بقلم: تيماء الجيوش
صدرت نتائج الانتخاب في كندا وانتهت إلى فوز الحزب الليبرالي . كانت هذه الانتخابات ولا زالت مترافقة مع ظروف استثنائية هذا العام من حيث الحرب التجارية ، الاقتصاد والهجرة و السيادة . ذروتها كانت بفرض تعريفات جمركية مجحفة بحق كندا من قبل ترامب و عدم احترامه للسيادة الكندية و عدّهِ كندا الولاية الأمريكية الواحدة و الخمسين . شُغلنا جميعاً بهذا التصريح و ما يعنيه من حيث مسألة السيادة، و على الرغم مما يمثله من خروجٍ عن اللياقة السياسية و الدبلوماسية لكنه دفع بمعظم الكنديين على اختلاف مشاربهم السياسية إلى مزيدٍ من الوحدة و انتخاب السيد مارك كارني كرئيس للوزراء و بثقة في الخبرة المالية و الاقتصادية التي يمتلكها و التي يشهد له العديد بها لا سيما دولياً. على اية حال ما اجمعنا عليه نحن أهل كندا على المستوى الفردي والأحزاب السياسية منذ بدء الحرب التجارية و الغلو في عدم احترام السيادة الكندية من قبل رئيس دولة جارة و حليفة، اجمعنا أن يكون لنا وحدة و موقفاً ثابتاً من هذه المتغيرات الدولية .و هكذا كان خاض زعيم الحزب الليبرالي مارك كارني حملته الانتخابية على أساس قدرته على التفاوض مع الرئيس دونالد ترامب, و دعى الجميع لبناء كندا و تم انتخابه بالأمس رمزاً لكل ما تقدم.
بالعودة إلى الحديث عن الديمقراطية فان حرية الانتخاب و الترشح هي حق أساسي في المجتمعات المتحضرة و لا يضيرها التنوع في الرأي و الميل السياسي لهذا الحزب، بل يُعدُّ هذا تعددية سياسية يحدث في اي مجتمع له تقاليد ديمقراطية عريقة.
و من يمنح الـسلطة هو ما يدلي به الناخبون في صناديق الاقتراع ،و صنعهم القرار و هذا هو جوهر النظام الديمقراطي و امراً محورياً في هذه الشراكة ،وبالتالي فان المشّرعين اللذين تمّ اختيارهم يتولون أداء هذه المهمة التي أولاهم إياها الناخبين مما يخلق من حيث النتيجة ثقة تبادلية، سلاماً وأمناً.
لا مساحة لتهميش الأفراد والجماعات ، و للنساء مساواةً يحميها الدستور و القانون بكل افرعه. في كندا تُمثل النساء نصف السكان و ليس هناك من نصرٍ انتخابي يمكن ان يتم دون مشاركتهن الفاعلة .و بالعموم صعود اي حزب او تيار سياسي يعتمد على إستراتيجيته التي تعكس مبادئه، جوانب رئيسية من هذه الإستراتيجية تعتمد على قدرة الحزب في جذب النساء على اختلاف انتمائهم الاجتماعي- الاقتصادي. في رؤية النساء لأنفسهن منعكسات في السياسة و ذكرهن و هذا يتم عبر مناقشة الأحزاب للقضايا التي تمس الأسرة و المساواة بين الجنسين حيث يتجلى صوت المرأة في الخطاب العام. و هذا ما درجت عليه تقاليد الديمقراطية و ما اتسمت به السياسة في كندا اي احترام دور المرأة و جذبها . اليوم علينا ان نحتفل بنظامنا السياسي و الديمقراطي و بالمرأة الكندية التي ازداد تمثيلها في البرلمان الكندي منذ العام ١٩٢١ أي ما ينوف عن قرن ، و أسهمت و بشكلٍ مباشر في رسم خطوط السياسة الكندية داخلياً و دولياً.
قبل مائة عام، في السادس من ديسمبر/كانون الأول عام 1921، أصبحت آغنيس كامبل ماكفيل أول امرأة تُنتخب لعضوية مجلس العموم وأول امرأة برلمانية في برلمان كندا.
تعاقبت أجيال البرلمانيات الكنديات ليصل في الانتخابات السابقة إلى نسبة قياسية حيث بلغ مجموع النساء في مجلس الشيوخ ٤٩٪ و ٣٠٪ من نائبات مجلس العموم. و تاريخياً يكون تمثيل النساء أعلى في مجلس الشيوخ لاعتبارات عديدة منها تحقيق التوازن بين الجنسين و يختلف مجلس الشيوخ بان أعضائه يتم تعيينهم.
يُختمُ القول هنا بما تُقرّه اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام ١٩٧٩ CEDAW
و حق المرأة في المشاركة الكاملة والمتساوية في الحياة العامة والسياسية لبلدها. حيث وكثيرًا ما تُستخدم نسبة البرلمانيات، أو التمثيل الوصفي للنساء، لقياس مدى إعمال هذا الحق. على سبيل المثال، تُستخدم هذه النسبة لقياس ما تحقق من تقدم في تحقيق أهداف الأمم المتحدة في التنمية المستدامة لا سيما الهدف الخامس من حيث النهوض بالمساواة بين الجنسين. باتت كندا في هذا الحيز نموذجاً يُحتذى به في التوازن الجندري و في احترام شرعة حقوق الإنسان و جوهره . يتغير السياق السياسي و تتغير معه شعارات الأحزاب و تبقى حقيقة ثابتة أن أية إستراتيجية أو برنامج لا يمكن تحقيقه دون دعم المرأة و مشاركتها و الأهم أن الديمقراطية هي من اجل الجميع و للجميع.. لنبني كندا و لنا الفخر بها . Build baby, build.