بقلم: تيماء الجيوش
يُعدُّ قرار المحكمة الأمريكية العليا Supreme Court of the United States. ROE V. WADE. و الصادر في العام ١٩٧٣ من القرارات الهامة التي عكست عملاً نسوياً لمدة قرنٍ كامل كان من نتيجته إنتصاراً لحقوق المرأة ، و أكدت تالياً بالنص على أن الدستور الأمريكي قام بحماية الحريات الفردية ومنها الحرية في اتخاذ قرار الإجهاض. وبهذا القرار من أعلى هيئة قضائية أي المحكمة العليا تغيّرت العديد من القوانين الخاصة بالإجهاض مما أدّتْ الى إقتداء المحاكم الأخرى على مستوى الولايات به من حيث احترامه و عدم تجاوزه . و منذ صدوره لم يهدأ النقاش القانوني متناولاً محاوراً عدة و منها هل الإجهاض قانوناً صحيح؟ هل هو متوافقٌ عليه إجتماعياً، ثقافياً، و أخلاقياً؟ من الذي يُقرر أمر صحته و قانونيته؟ ما هو أثر تبنيه على المساحة السياسية و التغييرات التي تطرأ عليها لا سيما في النظم الديمقراطية؟ و ما هي الطرق المُعتمدة في القضاء الدستوري لبلورته كحقٍ من الحقوق الدستورية؟ و أيضاً ما هو تأثير المعاهدات الدولية و المُصادق عليها ومنها أولها و أهمها CEDAW ؟
غير أن المسألة لم تقف عند مرحلة السؤال و الجدل المرافق له و أبعاده المتعددة ، إذ ما لبثت ولاية المسيسيبي و بعد عقودٍ عدة أن أثارت حق المرأة في الإجهاض مُجدداً أمام المحكمة العليا.
تابع العديد من النساء و المهتمين بالشأن النسوي في كندا كما في العالم أجمع مراحل قرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية للعام ٢٠٢٢و الذي بموجبه ألغى و نقض القرار الدستوري السابق أي قرار (رو ضد ويد ).ROE V. WADE.
و بموجب القرار الجديد من المحكمة العليا لم يعُد من المسموح للمرأة إنهاء حملها إن تجاوز ١٥ أسبوعاً. ومما استندت إليه المحكمة في شرحها أن القرار السابق لا يستند الى حجةٍ قانونية بل هو ركيك بأسبابه مما يضّرُ بالسلطة القضائية.
مع تسّرُب مسّودته في أوائل شهر ايار /٢٠٢٢ و من ثم صدوره بشكلٍ نهائي بتاريخ ٢٢/٦/٢٠٢٢ خرجت العديد من التظاهرات و الاحتجاجات في الولايات كافة و أخذ العديد من الحكومات الغربية و غيرها متابعته عن كثب و بخيبة أملٍ بل لم يتوانى العديد من السياسيين و الدبلوماسيين الغربيين و في مناسباتٍ متعددة و لقاءات من الإشارة إلى قلقهم و منها اجتماع الدول السبع G7, حيث أكدوا أثره السلبي المباشر على المرأة كحقٍ أصيلٍ لها و ما يؤدي من انتهاك لممارستها هذا الحق المُتعلق بالخصوصية Right to privacy و بجسدها و عدم احترام ٍ لكرامتها بل و يُعيد بعضاً من حقوقها الى مرحلة الصفر، ليُنهي بذلك عملاً لعقود عدة من الجهد الكثيف و المرير خاضته النساء دون هوادة و ليعاني منه ملايين النساء مُستقبلاً. في كندا وصف رئيس الوزراء ترودو Justin Trudeau قرار المحكمة الدستورية الأمريكية بأنه قرار مرعب horrific نائبته ووزيرة المالية Chrystia Freelandعبّرتْ عن صدمتها و أكدت احترام حقوق المرأة.
بالعودة الى نص القرار و قراءته سنجد أن عدداً من قضاة المحكمة أنفسهم قد عارضوه و هم براير ، ستوماير ، و كاغان، BREYER, SOTOMAYOR, and KAGAN, JJ., مؤكدين أن القرار هو حقيقةً يلغي حقًا دستوريًا عمره 50 عامًا كان قائماً بهدف حماية حرية المرأة ومكانتها على قدم المساواة. ليس هذا و حسب، بل ينتهك مبدأ أساسيًا لسيادة القانون و ما يُعنى ووُضِعَ لتعزيز الثبات في القانون. من خلال أعتماد هذا القرار ، فإنه يضع حقوقًا محلاً للانتهاك .
زد على ذلك هو يضع المحكمة كأعلى هيئة قضائية في مكانٍ هو أقرب لعدم الأنضباط من وجهة نظرٍ قانونية و يدفع بها لأن تبدو هيئةً مُتشددة و متشبثة و هذا كله و عبر هذا القرار سيؤدي ربما الى النيل من سيادة القانون و دوره.
بل و ذهب القضاة براير، ستوماير و كاغان في معارضتهم بالقول:
إن حق المرأة في الإجهاض جزء لا يتجزأ و يتمثل في حياة النساء – و من صياغة توقعاتهن ، و التأثير على خياراتهن في الحياة إن كانت على الصعيد الشخصي او العملي ، ودعم (كما تفعل جميع الحقوق الإنجابية) مساواتهن الاجتماعية والاقتصادية. منذ الاعتراف بالحق (وتأكيده) ، لم يتغير شيء لدعم ما تفعله الأغلبية اليوم. لم يقدم القانون ولا الوقائع ولا المواقف أي أسباب جديدة للوصول إلى نتيجة مختلفة عما فعل رو وكيسي. كل ما تغير هو هذه المحكمة.
«The abortion right is also embedded in the lives of women— shaping their expectations, influencing their choices about relationships and work, supporting (as all reproductive rights do) their social and economic equality. Since the right’s recognition (and affirmation), nothing has changed to support what the majority does today. Neither law nor facts nor attitudes have provided any new reasons to reach a different result than Roe and Casey did. All that has changed is this Court.»
من كل ما تقدم أستطيع أن أزعم و مع بلوغ التيار الراديكالي و المُتشدد الذروة في بلدانٍ عدة أن طالبان في أفغانستان و معها الجماعات الراديكالية المتشددة اليوم سعيدة و هي ترى أن دولة متقدمة ديمقراطية قد قامت أعلى هيئة قضائية فيها بإعتماد قانونٍ ينتهك حقوق المرأة و مبدأ المساواة من خلال تحريمه حق الإجهاض و فرض السيطرة على النساء من خلال السيطرة على أجسادهن . لن تجد طالبان عيباً في انتهاكاتها لحقوق المرأة ، أفلا تتشابه المواقف المتشددة على اختلاف جغرافيتها؟ على اختلاف دوائرها الإجتماعية؟ أليس هذا بانتكاسٍ شديد للحركة النسوية ؟ أليس هذا بخرقٍ واضح لحقوق الإنسان؟ أسبوع سعيد لكن ، لكم جميعاً. لعل و عسى القادم أجمل يحمل في طياته مزيداً من حفظ كرامة المرأة.