الأديبة والباحثة : إخلاص فرنسيس
الرسالة الثانية:
حديث إليه
المساء حالك اليأس، انتبهت فجأة إلى المرآة المعلّقة على الجدار، لأول مرة أنتبه لوجودها، اليأس القاتم حول حدقتي هالة من العتمة، كلّ ما في وجهي ليس لي. عدت إلى طاولتي، أقلّب الأوراق، أعيد قراءة ما كتبت، صفحات تميل إلى الاصفرار، وكأنّ الصقيع وكورونا قد حاكا خيوط الورق.
كانت السماء تمطر، حين استيقظت صباحاً، ارتديت معطفي، وحملت المظلة أتقي بها البلل، كلما كان المطر يزداد شدّة كانت ذاكرتي تزداد حدّة.
اندفعت في الطرقات تسبقني خطواتي، السيارات تعبر بي ملأى بالعيون، وجوه أضناها الوجع، انشغلت عن المطر وعن المظلّة. هل حقّاً أبدو كواحد منهم؟ سألت المرآة، رأيت وجوهاً تختفي خلف الأقنعة، وأوبئة تلوك الأصابع الوردية، والمطر ما زال وابلاً. أفتح فمي فتتبخّر على شفتي رائحة الورق المبلّل، ورائحة شمعة اللافندر، تخترق جهازي التنفسي. ملوحة الشوق تشعل عطشي، كان عليّ أن أنهي رسالتي الثانية، ولكن بدلاً من ذلك ركضت مسرعة هرباً من عاطفتي الغلّابة، وهرباً من العيون التي تحدّق بي من داخل المرآة.
سحبت جديلة شعري من بين صفحات دفتري العتيق، وضممت فنجان القهوة، لأشعر ببعض الدفء، كي أستطيع أن أضرب الحروف على مفاتيح الكيبورد، ببطء رحت أعيد قواعد اللغة، وأعيد ترتيب الكلمات، أصغي لصوت المطر الهاطل منّي. عقرب الساعة يتقدم بسرعة، انتهى النهار، ماذا أنا فاعلة؟
هل أسحب وجهي من المرآة، وعيوني من اللامبالاة؟ شربت قهوتي، وبردت المتّة في الكوب. هل سننجح في النسيان؟ هل تعتقد أنّنا سننجح في التجربة؟ زررت سترتي،
ولملمت الأوراق، وخرجت، توقّف المطر، والشمس تضحك من السحب العابرة. طويت الورق، لا أذكر ما كتبته، هل أستطيع اقتراض بعض من ذاكرتك، وبعض الفرح؟ لا أستطيع أن أنكر ابتسامتك المخلصة، والخوف من أن تعود إلى وحدتك، والخوف من تصحف الكتب وألّا تجدني، وفكرة اليأس المرعبة، والملل المتراكم، وموت الذاكرة.
بدأت تتكوم من جديد أسراب الحنين في صدري، أشباح الماضي ترتفع، شمعتان تتّقدان، وتذوبان، ذبلت الرسائل، ولم يأتِ ساعي البريد!
السؤال: كيف سيحترمنا العالم وهل سيسمحوا لنا بإقامة مهرجانات قادمة ؟؟؟