بقلم: فريد زمكحل
أعتقد أن المطلب غير الدستوري للرئيس ترامب بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى كل من مصر والأردن هو «القشة التي قسمت ظهر البعير» ، لأنه ينتهك القانون الدولي ويُعدّ اعتداءاً صريحاً على سيادة كل من الدولتين المصرية والأردنية، ويُعرض أمنهما القومي والعربي للخطر، علاوة على أنه يقضي على القضية الفلسطينية ومشروع حل الدولتين الهادف لإقامة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة وإحلال السلام بين إسرائيل وجميع دول المنطقة.
وكما قلت في عدة مقالات لي سابقة بأن حرب غزة وملحقات هذه الحرب سوف تكشف النقاب عن المواقف الحقيقية للأنظمة العربية تجاه هذه القضية التاريخية الذي قد تطيح شعوبها ببعض هذه الأنظمة فور استشعارها بأي تخاذل أو استسلام منها لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير أهالي غزة لدول الجوار ضارباً عرض الحائط بكل القوانين الدولية في هذا الخصوص، التي تنص على احترام سيادة الدول وحقّها المشروع في الدفاع عن أمنها القومي أمنياً وسياسياً وديمغرافياً وجعرافياً وتاريخياً.
نعم «حرب غزة» ستضع جميع الدول العربية أمام مسئولياتها التاريخية للتصّدي لهذا المخطط الشيطاني القديم الحديث منذ النكبة وحتى اليوم، وكلي ثقة بأن هذا القرار الظالم والمتعسف من الجانب الأمريكي سيواجه بالرفض من مصر والمملكة الأردنية والمملكة العربية السعودية ومن جميع الدول العربية والأفريقية، علاوة على الغالبية العظمى من جميع دول العالم.
نعم نجحت «حرب غزة» في وضع جميع دول العالم المحبة للسلام والشرعية الدولية أمام خيارها الأخير والوحيد لنصرة هذا الشعب وهذه القضية التي تلاعب فيها الجميع وتجاهل فيها الجميع الحقوق المشروعة لهذا الشعب المقهور منذ سنة 1948 وحتى اليوم في إقامة دولته الفلسطينية الحرة المستقلة على حدود الرابع من يونيو 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
وعلى كل من مصر والسعودية والأردن التمسك التام بهذا الحق من خلال رفضهم التام والحاسم لقرار الرئيس ترامب ولو أدى الأمر لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وعلى مصر والأردن تحديداً التهديد بإلغاء إتفاقية السلام مع إسرائيل في حال استمرار التعنت الأمريكي في هذا الصدد مع التأكيد على دعمهما الكامل لهذا الشعب الشقيق في استمرار كفاحه الوطني حتى تحرير الأرض لدفع الشعب الإسرائيلي للثورة على حكومته والضغط عليها لقبول حل الدولتين هذا أولاً.
والتهديد باللجوء للصين وروسيا وكوريا الشمالية لمساعدتهم إقتصادياً وعسكرياً لمواجهة كافة العقوبات الاقتصادية التي قد تفرض على هذه الدول من جانب الحكومة الأمريكية التي لن تسمح باستبدال التواجد الأمريكي في المنطقة بأي تواجد دولي آخر حفاظاً على مصالحها، خاصة بعد أن أعرب العالم عن عدم تأييده لخطط الرئيس الأمريكي وعن أطماعه التوسعية غير الشرعية في العديد من دول العالم وخاصة في كندا والمكسيك وبنما وجرين لاند وفي غيرهم من دول العالم وأخيراً في غزة الذي يتعامل معها لا بصفته رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وإنما كوكيل عقاري أو مطوِّر عقاري يسعى للاستثمار فيها وتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح بصرف النظر عن شرعية هذا التصرف من عدمه مستغلاً منصبه الرئاسي لفرض عقوبات اقتصادية على كل من يعارض فكره الإجرامي، وقد تبلور ذلك أخيراً في قيامه بفرض عقوبات إقتصادية على المحكمة الجنائية الدولية في استهزاء تام بالقانون الدولي والمؤسسات الدولية الشرعية.
نعم قضية غزة ستسقط القناع عن كل أنظمة الدول المتخاذلة في التصدي لهذه الهجمة الأمريكية الخارجة عن الشرعية الدولية وتتعامل بتعالي غير مسبوق وبعنجهية غير مقبولة.
ولسوف تكشف الأيام القادمة الكثير والكثير من المواقف العربية والدولية التي ستُحسب لأصحابها أو ستُحسب عليهم والتاريخ لا ينسى ولن ينسى والتاريخ لا يكذب وإن تم تجميله!
والله ولي التوفيق وهو السميع المجيب.