بقلم: تيماء الجيوش
ديدي كوم هو فنان له جمهوره وله موسيقاه التي يتابعها عدد كبير من معجبيه. يعمل في الولايات المتحدة الأمريكية في هوليوود كاليفورنيا. و قضية ديدي تتلخص في أنه قام بضرب صديقته وتعنيفها بشكل مؤذٍ جدا ، هذا الإيذاء كان مستمراً لعددٍ من السنين وعبر علاقتهما معاً . مؤخراً هذه الصديقة قامت بتقديم شكوى إلى الشرطة متخذة صفة الشاكية و بأنها ضحية للعنف من قِبلهِ. ما أن خرجت هذه الشكوى إلى العلن حتى تباينت الآراء حولها، تناولتها بعض أجهزة الإعلام إما بشكلٍ ناقدٍ و سلبي ، وإما بشكل حيادي ، وإما بشكل مساند متعاطف وهذا الأخير كان ضئيلاً كماً و نوعاً ، وكذلك كان حال ما وقف عليه البقية من المؤسسات والأفراد.
ما كان غالباً حقيقة هو الرأي الذي عمّ و نفى أن ديدي من الممكن أن يرتكب هكذا عنف وأن هذا هو أبعد ما يكون عن شخصيته و اخلاقه. . لم يصُدّق أحد أن شخصا بحجم هذا الفنان والذي هو شخصية عامة معروفة، نافذة ، تعمل و تُعدُّ من الأوجه الثقافية والفنية فيHollywood أن يقوم بهذا الفعل . فهو الذي أوجد برنامجاً موجهاً لاستقطاب الشباب و اكتشاف مواهبهم في العام ٢٠٠٨-٢٠٠٩ ، لم يستطيع أحد أن يتقبل أن شخصا مثل هذا يعامل بعنفٍ صديقته ، كانت بعيدةً عن ان تكون رواية صحيحة في نظرهم. ما زاد الأمر أكثر ميلاً لمصلحة ديدي انه هو و بشكلٍ شخصي أي ديدي نفسه وفي شهر ديسمبر، كانون الاول من العام ٢٠٢٣ أنكر هذا العنف في بيانه وأكدّ و بكل ثقة أنه شخص غير عنيف وأنه بريء تماماً مما نُسِبَ إليه، تجاوز بيانه ذلك ليوجه اتهاماً وبشكل مباشر إلى صديقته وانها محاولة منها للتربّح على حسابه ، وإنها ما تقدمت بدعوتها و اتهامها إلا طمعاً في المال ، وإنها ترغب بتعويض ٍ ما لأنهما لم يعودا معا.
إلى هنا قد تبدو للبعض هي ذات القصة و تشابه تفاصيلها و حدوثها ما بين طرفين يتهم أحدهما الآخر ووسائل الإثبات تقع على عاتق من اتخذ صفة الاتهام من حيث الشكوى والتحقيق و الادعاء أمام القضاء. و في القضاء و دور المحاكم لا مساحة لأية أحكام مسبقة و بدون أدلة دامغة لا ظلم هناك و أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته.
لكن الأمر ليس كذلك ، ليس بهذه البساطة لمن يتتبع العنف ضد المرأة و تفاصيله والديناميك الاجتماعي حوله ، ليست كذلك للنسويات و كل مهتم و باحث في حقوق المرأة والعنف ضد المرأة عامةً. هي تفاصيل تتراوح درجة تشابهها من حيث النوع و درجة العنف احياناً، لكن الذي يُعاد تكراره و مع خيبة أمل، مع كل إمرأة تتعرض للعنف هو كيفية تناول شكوى العنف الممارس ضدها سواء كان جسدياً ، جنسياً أم نفسياً من قبل الجهات الرسمية، الرأي العام ، و كيف تتم معالجته من قبل وسائل الإعلام ؟ ما هو الدعم الذي تلقاه المرأة؟ ما هي الوسائل القانونية التي تمنح النساء المُعنفات المساحة للحصول على العدالة و احترام الكرامة؟ لماذا هذا اللوم الذي يوُجه لكل ضحايا العنف؟ لماذا القفز لأحكام جائرةٍ مُسبقة واولها الجشع و الابتزاز المادي؟ مع الدعوى التي أقامتها صديقة ديدي لم تكن مسيرةً هينة على الإطلاق، وُجِهتْ هذه المرأة بأنها كاذبة، العديد لم يصدّق ادعائها ، لأنها توجه اتهاما إلى شخص ٍ له ثِقّلهُ الفني و الإعلامي و الاجتماعي ، تناثرت الاتهامات التي تتجانس مع بيان المعتدي و أولها جمع المال و اقتناص الفرص لابتزاز شخصية لها تأثيرها الفني والمجتمعي. تمّ نبذها من قبل العديد ، و إلى حدٍ ما عُزِلتْ عن دوائر اجتماعية متعددة. دعواها الجزائية بالعنف ضدها سقطت بمرور الزمن و هذا هو ما عليه الحال في القانون الأمريكي.
لاحقاً لذلك ظهر دليل هام، شريط فيديو من الفندق الذي أقام كلاهما فيه ، و الذي يُظهر وبشكل واضح أنه أي ديدي يمنعها من الهروب ، يُلقي بأغراضها بعيداً ، يضربها بشكل عنيف ، يقوم بجرها كما الشاة إلى غرفتهما ، ويركلها بكل قوة، ثم يلقى بإناءٍ من الزجاج إلى جوارها على الأرض . هذا الشريط قيل فيما بعد أنه لم يظهر منذ بدء الشكوى لأنه تم إخفاءه بعد أن قام المعتدي بدفع رشوة مقدارها 50,000 دولار أمريكي إلى إدارة الفندق كي يُخفى و لا يبرز هذا الشريط ابداً .
من أوجه الضعف القانونية التي برزت في هذا الحيز كانت أمر الإبلاغ عن الجرائم المرتكبة والتي تُشهد من قبل فرد، عامل ، موظف أو أياً كان صفته . بالمبدأ من يشهد هكذا جرم هو غير مُلزم بالاتصال بالجهات المعنية و التبليغ . و هذا تحديداً ما كان عليه الحال في هذه القضية ، إدارة الفندق لديها الشريط الذي وثق جرم العنف و أقام الطرفان لمدة معينة هناك ، لكن الإدارة او اياً كان مسئولا عن امن و سلامة المقيمين لم يتقدم و يتصل بأي من أقسام الشرطة أو يُرسل من يعمل لديهم في قسم الحراسة لتفقد السيدة التي وقع عليها العنف. لم يحدث هذا إطلاقاً. هذه قاعدة قانونية هامة في القانون الأمريكي بالعموم فرؤية أية جريمة تُرتكب و يُشهد عليها فلكلٍ الحق في الخيار أن لا يُبّلغ عنها هذا أولاً، أما ثانياً والذي هو بذات درجة الأهمية هو الإطار الزمني لفعل العنف، أي الوقت الذي وقع فيه، و مرور مدة معينة على هذا الفعل لا يمكن بالمطلق ملاحقته الجزائية نظرا للتقادم الواقع عليه. ما تلا ذلك في قضية العنف هذه دفع إلى الأمام بكل مخاوف النسويات و الباحثات و الباحثين ، و أكد نظريتهم بان المرأة غالباً يُفترض عدم مصداقيتها عند التبليغ ، ما أدى في حالات كثيرة إلى جرائم ذهب ضحيتها العديد من النساء. عندما كُشِف أمر التسجيل و تم تسليم شريط الفيديو بكل ما يُمثّل من إهانة و عنف و استلاب للضحية ، ظهر ديدي في بيان آخر منذ أيام ليقول : بأنه يعتذر عن سلوكه وأنه يؤنب نفسه على ما فعل ، وإنه بحاجة للمعالجة . خلال بيانه بأكمله لم يتوجه بكلمة واحدة إلى الضحية يعبر فيها عن اعتذاره وعن ندمه وأسفه ، غلبت نرجسية تفوق الوصف على اعتذاره ، افترض أن جرمه ليس بهذه الأهمية ، تغافل عن منعها من محاولة الخلاص و الهرب ، افترض أن هذا العنف قد يحدث في أية علاقة ، افترض أن ذنبه مغفور . لم يلتفت إلى انه قال كاذباً و عبر بيانه في شهر كانون الاول ، ديسمبر ٢٠٢٣ بأنه بريء من كل جرم ، لم يلتفت إلى انه شهّر بضحيته و رسم لها صورة إنسانة جشعة في الإعلام تبتزّ ماله لما له من مركزٍ مالي و اجتماعي. كذب عن عمدٍ ، كان يعلم يقيناً أن ضحيته ضعيفة وتدور في فلكه الذي لا تستطيع الخروج منه ، كذب و هو شخصية عامة لها من القوة و من العلاقات و من الامتيازات المجتمعية والمالية ما يمكنه أن يمنع عنها الادعاء منذ مراحله الأولى ، أراد أن يمنع عنها التقدم في قضية للعنف .
لماذا ذكر هذه القضية الآن ؟ ليس لأنها راهنة. أحداثها لا تزال تجري من تحقيق و مذكرات إحضار وتفتيش و غيره و حسب ، و لكن لأنها تنطبق على ضحايا العنف بغالبيتها من حيث الناحية القانونية و اعني بذلك مضي المدة الزمنية، هل هي دعوى جزائية أم دعوى مدنية ؟ الحصول على الأدلة و طرق الإثبات المعقدة و التي غالياً ما تُرهق عاتق النساء. زد على ذلك غالباً ما تقع الضحية في دائرة من الخوف، تقع في دائرة من العوز المادي، السيطرة أو الابتزاز العاطفي والمعنوي ما يؤثر كثيرا على مركزها القانوني ليس فقط حين التقدم بشكوى و لكن ايضاً المُضي بها. في هذه القضية ، الضحية لم يكن الزمن عاملاً مساعداً لها مما جعلها تخسر الإدعاء الجزائي ، في قضيتها أيضا الفندق و إدارته لم تتوجه بأي بلاغ عن هذه الجريمة، بالرغم من أنها وقعت هناك . عيوب قانونية كثيرة تُسهم في زيادة العنف ضد المرأة برزت إن كانت من حيث التبليغ ، سقوط الجرم بالتقادم، استخدام النفوذ و إخفاء الأدلة، تقدم الشهود . وهل ارتكاب العنف ضد المرأة هنا يُعدُّ مخالفة أم جنحة أم جناية . حماية المرأة، صون كرامتها ، مناهضة العنف ضدها ، احترام حقوقها جميعاً هي من سمات المجتمعات المدنية التي توازنها لا يستقيم إلا بمساواة تنال الجميع و عدالة اجتماعية.