بقلم : شريف رفعت
تمر لبنى من أمامي، تسير ببطء و غنج، تتعمد تحريك مؤخرتها بطريقة مثيرة، هذه اللبؤة الجميلة المثيرة تدفعني للجنون، تتجاوزني و تتجه لسلطان، يلامس فمها رأسه و تهمس له بشيء، هو يدعي عدم الإهتمام، لعبة قديمة مكشوفة، يصيبني شيء من الإحباط، أتساءل: هؤلاء الإناث ماذا يبغين؟ هل القدرة الجنسية للذكر أهم شيء عندهن، نفترض أن سلطان أقدر مني جنسيا، في الواقع لا نفترض فهو بسبب شبابه و قدراته البدنية أقدر فعلا، لكني بالتأكيد أذكى منه و أخف دما و أوسع حيلة، ألا يعني هذا أي شيء؟ أي مصدر جاذبية للأنثى؟ مازالت لبنى تلامس سلطان و مازال هو يتجاهلها و ما زلت أنا محبطا، آه أيها اللبؤة الفاتنة.
يدخل مدبولي، أو طرزان كما يحلو لهم أن يسمونه هنا، يحمل معه الطعام، لحم ني لنا نحن الستة، يضع أمام كل منا نصيبه، نقبل على الأكل بنهم، ذكائي يؤكد لي أن اللحم به نوع من المخدر حتى يصيبنا نوع من الإسترخاء و عدم المبالاة فلا نكون خطرين على طرزان أثاء العرض.
تدخل زوجة مدبولي علينا مندفعة منفعلة، تصيح به و تكيل له السباب، المشهد يبدو طريفا أستمتع به أيما إستمتاع، طرزان الذي يمثل دور البطل مروض الوحوش أثناء العرض يصبح أرنبا أمام زوجته فأبيها صاحب السيرك و بالتالي مصدر دخله.
ـ يا راجل يا دون يا ناقص يا أبو عين فارغة، مش حتبطل بصبصة للنسوان. وحياة دين النبي تعملها تاني حتلاقي نفسك صايع في الشارع من غير وظيفة. إوعى تكون فاكر نفسك طرزان فعلا، جتك خيبة.
يحاول مدبولي أن يدافع عن نفسه لكن دون جدوى فقد صدر عليه الحكم بأنه دون و ناقص و بتاع نسوان، بصراحة عنده حق إن عينه تزوغ و يحاول مع نساء غير زوجته فشكلها لا يوحي أبدا بالإخلاص لها، ثم أن السيرك به العديد من النساء الجميلات المغريات.
اليوم الجمعة يوم مرهق لنا فهناك عرضين للسيرك أحدهما صباحي و الآخر المعتاد في المساء. يبدأ العرض الصباحي، موسيقى و أضواء و ضجيج، تتوالى العروض أوكروبات و مهرجين و دببة و كلاب مدربة، ثم يأتي العرض الشيق الذي ينتظره الجميع طرزان مروض الوحوش و أسُدُه الستة، يدخل طرزان أولا، يرتدي شورت و فانلة منقطة كما لو كانت مصنوعة من جلد النمر، شعره المصبوغ يلمع، يشفط بطنه حتي لا يظهر كرشه، على وجهه إبتسامة زائفة، في الواقع المنظر كله زائف، ملابسه، شعره، حركاته، إبتسامته، شجاعته، إسمه، لكن الجمهور الساذج يعجبه هذا الزَيف، يمسك في يده سوط طويل يفرقعه في الهواء فيصدر صوتا سخيفا، في يده الأخرى شوكة طويلة ذات أربعة شعب مدببة يستخدمها في السيطرة علينا نحن الوحوش.
ندخل بعد ذلك واحد واحد، ينادي علينا بأسمائنا كما لو كان يـُعـَرِف الجمهور بنا، أطلقوا علينا أسماء آدمية كنوع من الاستظراف فبالإضافة للـُبـْنى و سلطان يسمونني عنتر و هناك اللبوءة الأخرى كبيرة السن زوبة ثم الأسدان العجوزان البائسان شمشون و كيلر. الجمهور يصفق لنا عند دخولنا، نحن جميعا و بالذات أنا غير مبالون، أعتبر هذا العرض عبء ثقيل لكن يجب علينا القيام به، يصرخ طرزان و يأمر كل منا بالجلوس فنطيع الأمر و نجلس، ثم يصفنا في صف واحد و يأمرنا بالإستلقاء على الأرض فنستلقي على الأرض أحدنا بجوار الآخر، كل أوامر طرزان عبارة عن صراخ لا أدري لماذا، يكثر من فرقعة السوط في الهواء و من التلويح بالشوكة كما لو كان يستخدمهما في السيطرة علينا، يمتطي الأسد العجوز شمشون و يدور به حول الحلبة وسط تصفيق الجمهور العبيط. ثم تأتي الحركة التي أكرهها و أقوم بها مكرها. يحضرون حلقة حديدية كبيرة يضعونها في وضع رأسي و يشعلون النار بها ثم يجبرونني أنا و لبنى و سلطان على القفز من وسطها، حدث من قبل أن حرقت لي النار أطراف شواربي. لكن يجب أن نقوم بالدور كي لا ينالنا ضربة من سوط مدبولي. ينتهي العرض وسط صفيق الجمهور و إنحناء طرزان محييا لهم و أصوات الموسيقى العالية و نذهب نحن لقفصنا كي نستريح.
قبل العرض المسائي الأُسـُـد العجوزة زوبة و شمشون و كيلر يغطون في النوم، أنا مستيققط أفلسف أمور الحياة كعادتي، لبنى و سلطان يغازلان بعض، يحضر مدبولي و معه وجبة المساء التي مفروض أن نأكلها قبل العرض، أنا و الأُسُد العجوزة نأكل وجباتنا بينما لبنى و سلطان مشغولان بمناجاة بعضهما لا يلتفتان لطعامهما، عندهما حق فالجنس أهم من الطعام. يهم سلطان أن يمتطي لبنى، لكن لسوء حظهما يحين موعد العرض فيحضر مدبولي المتطرزن ليقودنا للحلبة، يحاولا التخلف و إكمال ما بدءاه لكن سوط طرزان و شوكته تجبرهما على الخروج للحلبة و مزاجهما متعكر.
يتكرر المنظر المألوف للمرة المليون، الموسيقى و الأضواء و الصياح بأسمائنا و حركات طرزان العبيطة و فرحة و إندهاش الجمهور الساذج. يبدأ العرض فنجلس و نقوم و نستلقي على الأرض تبعا لأوامر طرزان ثم يأتي دور لبنى كي تقفز خلال دائرة النار، لكنها ترفض، قد يكون السبب مزاجها المتوتر بسبب عدم إكمال ما قد بدأته مع سلطان في القفص بالإضافة لعدم تناولها الطعام الذي به المخدر. يصرخ بها طرزان فلا تستجيب. يهوي عليها بسوطه لكنها مصممة على عدم الإستجابة و يظهر عليها ملامح الغضب، يستخدم شوكته في حثها على القفز فتضرب الشوكة بقدمها الأمامية في تحدي، طرزان أيضا يغضب و يهوي عليها بالسوط مرة أخرى. سلطان يراقب الأحداث متوترا مترقبا، أهمس أنا في أذنه:
ـ الجبان الندل، بيتجدعن عليها علشان أنثى، مش من حقه يإذيها و يضربها.
يبدأ سلطان في الزئير متحديا، يحتار طرزان بين عناد لبنى و ثورة و زئير سلطان، لوهلة يبدو عليه الإرتباك، يهوي بسوطه على
سلطان، أقول أنا له:
ـ ما تسكتش له.
يقفز سلطان غاضبا قفزة واحدة كبيرة يجثم بها على طرزان وينشب أنيابه في كتفه.
هرج و مرج و صريخ في السيرك. عمال السيرك يدخلون القفص و معهم حرابهم، يستخدمونها في إبعاد سلطان عن مدبولي ويسحبون مدبولي المغشى عليه و المضرج في دماءه خارج الحلبة.
نعود نحن إلى قفصنا. كانت ليلة متوترة بالنسبة لي، في الصباح يحضر عمال السيرك و يطلقون النار على سلطان فيردوه قتيلا فقد أصبح غير قابل للترويض. منظر سحبهم لجثته سيظل عالقا بذهني لسنوات، فقد تحول سلطان من وحش رهيب رائع و قوي إلى جثة خامدة هامدة تثير الشفقة.
لفرحتي الشديدة سنأخذ نحن باقي الأسود أجازة من العرض حتى يشفى مروضنا طرزان. في نفس الوقت تبدأ لبنى في التقرب لي. فعلا كما يقول الآدميون «مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد» أو كما أقول أنا «مصائب أُسـُدٍ عند أُسـُـدٍ فوائد».