بقلم: تيماء الجيوش
مضى الثامن من آذار من هذا الشهر حين احتفلت مختلف المجتمعات والدول بعيد المرأة العالمي او كما يُرمز له IWD تعود جذور الاحتفال بهذا اليوم إلى السنين الأولى من القرن العشرين .
و تُعدُّ النمسا، الدانمرك ، ألمانيا و سويسرا من أوائل الدول التي احتفلت بيوم المرأة العالمي في الثامن من آذار وكان هذا في العام ١٩١١ ، حيث شهد ذاك اليوم حضور ملايين الرجال والنساء ، وهو وكما مُثبت تاريخياً كان نتيجة لتنامي دعوة الحركة العمالية في شمال أمريكا وأوروبا لدعم مطلبٍ محدد ألا وهو مساواة المرأة ومشاركتها في المجتمع. تلا ذلك عدداً من الدول التي تبعت هذا التقليد الاحتفائي بيوم المرأة من كل عام .
لاحقاً و في العام ١٩٧٥ قامت الأمم المتحدة بتبني هذا اليوم كيومٍ عالمي للمرأة . وبقي الأمر على هذا الحال إلى وقتنا الراهن ، هو يوم خاص للاحتفال و العمل والدعم و الدفاع عن النساء والفتيات. ليس هذا وحسب بل أنه وحقيقة الأمر مناسبة لتثمين منجزات المرأة و الفتيات الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية والسياسية . والعمل على زيادة الوعي المجتمعي وتحليل مساواة الجندر من حيث النتائج وما تمّ إنجازه بالإضافة إلى ما يجب العمل عليه . الدول الديمقراطية تلتقي جميعاً في حيزٍ هام هو احترام الحريات والكرامة و الحقوق لا سيما مساواة الجندر ، و هي أي هذه الدول لها برامجها و خصوصية في استراتيجياتها تتعلق في الخطوط العامة على المدى البعيد والقريب وفي كيفية التطبيق و جعله واقعاً معاشاً تنعم به مجتمعاتها . هكذا هو الحال في كندا ، حيث قامت الحكومة الفيدرالية باختيار عنوانٍ لهذا اليوم الأممي للعام ٢٠٢٣ « كل امرأة تؤخذ بعين الاعتبار». EVERY WOMAN COUNTS.
و هو يعني أن كل النساء من مختلف المراحل العمرية ، و مختلف مناحي الحياة لهن مكاناً ودوراً في كل بُعدٍ من أبعاد المجتمع الكندي و ما يشملهُ من الاقتصادي، الاجتماعي، و الميدان الديمقراطي. وبحسب ما جاء في الصفحة الرسمية للحكومة الكندية « دعونا نحتفي بنجاح النساء حولنا و نُذّكر فتيات اليوم أن أحلامهن هي قابلة للتحقيق.».
وفي البيان الرسمي لرئيس الوزراء جستين ترودو قال : «نعمل دولياً مع شركائنا و سنستمر لجعل مساواة الجندر أولوية و هذا من اجل صالح المرأة، الفتيات، و الشعوب في العالم اجمع.»
HON JUSTINE TRUDEAU SAID IN HIS STATEMENT:”Working with our international partners, we will continue to make gender equality a priority, for the benefit of women, girls, and all people around the world.
ولعل ما يُحسب لكندا أنه و خلال الأعوام الماضية أخذ مُشّرعيها بعين الاعتبار عوامل مجتمعة تزيد من مشاركة النساء في الحياة الاقتصادية . أخذوا بعين الاعتبار الأم العاملة ، و رأوا أن التوازن يأتي من خلال نظام التعليم المُبّكر و رعاية الأطفال وهذا تحديداً يأتي عبر الدعم المادي اليومي و خفض الرسوم بهذا الملف الى ٥٠٪ ليس على صعيد المقاطعات وحسب بل على الصعيد الفيدرالي. و بالمُضي قُدماً في هذه السياسة الداعمة خلال الأعوام الثلاثة الماضية و بحسب الخبراء بلغت كندا رقماً قياسياً من حيث نسبة المرأة العاملة في سن العمل والتي بلغت ٨٥ ٪ أي أن هذه النسبة هي نسبة المرأة العاملة من حيث نسبة السكان أخذاً بالتعريف أن سن العمل هو : سن أولئك اللذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ و ٦٤ عاماً. لم يقف دعم المرأة عند هذا الحد بل تجاوزه الى إتباع إستراتيجية تهدف من حيث المبدأ الى تعزيز المساواة و مشاركة المرأة في الاقتصاد عبر توفير التمويل و التدريب ومن خلال برامج متنوعة مثل برنامج تحدي 30-50 والذي هو مبادرة تجمع ما بين حكومة كندا، الشركات الكندية و المنظمات الأهلية المهتمة بالتنوع ، هدف هذا البرنامج هو تحدي المنظمات الكندية بزيادة عدد ودمج المجموعات العاملة المتنوعة في أماكن العمل لديهم مع التأكيد على إبراز فوائد منح مواطني كندا مكاناً للحوار والعمل دون تمييز قائم على لون أو جنس أو عرق أو دين. ولأجل تحقيق هذا الهدف من هذا البرنامج يجب أن تصل نسبة تمثيل النساء الى ٥٠٪ . لم تقف الحكومة الكندية عند حدودها الجغرافية فلها أيضا سياسة دولية عمادها احترام سيادة الدول، بناء السلام و احترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة و كما ذُكِر أعلاه مساواة الجندر أولوية ، لهذا لم يكن مفاجئاً أن تُنشئ في حزيران /يونيو من العام ٢٠١٧ برنامجاً يُدعى برنامج القيادة وصوت المرأة WOMEN’s VOICE AND LEADERSHIP PROGRAM.
و هو جزء هام من سياسة الدعم الدولي للنسوية و يقوم على تلبية احتياجات المنظمات النسوية في البلدان النامية و تقديم الدعم لها في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، المساواة و تمكين المرأة مع التأكيد على أن هذه الشراكة تهدف الى كل ما يفيد من حيث إدارة واستدامة هذه المنظمات و بما يعزز من قدرات منظمات حقوق المرأة في عملها لتمكين النساء والفتيات و بناء منصات وأحلاف تقوم بالتغيير القانوني و الاجتماعي على أساس الاحترام المطلق لحقوق الإنسان. بلغ عدد البلدان و المناطق المستفيدة من هذا البرنامج ثلاثون بلداً ، كما وبلغ عدد برامجها الفرعية اثنان وثلاثون برنامجاً و بمنحة قدرها مائة و اثنين وثمانين مليون دولار كندي. ماذُكِرَ هو جزء من فيض لربما لا تتسع المساحة لذكره و تفاصيله لكنه مؤشر هام على التزامٍ حكومي هام بمساواة الجندر ، و مصداقية تتأتى من دراسة التاريخ والبعيد التي يُبرزها تبني مثل هكذا برامج و الدفع بها قدماً و احترام حقوق المرأة لأن حقوق الإنسان هي حقوق المرأة والعكس صحيح أيضاً فحقوق المرأة هي حقوق الإنسان . يطيب لي الحديث و الكتابة عن النسوية و برامجها في كندا ، فهي واقعية و نقدية بآن معاً، وتتفاعل مع النتائج بمرونة متناهية لتنتقل لاحقاً الى مراحل أكثر تقدماً. هذا أمر ليته يكون في صلب قرارات التشريع و المؤسسات العربيين، أن تكون مساواة الجندر أولوية لما لا؟ هو زمن السؤال ليس إغراقاً في التفاؤل ، لكنه أيضاً في وقتٍ لم يعد فيه من الطوباوية الأمل بأن يكون المستقبل للنساء في المنطقة العربية مختلفاً عن العقود الماضية بدرجة إن صغُرتْ أم كبُرتْ. الواقع الآن فيه الكثير من البؤس الثقافي و القانوني و الاجتماعي.
لا تزال العديد من النساء تبحث عن احترام ابسط الحقوق من قانون الأحوال الشخصية إلى قانون العمل، حق الإرث ، القانون الجزائي، قانون الجنسية ، و قانون الأحوال المدنية. المجتمعات الديمقراطية تعي حقيقة واحدة أن من
الهام أن يكون التغيير نوعياً ، أن تكون خلفه إرادة سياسية ، و أن تُحترم كرامة المرأة بعيداً عن الدونية والتمييز.وتعي أيضاً انه ربما قد يأتي التغيير بطيئاً ، ربما سيجابه بالكثير من الصعاب السياسية والاجتماعية والثقافية و التعقيدات على حلقات مختلفة، لكنه يحدث في النهاية.