بقلم: هدى البيطار
بدأت الأجواء الانتخابية المحمومة التي ستجري في السادس من أيار تجتاح الحياة السياسية اللبنانية وانتفلت إلى الاغتراب بنسب متفاوتة كونها تحصل للمرة الأولى خارج الأراض اللبنانية.
اليوم عشية الانتخابات بدأت هواتفنا ترن من أرقام لا نعرفها تاركة رسالة تدعونا إلى التسجيل والانتخاب ونسمع بمهرجانات طنانة من هنا وهناك في العواصم الأوروبية والغربية ، ولا تجد فيها سوى أزلام الأحزاب والتيارات اللبنانية الطائفية وحيتان المال هم الحاضرون، المشهد نفسه في مونتريال وسدني ومالبورن وباريس وبلجيكا وأفريقيا وأميركا وغيرها ، ماكيناتهم الانتخابية تدور من منطقة إلى أخرى ومن حي إلى حي ومن ضيعة إلى ضيعة من بلد إلى بلد ومن عاصمة إلى أخرى، يستقبلونهم بالتطبيل والتصفيق ويودعونهم بالصفير ويستقبلون أخر بالتطبيل والزفير.
قبل هذا الهرج والمرج بالتطبيل والتصفيق هل سألتم أنفسكم لماذا يسعى أبناؤنا إلى وطن بديل؟ لماذا يضحون بهويتهم ويتوسلون هوية أخرى لا تربطهم بها شيء؟ لماذا يتحملون ألم فراق الأهل والأصدقاء وبيت الطفولة والحي والشارع ؟… يقيني أنه في الإجابات الصادقة عن هذه التساؤلات يبدأ بناء الدولة.
كأن حقوقنا وأسباب هجرتنا لا تعني المسؤول: كالبطالة، بفعل العمالة الأجنبية، وفقدان فرص العمل، والغلاء الفاحش، وازدهار تجارة التعليم والتطبيب، وأزمة السكن، والكهرباء، وحدث ولا حرج عن معاناة الأجراء والمتعاقدون والمياومين وغب الطلب والعاملون في الساعة وحقوق.. وإلخ أنه الخوف على المستقبل والمصير، إلى ما هنالك من أسباب سياسية أصبحت معروفة، شكلت كلها سببا أساسيا لهجرتنا.
ففي الغربة يخاطبونه ب « الوافد» أو المقيم» وفي وطنه يخاطبونه بأخي «المغترب» ولا حقوق له، معتقدين أن هذا الهامور يجمع الأموال وقد ملأ الجيوب والدروب بالدولارات و الدراهم والريالات وبالتالي لا يحتاج إلى حقوق. رغم أن النسبة العظمى من المغتربين بالكاد يستطيعون تأمين قوت يومهم وتدريس أبنائهم بعرق الجبين وأغلبهم يعانون من التهميش والتجاهل والبطالة والتمييز العنصري، متناسيين أن المغتربين هم لبنانيون ويحملون هم البلد مثلهم ، فكلانا مهمشون نعيش الاغتراب على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في لبنان كذلك في كندا كمان، لكن الفارق هي الضمانات الاجتماعية وأهمها ضمان الشيخوخة حتى لا ننتهي على قارعة الطريق.
إن البحث في أسباب الاغتراب يبدا من النظر في الظروف الموضوعية والدوافع التي تجعل الاغتراب يتحول من حالة عزلة فردية للإنسان ضمن محيطه وبيئته إلى حالة الانتقال إلى محيط آخر يرجو فيه أن يحقق ما يطمح إليه مما كان يفتقده في بيئته الأصلية مما يحقق حاجاته وطموحاته الفكرية كانت أم المادية.
تصيبني الدهشة وينتابني حزن عميق على حال الوطن المهدور والمنهوب عندما أرى قادة الفساد على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروئة ينتقدون ويعارضون الفساد ، لا أدري هل هو انفصام بالشخصية اللبنانية؟
إذا افترضنا أن الفساد يتركز بالحكومة ، أذن جميع الكتل السياسية البرلمانية تشترك في هذا الفساد، لأن جميعها ممثل بالحكومة والحكومة انعكاس لواقع البرلمان المنتخب وتوزيعاته السياسية والطائفية ، وعدم وجود معارضة سياسية داخل البرلمان ، لاشتراك الجميع بالتركيبة الحكومية ، يقدم دليلاً دامغاً على إشراك الجميع بكرنفال الفساد الجاري دون استثناء!!!.
صرخة مغترب، يطرح، السؤال الذي تستدعي الضرورة أن نثيره: ما فائدة مطالبة الجمهور لقوى سياسية فاسدة بمحاربة الفساد؟ هل ستعمل تلك القوى على محاربة فسادها مثلا؟ لماذا الناس تعيد انتخابهم خاصة أن الناخب قد عانى وما زال يعاني من سياستهم في تهب وسرقة المال العام؟ هاتوا لي وزراء ونواب من السماء فأصدق أنهم غير متورطين بالفساد.
فماذا يجري إذا» في أدمغة المرشحين والناخبين؟ ؟ ولماذا هذا الولاء ولا يمكن الاستغناء عنهم؟ وحتى في دول الانتشار!!!!
ضعها ببساطة أكثر: لماذا لا تزال تتعب من التصويت؟ في أعمدة الجارديان، يعمق» دين بورنيت» الينابيع النفسية «للتصويت الغبي». كيف يصل الأشخاص الغبية على ما يبدو إلى قمة الدولة؟.
يقول إنها سياسة تبسيط الأمور المعقدة يفضل الناخبون أولئك الذين يبدون قادرون على شرح المشاكل المعقدة ببساطة، سواء كانت البطالة أو العجز في نظام الضمان الاجتماعي، من خلال مهاجمة مظهر المشكلة وليس جوهرها أما التصويت فهو «بالنسبة لي يعني التصويت لك»، هي سياسة التظاهر بأنه رجل عادي هو تمرين دقيق، لكن «جعل الناس» هو الوهم الذي يجب على المرشح أن ينشأه لخلق التعاطف. ومن الضروري أن يكون لدى الناخبين انطباع بأنهم قادرون على تناول البيرة معه، يلجأون إلى زراعة غريزة التفوق إنها مسألة فخر شخصي، فغالبية الناس، وبالتالي الناخبين ، لديهم حساسية تجاه عمليات اللاوعي، والصور النمطية. سوف يفضلون بشكل غريزي الانضمام إلى مجموعة يشعرون أنهم ينتمون إليها. للحفاظ على فخره الشخصي وللمرشح يلعب على الوتر لكي يجعلك تصوّت لصالحه.
فلينظر كل مواطن لبناني في الوطن والمقيمون خارج الوطن وليتطلع لعائلته وأقاربه ولنفسه ويفكر هل يقبض معاشه، وهل يتمكن من تأمين مدخوله؟ وكم يبلغ دينه للبنوك وكم يبلغ عدد الغرامات المفروضة عليها؟ نحن أمام واقع لن نجد أبلغ منه للتعبير عن حالنا أنه نتيجة لوضع متراكم على مدى عقود من الزمن.
إن توفير الحماية الاجتماعية للمغتربين اللبنانيين بتأمين رواتب تقاعدية لهم بعد عودتهم من رحلة الاغتراب بات ضرورة وطنية ملحة، لا سيما معظمهم غير مشمولين بأنظمة وتشريعات الضمات الاجتماعي، المغتربين ليسوا عبارة عن ماكينة جباية كبيرة، لديهم حقوق وعلى الحكومات القادمة إيلاء الاهتمام والحماية لهم.
أننا كمغتربين نعيش في دولة ديمقراطية علمانية والجميع متساوون أمام القانون، وأن حرية الفكر والتعبير عن الراي مقدسة شريطة أن لا تفرض رأيك ولا أن تتعدى على الأخرين، والكل يمارس طقوسهم الدينية أيام الأحاد والجمعة ، يطرح السؤال: لماذا أيها المغترب تنتخب وتصوت لمن كان سبب هجرتك وتحرم أهلك وأبناء وطنك من بناء دولة ديمقراطية علمانية؟
باختصار شديد: ينتمي مفهوم الدولة العلمانية إلى نخبةٍ من المفاهيم الإنسانية الحديثة الراقية التي تتغلغل جذورها في أعماق الفكر الإنساني العالمي، لاسيما العربي المتنوّر. لا يرتبط هذا المفهوم بالطبع بنظامٍ محدّد، رأسمالي أو اشتراكي، يمينيٍّ أو يساري…..
بيدكم الأمر بادروا بالتصدي لثمار التعصب والتمييز، ثمار الطائفية والتطرف والى بناء دولة ديمقراطية علمانية.
بالتغيير» بصوت واحد للتغيير» من اجل بناء دولة علمانية تحفظ الحقوق لكافة المواطنين والمواطنات.