بقلم: فـريد زمكحل
فسَّر البعض الموقف الروسي المفاجئ ضد مصر في مجلس الأمن لصالح أثيوبيا إلى حد التهديد المباشر بأنهم لن يسمحون بأي عمل عسكري ضد أثيوبيا على أنه رد فعل على فعل مصري عدائي ضد روسيا.
الأمر الذي يراه البعض من المتابعين للعلاقات المصرية الروسية في الأسابيع القليلة الماضية بأنه كان متوقعاً من الجانب الروسي وظهر جلياً في الاستقبال الحافل من قبل وزير الخارجية الروسي لافروف لنظيره الأثيوبي في موسكو منذ أيام معدودة، والذي صاحبه العديد من التصريحات الصادمة للسيد لافروف التي تُشيد بالموقف الأثيوبي وبالسياسة الخارجية لأثيوبيا فيما يتعلق بقضايا النزاع العسكري القائم في تيغراي والحدود مع السودان وفق الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها دولياً بعيداً عن لغة التهديد.
وهو الأمر ذاته الذي تكرر مرة أخرى عشية مؤتمر برلين الخاص بليبيا وصرح فيه السيد لافروف قائلاً «يبدو أن روسيا وتركيا متفقتان على وجوب إنسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا بشكل تدريجي وليس الآن»، وهو ما يعنى إخفاق المؤتمر وفشله في إجبار تركيا على سحب قواتها من ليبيا وهو المطلب الرئيسي الذي كان للقاهرة في المؤتمر لإتمام المصالحة المصرية التركية على أساسه!! وتغيَّر بعد الدعم الروسي لتركيا وأدى لعدم هرولة أنقره لإتمام هذه المصالحة مع القاهرة.
وزاد الأمر صعوبة الإعلان الصادر بعد جلسة مجلس الأمن منذ أيام وأذاعته وكالة الأنباء الروسية الرسمية «سبوتنيك» بخصوص اجتماع اللجنة الفنية العسكرية التعاونية المشتركة بين روسيا وأثيوبيا في أديس أبابا بهدف تعزيز التعاون العسكري بين البلدين لزيادة المعرفة وتنمية المهارات والتقنيات العسكرية المستخدمة في الجيش الأثيوبي!
والكل يعلم بأن بداية القصة كانت منذ حوالي الشهر تقريباً عندما حذرت روسيا الولايات المتحدة الأمريكية من إجراء مناورات «نسيم البحر» التي أجراها حلف الناتو في البحر الأسود بالاشتراك مع أوكرانيا عدوة روسيا اللدودة وعلى الحدود الروسية في تحَّدي رهيب لروسيا التي قدمت سفارتها في واشنطن مذكرة احتجاج رسمية على هذا الأمر في الوقت الذي فوجئت فيه روسيا بوجود مصر (ضمن 4 دول عربية منها الإمارات والمغرب وتونس) في هذه المناورات بصفة مراقب مشارك!
والتي قامت روسيا على أثره بتوجيه طلب صريح ومباشر للإدارة المصرية بعدم الاشتراك في هذه المناورات التي تعتبرها عملاً عدائياً على حدودها، بل قامت بتذكير الإدارة المصرية بأنها وقفت بجانبها طوال السنوات الماضية ودعمتها في كل المحافل الدولية من خلال العلاقات الثنائية بين البلدين في القطاعات الاقتصادية والسياحية والعسكرية والتسليحية والصناعية وخصوصاً في مشروع «الضبعة النووي» بالإضافة لإمداد مصر بطائرات سوخرى 35 المتقدمة جداً…
ويبدو أن الإدارة المصرية قد ألمحت على موافقتها للمطلب الروسي إلا أنها لم تستطع الصمود أمام الضغط الكبير الذي مارسه الرئيس بايدن على الرئيس السيسي خلال محادثتهم الهاتفية التي أسفرت في النهاية عن اشتراك مصر بالفعل في مناورات «نسيم البحر» التي بدأت في 21 يونيو الماضي واستمرت لمدة 12 يوماً، الأمر الذي أغضب الإدارة الروسية واعتبرته إخلال بالتعهدات الرسمية بين الدولتين!
هذا بخلاف نجاح الضغوطات الأمريكية على السودان والإدارة السودانية التي قامت بإصدار قرار من المجلس العسكري الحاكم في السودان بإلغاء اتفاقية إنشاء القاعدة العسكرية الروسية الموقعة منذ عام بين الدولتين، وكانت بمثابة الأمل للإدارة الروسية للعودة للبحر الأحمر، الأمر الذي دفعها على الفور لاستبدال مصر والسودان بأثيوبيا التي انتهزت الفرصة الذهبية التي سنحت لها لتدعيم موقفها في قضية «سد النهضة» وبالطبع جاء الانحياز الصيني العدو التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب الموقف الروسي الداعم لأثيوبيا حفاظاً على المصالح الاقتصادية الصينية في القرن الأفريقي والتي ستقوم مع الإدارة الروسية بتزويد أثيوبيا بمعدات متطورة للدفاع الجوي مع الدعم اللوجيستي الكامل، الأمر الذي لا قدرة لمصر على مواجهته ويضع نهاية غير سعيدة لمصر والشعب المصري نتيجة مشاركة مصر في مناورات «نسيم البحر» ضد روسيا .. بدلاً من تعاملها بحكمة والوقوف على الحياد وعلى نفس المسافة من جميع الدول الكبرى!!
لتبدأ فصول أزمة جديدة تحتاج إلى حلول غير تقليدية وسريعة من خبراء حقيقيين تم تجاهلهم أو إبعادهم عن المشاركة في اتخاذ القرارات الحيوية والمصيرية لأسباب غير معلومة للأسف الشديد!