بقلم / مسعود معلوف
بتاريخ الرابع عشر من تموز/يوليو 2015، عقدت الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا والصين) ومعها ألمانيا والإتحاد الأوروبي، اتفاقا مع إيران لضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية، وقد عرف هذا الإتفاق ب “خطة العمل الشاملة المشتركة”.
في حملته الإنتخابية في تلك السنة، ركز المرشح دونالد ترامب على محاربة هذا الإتفاق واصفا إياه بأسوأ اتفاقية تعقدها الولايات المتحدة على الإطلاق، وبعد تسلمه الرئاسة بسنة ونصف، قرر الإنسحاب من هذا الإتفاق بصورة أحادية، وأعاد العقوبات على إيران التي كانت رفعت عند توقيع الإتفاق وأضاف عليها عقوبات جديدة قاسية جدا، فعمدت إيران بعد ذلك الى تخصيب اليورانيوم بشكل متسارع، ثم ما لبثت أن منعت مراقبي المنظمة الدولية للطاقة الذرية من القيام بواجبهم الرقابي وفق الإتفاق داخل منشآتها النووية، معلنة في الوقت نفسه أن برنامجها النووي هو لغايات سلمية فقط.
بعد أن تسلم جو بايدن الرئاسة، وهو كان نائبا للرئيس باراك أوباما عند توقيع الإتفاق وساهم في الوصول اليه، شاء تنفيذ وعده الإنتخابي بالعودة الى الإتفاق ودعا إيران والدول الأخرى الموقعة عليه للتفاوض بشأن إعادة إحيائه. وفي خلال 16 شهرا، عقدت تسع جولات مفاوضات في فيينا وجولة في الدوحة، ولم تقبل إيران الجلوس مع الوفد الأميركي في قاعة واحدة، فتولى الإتحاد الأوروبي دور الوسيط بينهما، ولتاريخه لم يتم التوصل بعد الى التوافق على شروط إعادة إحياء هذا الإتفاق.
لقد ظهرت في الأيام الأخيرة بعض التطورات والمواقف التي يمكن أن تؤدي الى توافق بين الولايات المتحدة وإيران على إعادة إحياء الإتفاق، ولكن ما زال هنالك بعض العقبات التي تقف في طريق وصول المفاوضات الى نتيجة إيجابية، هذا مع العلم أن هنالك اعتبارات إيجابية للوصول الى النتيجة المرجوة، كما أن هنالك صعوبات تحول دون ذلك في كل من الولايات المتحدة وإيران.
أولا، بالنسبة الى الولايات المتحدة، ومن ناحية الإعتبارات التي من شأنها أن تساعد على عودتها الى الإتفاق، فإن هذا الأمر هو من وعود الرئيس بايدن في حملته الإنتخابية ومن مصلحته تنفيذها من أجل مصداقيته، كما أن السياسة الأميركية تسعى بجميع الوسائل الى عدم حصول إيران على السلاح النووي، وهذا الإتفاق من شأنه أن يحقق هذه الغاية، يضاف الى ذلك أن الرئيس بايدن يهمه كثيرا رفع العقوبات عن إيران لتمكينها من إعادة بيع الغاز والبترول للدول الأوروبية للتعويض عن النقص في وصول البترول الروسي الى هذه الدول نتيجة للعقوبات المفروضة على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، وما نتج عن هذا النقص من ارتفاع جنوني في أسعار الطاقة في أوروبا، مع ما يمكن أن يسببه ذلك من تضعضع في التحالف الغربي ضد روسيا.
ولكن إدارة بايدن تواجه عقبات في طريق الوصول الى اتفاق مع إيران أهمها أن الحزب الجمهوري، الذي ما زال للرئيس السابق دونالد ترامب سلطة قوية عليه، يعارض بشدة هذا الإتفاق، كما أن بعض القادة في حزب الرئيس بايدن الديمقراطي يعارضونه أيضا، والولايات المتحدة ستشهد في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر انتخابات تشريعية نصفية قد يخسر فيها الحزب الديمقراطي الأكثرية الضئيلة جدا التي يملكها حاليا في الكونغرس، وفي حال انتقلت الأكثرية الى الحزب الجمهوري، فإن برنامج بايدن التشريعي سيتعطل بالتأكيد، ولذلك نرى الإدارة الأميركية تتردد في المضي بسرعة نحو إنجاز الإتفاق مع إيران.
يضاف الى هذا العامل السلبي عامل آخر هو موقف إسرائيل المعادي بشدة لأي تقارب أميركي مع إيران، وهذا الموقف الإسرائيلي واضح وعلني، وتدعمه بقوة منظمات أميركية-إسرائيلية، ولكن قد تستطيع الإدارة الأميركية تخطي المعارضة الإسرائيلية على الإتفاق، على غرار ما فعلته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما حيث كان بايدن نائبا للرئيس، وقد حضر آنذاك، نتنياهو الذي كان رئيسا للوزراء الى واشنطن قبل توقيع الإتفاق بأشهر قليلة، وألقى خطابا شديد اللهجة ضد الإتفاق في الكونغرس الأميركي، ولكن إدارة أوباما / بايدن تجاوزت الموقف الإسرائيلي، ولم يتم استقبال نتنياهو في البيت الأبيض، ومضت الولايات المتحدة في مفاوضاتها مع إيران الى ان تم توقيع الإتفاق.
ثانيا، بالنسبة الى إيران، فهي يهمها بالطبع رفع العقوبات عنها خاصة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، وإعادة علاقاتها مع دول العالم لتعود دولة مقبولة بالكامل في المجتمع الدولي، وتتمكن من تصدير الغاز والبترول حيث تشاء ودون أن تتجنب دول أخرى استيراد المواد والمنتجات الإيرانية خشية التعرض للعقوبات، كل هذه الأمور من شأنها أن تشجع إيران على العودة الى الإتفاق.
ولكن كما هي الحال في الولايات المتحدة، فإن إيران أيضا تواجه عقبات داخلية في طريق إنجاز الإتفاق إذ هنالك فريق متشدد يرفض أي تقارب مع “الشيطان الأكبر”، والبعض يفضل تجاهل العقوبات الأميركية والدولية والإستمرار في تخصيب اليورانيوم وصولا الى السلاح النووي، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية منذ عشرين عاما، ويبدو أن هذا الفريق الإيراني المتشدد لديه بعض التأثير على السلطات التي تنفي باستمرار عزمها على أنتاج السلاح النووي. وقد يكون هذا الفريق وراء مطالب إيران التعجيزية من الولايات المتحدة لجهة رفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب وتقديم ضمانات بعدم انسحاب الولايات المتحدة مستقبلا من الإتفاق في حال تغيرت الإدارة مثلما حصل بعد تسلم ترامب الرئاسة، وهذه ضمانات لا تستطيع إدارة بايدن توفيرها.
وبالإضافة الى العقبات في كل من إيران والولايات المتحدة، لا بد من التذكير ان المنظمة الدولية للطاقة الذرية تصر على إجراء تحقيق حول ما قامت به إيران من إقفال لكاميرات التصوير في منشآتها النووية، او حول تخصيب اليورانيوم بشكل متسارع بعد الإنسحاب الأميركي من الإتفاق، ولكن إيران ما زالت ترفض حصول مثل هذا التحقيق.
في ظل هذه الأجواء، هل يمكن توقع إعادة إحياء الإتفاق في المستقبل القريب؟
لقد قام المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بمساع حثيثة بين الولايات المتحدة وإيران حيث قدم مسودة لبنود تفاهم يمكن البناء عليها للوصول الى توافق قد يؤدي الى إعادة إحياء الإتفاقية النووية، وأعلن أن أجوبة إيران على مقترحاته كانت “معقولة” وأن الكرة الآن هي في الملعب الأميركي، وهو بانتظار رد إدارة بايدن على مشروع التوافق، وقد فُهم من ذلك أن إيران تنازلت عن شروطها ومطاليبها من الولايات المتحدة.
فإذا كانت إيران قد استطاعت بالفعل تجاوز الفريق المتشدد لديها، هل ستستطيع الإدارة الأميركية تجاوز اعتراض الحزب الجمهوري وبعض قادة الحزب الديمقراطي والعودة الى الإتفاق مع إيران؟
هنالك شكوك في إمكانية حصول ذلك وكثيرون يعتقدون أن إيران تعرف جيدا الصعوبات التي تواجه بايدن في هذا المجال، وقد تكون تنازلت عن شروطها المسبقة لعلمها أن بايدن لن يستطيع، في الظروف الإنتخابية الحالية، تقديم أي تنازل لإيران إذ سيؤكد ذلك الإنطباع السائد بأنه رئيس ضعيف، وهو يسعى جهده لتبديد هذا الإنطباع، وفي هذه الحال ستتمكن إيران من تحميل الولايات المتحدة مسؤولية عدم إحياء الإتفاق النووي.
من هذا المنطلق أعتقد أن الرئيس بايدن سيماطل في الرد متهما إيران بالتخطيط لاغتيال مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب السفير جون بولتون ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وطالبا إيضاحات ومواقف علنية جديدة من إيران وذلك لكسب الوقت، وإظهار عدم تساهله مع الجمهورية الإسلامية، ريثما تنتهي الإنتخابات النصفية، وفي حال كانت إيران قد تنازلت فعلا عن شروطها، فإن إدارة بايدن تستطيع عندئذ إعلان عودة الولايات المتحدة الى الإتفاق النووي، ربما في أواخر هذه السنة أو في مطلع السنة القادمة.