINATION OF DISCRIMINATORY AGAINST WOMEN) CEDAW). والتي هي هيئة قانونية تضم خبراء مستقلين في حقوق المرأة ، يبلغ عددهم ٢٣ ،مهماتهم تتمحور حول مراقبة تنفيذ بنود المعاهدة في البلدان الموقعة والمصدقة عليها . هذه اللجنة أكدّت عبر توصياتها المختلفة ما اتجهت اليه المعاهدة من حيث المبدأ أي أن العنف من حيث ماهيته ما هو إلا تمييز يقع ضد المرأة و يؤثر عليها بل ويعيقها من استثمار قدراتها و التمتع بحقوقها وحرياتها عملاً بمبدأ المساواة. وعند الاحتفال بمضي ربع قرن على المعاهدة اي في العام ٢٠١٧ ، أصدرت اللجنة توصيتها الهامة بأن مناهضة العنف ضد المرأة بات مُلزِماً لجميع الدول من حيث تطوره و أنه بذلك اصبح مبدأ من مبادئ قانون العرف الدولي. وهذا كان أمراً جديراً بالوقوف عنده لما يحمله من أبعادٍ على صعيد القانون الدولي ويتجاوز باهميته الكثير من التشريعات الدولية.
كل ما سبق يدعونا الى أن نقف أمام الممارسات العنيفة ضد المرأة والتي تقع في بلدان عربية عديدة كما هو الحال في مختلف دول العالم على اختلاف درجة الجرم و نسبة الضحايا و المعالجة القانونية والتدابير القضائية والإجراءات ( سوريا، مصر، الأردن، الجزائر، دول الخليج العربي، العراق، المغرب ، فلسطين …الخ) . في تقارير منظمات الأمم المتحدة أوردت أنه على الصعيد العالمي ٣٨٪ من جرائم قتل النساء يرتكبها شركائهن. وأنه وسطياً يتم قتل خمسة آلاف إمرأة على يد أفراد أسرهم فيما يُدعى بجرائم الشرف. بالعودة الى المرأة العربية، بات معلوماً على الأقل لدى المهتمين و الباحثين و جمهور جيد من نساء العرب أن هذه الممارسات محمية بنظام تقليدي اجتماعي و موروث اجتماعي عفا عليه الزمن. لو تمّ تحليلها من منظور القانون الدولي و قانون حقوق الإنسان ، فإن احترام معاهدات حقوق الإنسان وكل ما يترتب عليها من مسؤوليات وواجبات أخلاقية بالدرجة الأولى ، قانونية إنسانية تدعو الى مناقشة هذه الموروثات الاجتماعية الثقافية الثقيلة ليس على كاهل النساء فقط ولكن على كاهل المجتمعات العربية بطبيعة الحال و تبني تشريعات وقوانين تُنهي هذه الانتهاكات دونما تقصيرٍ أو تأخير.
مع وقوع كل ضحية يهم نساء العرب كما هو حال النساء جميعاً ان يحاولن فهم هذا العنف، أصوله و جذوره لعل فيه ان لم يكن حماية لهن فحماية لبناتهن و احفادهن و مستقبل آمن لهن لا يهدد سلامتهن. لعل المادة الخامسة من المعاهدة CEDAW. قاربت هذا النظام التقليدي والموروث الاجتماعي حين نصت على : «تعديل الأنماط الاجتماعية و الثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية و كل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية او تفوق احد الجنسين او على ادوار نمطية للرجل و المراة .» CEDAW/ Article 05: “States Parties shall take all appropriate measures: (a) To modify the social and cultural patterns of conduct of men and women, with a view to achieving the elimination of prejudices and customary and all other practices which are based on the idea of the inferiority or the superiority of either of the sexes or on stereotyped roles for men and women.”
أبرزت هذه المادة أن العنف هو نتيجة حتمية للتمييز المتجذر بعمق في المجتمعات المختلفة ،هو تمييز هيكلي ، لهذا لا بد من تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية ، وكل ما هو نمطي جنسانياً . ما تُشيرُ إليه المعاهدة وبوضوح الى ان هذا العنف ليس طارئ ، ليس رد فعلٍ عفوي قد يحدث هنا او هناك، ليس محصوراً في نطاق معين، لا يحدث صدفة، ولا يحدث لان المرأة ضعيفة البُنية / فيزيولوجياً، وليس جريمة عاطفية كما يحلو للبعض أن يقوم بتأطيره، بل هو حصيلة لمعتقدات و ثقافات غضّت الطرف عنه . هذه الانماط الاجتماعية والثقافية بالذات كانت المهد الاولي للعنف و لقتل المرأة. لهذا اتجهت ذات المادة لان يشمل التعديل كذلك تبني حداثة وإصلاحات تشريعية، قانونية، إدارية و عدّته من مهام الدول و الحكومات. المواد المختلفة للمعاهدة ومنذ نشوئها حملت في ثناياها تحولاً هاماً جداً في المفاهيم ألا وهو تقييم العنف ضد المرأة على أنه انتهاك لحقوق الإنسان، هذا الامر لم يكن كذلك سابقاً.
رانيا بدران هي إمرأة عربية أولاً قُتِلت منذ ايام على يد زوجها في بيل/ مقاطعة اونتاريو الكندية، لم يُعرف سبب القتل بعد، أُلقي القبض على زوجها ووجهت له تهمة القتل من الدرجة الثانية. الى الآن لا تزال التحقيقات جارية و توجهت دائرة الشرطة بإعلان يدعو فيه من لديه معلومات ان يتقدم بإفادته لديهم. قتل المرأة هو عنف شديد موجه ضدها و القتل الذي يقوم بناءً على جنس الضحية و هو في هذه الحال المرأة يُشّكلُ انتهاكاً بالغ الخطورة لحقوق الإنسان . هذا العنف سواء تم ارتكابه من قبل أفراد او من قبل جماعة او جهة حكومية يتطلب اولاً احترام الدول لالتزاماتها بمنع جميع أشكال العنف و المعاقبة عليها و تقديم التعويض عنها بل و تقديم ما يجب من عناية لمثل هكذا منع عنف.
معاهدات حقوق الإنسان أدانت بشكل خاص القتل المرتبط بنوع الجنس ومنه قتل النساء، جرائم الشرف، القتل المنهجي، …الخ نبهت المعاهدات أيضاً الى التحديات والصعوبات الكثيرة التي تُعيق المرأة من الوصول الى العدالة و افلات مرتكب الجرم من العقاب و انتقدت بشدة الفشل المنهجي للدول في تحقيق العدالة للنساء . من أسباب هذا الفشل هو ذاك النظام التقليدي الذي يحمي كل ما سبق من انتهاك الى جوانب عوامل أخرى سياسية، اقتصادية، اجتماعية ، ثقافية تضافرت جميعاً و أبقت دونية المرأة على ما هو عليه و لم تنجح في إيقاف القتل و لم تنجح في إيقاف جرائم الشرف وزواج الصغيرات و قتل الإناث والنساء و القائمة تطول.
أسبوع سعيد لكم جميعاً.