بقلم: بشــير القــزّي
لي قريب أعرفه منذ نعومة أظافره تلك التي كان وما زال يقضمها دون ان يترك لها المجال أن تنمو. أما والده فقد اجتهد كثيراً دون أن يفلح لإقلاعه عن تلك العادة الغير مستحبّة وكان يسأله بالفرنسية فور عودته من عمله:”أرني أظافرك يا نادي!” . كان له من العمر قرابة الثلاث سنوات عندما مكث بيننا بضعة أسابيع في منزل المزرعة التي كانت عائلتي تمتلكها في بلدة وادي الزينة التي تقع على ساحل قضاء الشوف. كنت أتقدّمه بالسن بنحو عقد ونصف وكنت أراقب الكثير من تصرفاته. كان سريع الحركة، قليل الكلام، يُفكّر قبل ان يتفوَّه، وكانت له نظرات ثاقبة تدلّ على ذكائه وعلى انه يعي كل ما يدور حوله.
مرّت الأيام وكبر نادي وترعرع بعد أن تعلّم في أفضل المدارس رغم سني الحرب اللبنانية. ثمّ سافر الى الولايات المتحدة حيث التحق بإحدى الجامعات المعروفة لإكمال تحصيله الجامعي. وفِي سنة ١٩٩٣ اتصل بي بالهاتف وقال لي انه سيكون في مونتريال في اليوم التالي.لمّا التقيته وجدته شاباً معتدل القامة رياضي المظهر تكاد عضلاته تفيض من قميصه. دعوته للإقامة في منزلي فقبل وأمضى يومين في ضيافتي ثم انتقل للإقامة بضعة أيام لدى شبانٍ كان يعرفهم يسكنون شقة في وسط البلد.
مرّت سنون ولم أسمع عنه الكثير الى أن اتصل بي بالهاتف سنة ٢٠٠٣ وقال:”أنا في رحلة تفسّح وإستجمام. لقد أتيت من نيويورك بالسيارة منذ أيام الى تورنتو وسأصل في الغد الى مونتريال. قلت له: “ممتاز. إذن ستنزل بضيافتنا”. أجاب: “لا أقدر! معي صاحبي وقد حجزت غرفة في أوتيل “الشيراتون” في وسط البلد.” حاولت ان ألحّ الاّ انه أصرّ على قراره.
وإذ كنت في مكتبي عندما كلّمني، استقللت سيارتي عائداً الى البيت وانا لا أفهم رفضه لضيافتي. فتحت الراديو وإذ بالمذيع يُلقي نشرة الأخبار ويقول ان الآلاف من مثليي الجنس يتوجّهون من نيويورك وتورنتو نحو مونتريال للاشتراك بالاحتفاءات الخاصة بهم. وبدأ “الفأر يلعب في عبّي” وبدأت أتساءل:”هل يعقل ان يكون قريبي من تلك الجماعات وقد حضر خصّيصاً مع صاحبه للاشتراك بالاحتفالات؟” لم أسمع عنه يوماً انه كان بصحبة فتاة!
في اليوم التالي أعلمتني السكرتيرة بوصوله. خرجت من مكتبي لأسلم عليه. كان وصاحبه يجلسان على كنبات الإنتظار ذات اللون الأزرق الفاتح. رحّبت به بحفاوة وكان كما عهدته سابقاً مفتول العضلات، رجولي المظهر وقد حلق رأسه الى اقصر حدٍ ممكن. أما “صاحبه” فكان طويل القامة، حسن الملبس، نحيل الجسم، شعره اسود معتدل الطول، عيناه حالمتان وكان منظره يذكّر بالمغني الشهير “مارك انطوني” مع الفارق انه كان يرتدي حلقة ذهبية في أذنه اليمنى. عرّفني به قريبي: “هذا صديقي باسم”.
قررنا الذهاب لشرب البيرة في منزلي الذي كان في منطقة بييرفون. كان نادي يقود سيارة سبور مكشوفة صفراء اللون من نوع BMW Z3
تبعاني بالسيارة وكلما نظرت بالمرآة لأتفقدهما ورائي كنت اشعر ان شكّي اصبح يقيناً. قلت لنفسي:”هذا أمر لا مفر منه! عليّ ان أقبل بالوضع كما هو!”.
عندما وصلنا الى المنزل كانت زوجتي قد وصلت لتوّها ومعها كيس من اللوز الأخضر. لم استطع ان اخبرها على الهاتف بخلفيات الموضوع.
جلسنا على الشرفة التي تواجه البوليفار وبينما كانت زوجتي تحضر المشروب من المطبخ بدأت املأ الفراغ بالتكلّم انه سبق لي وزوجتي ان شاهدنا احتفالات مثلي الجنس في المدينة ومظاهراتهم بينما كان قريبي يحدّق وقد عقد حاجبيه.
خرجت زوجتي على الشرفة مع المشروب واللوز وسألت قريبي: “لم تُعرفني بمن معك؟” أجاب:”هذا باسم أخُ زوجتي!”
عندئذٍ انتفضت وسألته: “أنت متزوج؟ لمَ لم تُخبرني من قبل؟ مذ متى؟” قال:” ان ذلك تم منذ سنة”. قلت لهم: “ يجب ان أخبركم بما حصل لي اليوم”. وبدأت أقص عليهم ما حدث لي وكيف كنت على يقين بأنهما مثلي الجنس.
وقبل ان انهي حكايتي كان باسم قد خلع الحلق الذهبي من أذنه بينما قال قريبي:” منذ أسبوع وانا اطلب منه ان يخلع الحلق وهو مصرّ على لبسه”.