بقلم: كنده الجيوش
تشير بعض المواقف في مجتمعاتنا الى أهمية المبادرات الفردية حتى ولو كانت أسهمت في تغيير حياة فرد واحد.. وهي مبادرات لاتقل أهمية عن تغيير حياة مجتمع.
وكل واحد منا ربما كان محظوظا لتمنحه الحياة فرصة لتغيير حياة شخص أو أشخاص آخرين نحو الأفضل… وأحيانا بعض هذه المبادرات تتجاوز بعض التعليمات الإدارية – وربما القوانين – في صالح تحسين حياة اشخاص هم في اشد الحاجة للمساعدة في ظل ظروف قاسية وغير عادلة.
وهنا نستذكر أنا وأخواتي بعض من مواقف والدتي – علياء الحديدي – في مدينتها الصغيرة الحسكة ومن خلال عملها كمديرة لمدرسة في منطقة نائية وتاليا في وسط المدينة.
واعتقد انه كان هناك أكثر من شخص يقوم ما تقوم به والدتي وكانوا من الرواد وأنا فقط اذكرها هنا كمثل من باب الوفاء والتذكير وربما التحفيز للبعض من خلال قصص شخصية.
ومنها أنها في منطقة العزيزية من ضواحي الحسكة — التي كانت تفتقر في أيامها الى تمديدات المياه الجيدة والصرف — كانت تفتح أبواب المدرسة أحيانا خارج أوقات الدوام أو خلاله ليأتي الأهالي ويأخذوا احتياجاتهم اليومية من المياه. وكان هذا مخالف للتعليمات ولكن حاجة الفقراء أهم.
وكانت أيضا تفتح أبواب المدرسة لأشخاص مجتهدين يفتقرون الى المنازل الهادئة التي تتمتع بالإنارة ولا تصلها الكهرباء ليأتوا ويدرسوا في المدرسة وتكون مثل المكتبة لهم وأيضا خارج أوقات الدوام الرسمي. وهو أمر لم يكن مسموح به ولكن بعض هؤلاء الطلاب كان مجتهدا وأصبح خريج جامعي ولاحقا عضو في مجلس الشعب … وكان وفيا ويذكر هذه المبادرات الفردية وأهميتها في حياته.
ومنهم طالب عنفته معلمته وطردته من الصف لأنه لم يحفظ درسه ووصفته بالكسول والفاشل وقالت بأنه أهل لرعي الأغنام فقط… واشتكى الأب لوالدتي علياء المديرة .. التي أعادت الطالب الى الصف وحذرت المعلمة من إساءة معاملته مرة أخرى… وتحسن الطالب واجتهد وأصبح طبيبا جراحا وجاء الى والدتي وشكرها يوما… على أهمية موقف صغير ولكنه مفصلي رئيسي في حياته.
وماذا ايضا … عشرات التلاميذ الأكراد الهاربين مع أهاليهم الى الجزيرة السورية من تركيا.. وكانت تساعدهم أيضا بان تقوم بسبر معلوماتهم باللغة العربية من خلال قراءة القران ( لأنهم اكراد ولا يتحدثون العربية ) لتحدد مستواهم وترسلهم الى الصف الثالث او الرابع الابتدائي بدلا من الصف الأول .. لان الصف الأول كان سيحبط معنوياتهم ويسهم في تدهورهم التعليمي. وطبعا كان هذا ضد التعليمات الوزارية او التعليمي ولكنها كانت تتطاحن وتحاجج مع الدوائر العليا بمنطق المعلم الكبير الذي يعلي منطق الإنسانية للطلاب والرأفة والحكمة في تقوية المجتمع وتعليمه ومساندة روح الطلاب المضطهدين.
وماذا بعد وفي يوم من الأيام كان هناك تقنين للمياه في قرية زراعية صغيرة تملك أرضا فيها واشتكى لها الفلاحين لأنها كانت سيدة لديها علاقات إجتماعية وسياسية كثيرة وتحب مساعدة الناس. وعندما كانت تفاوض الأمر مع الجهات العليا عرض عليها ان تتغاضى عن الأمر وتصمت على الأمر مقابل رفع التقنين عنها وحدها. ورفضت وقالت نحن جميعا معا.
علياء الحديدي (أم عدنان) كانت ترفض ان تغلق الباب الأمامي للدار حتى لا يتهيب سائل او محتاج من طرق الباب وحتى يعرف انها قريبة ومرحبة به وتسمع وتساعد. . والبعض يقول انها عادة تركية وإن الملائكة تدخل إن ترك الباب مفتوحا. ووالدتي رحمها الله – مع بعض الإرث التركي- ربما رأت بالمحتاجين ملائكة تزور وتبارك الدار.
وفي أيامها الأخيرة يقول الأقارب أنها كانت تحافظ على الهاتف المحمول قريب منها لان الناس المحتاجة – ورغم بمرضها – كانوا يتصلون بها لتساعدهم وتؤمن لهم الأعمال والفرص وتسهل لهم قضاياهم ولتصلهم بمن يساعدهم.. وكلهم ثقة أن السيدة علياء (عالية) هي معهم وستساعدهم وان كانت تحتضر.
ثقة ومحبة كبيرة.